بين مؤشرات التضخم وتوقعات الأسواق، يقف البنك المركزي المصري أمام مفترق طرق جديد مع اقتراب موعد اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المقرر في 22 مايو الجاري، والذي يأتي في ظل تحسن ملموس في مؤشرات الاقتصاد الكلي، بالرغم من ارتفاع التضخم خلال شهر إبريل ليسجل 13.9% مقارنة بـ13.6% في مارس.
فبعد أن أطلق أولى خطوات التيسير النقدي في اجتماع إبريل الماضي بخفض هو الأكبر منذ سنوات، تعود التساؤلات لتطرح مجددًا: هل يواصل المركزي سياسة الخفض في اجتماعه المقبل رغم عودة التضخم؟ أم يفضل التريث لضبط الإيقاع النقدي؟.. هذا ما سنستعرضه بالتفصيل في هذا التقرير.
تضخم محدود ولكن تصاعدي.. هل يؤثر على القرار؟

شهدت معدلات التضخم السنوي في المدن المصرية ارتفاعا للشهر الثاني على التوالي خلال أبريل الماضي، لتسجل 13.9% مقارنة بـ13.6% في مارس، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ورغم أن هذا التصاعد يعد طفيفا نسبيا، إلا أن أسبابه تحمل طابعًا هيكليا، إذ جاءت مدفوعة بزيادات ملحوظة في أسعار الكهرباء والغاز ووقود المنازل بنسبة 6.7%، فضلا عن ارتفاع تكاليف النقل الخاص بـ8.6%، وخدمات النقل بنسبة 8.2%.
هل يستمر خفض سعر الفائدة؟.. خبراء يجيبون
قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد البهواشي، إن التوقعات تشير إلى أن البنك المركزي المصري سيتجه على الأرجح إلى تثبيت أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل، مرجعا ذلك إلى عدة اعتبارات اقتصادية واستراتيجية ترتبط بواقع السوق المحلي والتطورات النقدية العالمية.
وأوضح البهواشي، في تصريح خاص لـ بانكير، أن الاقتصاد المصري بدأ يشهد تحسنا ملحوظا في عدد من المؤشرات الحيوية، وعلى رأسها تراجع معدلات التضخم بشكل عام - حتى وإن عاود الارتفاع بشكل محدود - وهو ما يعد مؤشرا إيجابيا على فاعلية السياسات التي تبناها "المركزي" خلال الفترة الماضية، والتي كان أبرزها قرار خفض أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس في الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية.
وأشار إلى أن خفض الفائدة في الاجتماع الماضي كان خطوة جريئة ومدروسة، استندت إلى تحسن ملموس في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وهدفت إلى دعم الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادي، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن المضي في خفض جديد خلال الاجتماع المقبل قد لا يكون ملائمًا في الوقت الراهن، نظرًا لتداعيات محتملة على استقرار القطاع المصرفي.
سحب سيولة نقدية يهدد استمرار خفض الفائدة
وأكد البهواشي أن الإقدام على تخفيض إضافي لأسعار الفائدة الآن قد يؤدي إلى سحب سيولة نقدية كبيرة من داخل المنظومة البنكية وخروجها إلى قنوات بديلة غير منظمة أو ذات عوائد أعلى، وهو ما قد ينعكس سلبيا على مستويات الادخار والقدرة التمويلية للبنوك.
ولفت إلى أن الترقب الذي يسود الأوساط الاقتصادية محليا وخارجيا يعكس أهمية قرار "المركزي" المقبل، خاصة في ظل توازنات دقيقة بين الحاجة إلى دعم النمو وبين الحفاظ على جاذبية الاستثمار في أدوات الدين المحلية، مضيفًا أن البنك المركزي سيسعى، في الغالب، إلى تثبيت أسعار الفائدة لضمان قدر أكبر من الاستقرار النقدي، ومواصلة تقييم تأثير الإجراءات السابقة على السوق.
واختتم الدكتور محمد البهواشي تصريحه بالتأكيد على أن تثبيت أسعار الفائدة هو الخيار الأقرب والأكثر أمانًا في هذه المرحلة، حتى تتضح معالم الدورة الاقتصادية القادمة ومدى استمرارية التحسن في مؤشرات التضخم والنمو، مشيرًا إلى أن السياسات النقدية في هذه الفترة يجب أن توازن بحكمة بين ضبط الأسعار وتعزيز الثقة في النظام المصرفي والاستثماري.
البنك المركزي أمام خيارين

من جانبه، يرى الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الاقتصاد الكلي الاستشارية بمجلس الوزراء، أن اجتماع البنك المركزي القادم يدور بين خيارين رئيسيين: خفض الفائدة بنسبة 1%، أو الإبقاء على المستويات الحالية، مرجحا أن يتجه المركزي نحو الخفض بالنظر إلى مستهدفاته طويلة المدى.
وأشار “فؤاد”، إلى أن البنك المركزي كان قد أوضح في تقريره الأخير الصادر في 17 أبريل أن التضخم مرشح للارتفاع خلال الربع الثالث من العام الحالي، قبل أن يعاود الانخفاض مجددًا ليقترب من مستوى 11% بنهاية العام المقبل.
وأوضح "فؤاد" ان تقرير المركزي أيضا أشار إلى أن المخاطر الجيوسياسية والتوترات في التجارة العالمية لا تزال تمثل مصدرًا لقلق السياسة النقدية، لكنها لا تمنع من استمرار مسار الخفض، ولو بوتيرة أكثر تحفظا.
سيناريوهات قرار البنك المركزي في الاجتماع المقبل

وفي ظل هذه المعطيات، التي كشف عنها الخبراء، يبدو أن البنك المركزي سيواجه تحديا مزدوجا يتمثل في الحفاظ على جاذبية أدوات الدين المحلي، وفي الوقت ذاته دفع عجلة النمو عبر تخفيف أعباء التمويل.
ولكن بالرغم من الارتفاع الطفيف في التضخم، إلا أن المؤشرات الإجمالية تميل إلى استمرار البنك المركزي في السياسة التيسيرية، خاصة مع بقاء الفائدة الحقيقية في نطاق مرتفع، وتراجع الضغوط الخارجية نسبيا.
ولكن السؤال الذي تبقى إجابته معلقة إلى حين صدور القرار الرسمي: هل يحسم البنك المركزي المصري الموقف بخفض جديد للفائدة في مايو؟ أم يفضل الانتظار لقراءة المشهد الاقتصادي بشكل أعمق؟ الإجابة قيد الانتظار، ولكن الأرجح، من وجهة نظر الخبراء، أن سياسة الخفض ستستمر، ولو بخطوات محسوبة، وهذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة المقبلة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق