في خضم تصاعد النقاش الدولي حول مستقبلها، تسعى بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية (المينورسو) إلى الحفاظ على استمراريتها من خلال حشد دعم دول لم تحسم مواقفها النهائية بعد، مثل روسيا والصين. وتُعد ألمانيا من بين أبرز الدول التي قدمت دعما ماليا تجاوز 82 مليون يورو بهدف تعزيز قدرات البعثة في مجالات التدريب، الطاقة المتجددة والدعم اللوجستي.
هذا التحرك يأتي في ظل تقليص الدعم المادي من قِبل قوى غربية كبرى، على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، ما يعكس تحولاً في ميزان المواقف الدولية، ويضع المينورسو أمام واقع جديد تحاول التكيف معه عبر توسيع خارطة شركائها الدوليين.
تراجع الدعم
بهذا الخصوص، قال بوسلهام عيسات، باحث في الدراسات السياسية والدولية، إن الدول الكبرى والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، كالولايات المتحدة وفرنسا، أعلنت بشكل صريح عن إيقاف دعمها المالي لبعثة المينورسو بالصحراء المغربية، وهو إجراء ينسجم مع موقفها الداعم لمغربية الصحراء ولمقترح الحكم الذاتي كأساس وحيد لتجاوز النزاع المفتعل، ومن دون شك، فإن هذا من شأنه التأثير على مسار تدبير الملف داخل مجلس الأمن في الشهور القادمة.
وأضاف عيسات، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن طلب البعثة الدعم من دول أخرى بعد الإعلان عن وقفه من دول كبرى، يفيد بأن دورها بالصحراء أضحى مسألة وقت فقط، لا سيما وأننا أمام دينامية واقعية وتحول جيو-استراتيجي في المواقف على مستوى مجموع الفضاءات الدولية. ومن ثم، فإن هذا الدعم الظرفي هو لتدبير هذه المرحلة المؤقتة ليس إلا.
وأكد المصرح لهسبريس أن استمرار بعثة المينورسو لا ينسجم مع الدور المنوط بها، خاصة بعد إعلان جبهة البوليساريو تنصلها من اتفاق وقف إطلاق النار، واستمرارها في تهديد سلامة المواطنات والمواطنين المغاربة في الأقاليم الجنوبية.
وأوضح أن هذا الخرق يعرقل فعلياً مهام البعثة على الأرض، خصوصا شرق الجدار الرملي، حيث تتحرك ميليشيات الجبهة دون رادع. وشدد على أنه من غير المنطقي التسليم بمواصلة البعثة مهامها أمام هذا الواقع الميداني الذي أفرغ دورها من أي مضمون فعلي.
تحول حاسم
يرى حسن بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية، أن تحركات بعثة المينورسو الأخيرة تعكس إدراكا داخليا بأن وضعها أصبح هشا، وأن بقاءها مرتبطٌ إلى حد بعيد بقدرتها على إقناع المجتمع الدولي بأهمية استمرارها.
وقال بوقنطار إن الدعم المالي الذي قدمته ألمانيا لا يعكس تبنيا سياسيا لرؤية محددة، بقدر ما هو محاولة لتفادي الفراغ المؤسساتي، في وقت أصبحت فيه موازين القوى تميل بشكل واضح لصالح الطرح المغربي.
واعتبر الخبير في العلاقات الدولية، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن انسحاب بعض الدول من تمويل البعثة لا يُعد قرارا إداريا فقط، بل هو موقف سياسي يترجم إلى ضغط على الأمم المتحدة من أجل بلورة آلية جديدة لتدبير الملف، تقوم على تجاوز منطق التسيير التقني نحو انخراط فعلي في دعم حل واقعي ونهائي، يتجسد في مبادرة الحكم الذاتي المغربية التي تحظى باعتراف دولي متزايد.
إعادة التموضع
وأكد بوقنطار أنه لا ينبغي فهم تحرك المينورسو نحو روسيا والصين كاستقطاب لحلفاء جدد، بل كمحاولة لإعادة التموضع داخل مجلس الأمن، من خلال إقناع الأطراف المترددة بأهمية الإبقاء على آلية المراقبة الحالية، على الأقل في المدى القصير. لكنه شدد في الوقت ذاته على أن هذا الرهان محفوف بالمخاطر، لأن كل تأييد مؤقت لا يمكن أن يحجب التحول الجذري الحاصل في التعاطي الدولي مع النزاع.
وختم بوقنطار حديثه لهسبريس بالإشارة إلى أن السياق الجيو-استراتيجي العالمي لم يعد يسمح بإدامة بعثات أممية خارج الفعالية، وأن الأمم المتحدة باتت مدعوة إلى تجاوز منطق التمديد التقني لوجود المينورسو، والانخراط بدل ذلك في بلورة إطار تفاوضي جديد، ينسجم مع التحولات التي فرضها الحضور الدبلوماسي القوي للمغرب ونجاحه في بناء دعم سياسي واسع لمقترح الحكم الذاتي.
0 تعليق