المبادرة الأطلسية المغربية تطور الجغرافيا السياسية والتجارية في إفريقيا

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أكدت ورقة حديثة أن المبادرة الأطلسية، التي أعلن عنها الملك محمد السادس لتحويل الفضاء الأطلسي الإفريقي إلى مجال متكامل جيوسياسيا واقتصاديا، تدعم الإصلاح السياسي والمؤسساتي بدول الساحل الإفريقي؛ من خلال “تقوية قدراتها السيادية”. كما أن هذه المبادرة توفّر لتجارة هذه الدول بدائل عن المعابر التقليدية في غرب إفريقيا؛ ما يُشكّل “فرصة استراتيجية لتقليص تبعيتها التجارية”.

وأوضحت الورقة، التي أعدّها الباحثان علي الغنبوري ومشيج القرقري، أن ما يميز المبادرة الأطلسية المغربية، في ظل “إخفاق” بعض التجارب السابقة للتكامل الإفريقي “بسبب غياب إرادة سياسية مُنسّقة وضعف البنيات الأساسية وتضارب المصالح، هو ارتكاز هذه المبادرة على أسس عملية تتجسد في جاهزية البنيات المينائية والقدرة على الربط اللوجستي”.

واستحضرت الوثيقة عينها، التي أصدرها مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي تحت عنوان “المبادرة الأطلسية المغربية.. فرص اقتصادية وتحولات جيو استراتيجية” وطالعتها هسبريس، “توفر المغرب على نموذج شراكات جنوب– جنوب ناجح يمكن تعميمه”، مُعتبرة أن هذا “ما يمنح المبادرة قابلية أكبر للتطبيق العملي، ويجعل منها أرضية مناسبة لبناء تحالف أطلسي إفريقي مرن قادر على التفاعل مع التحولات العالمية واستيعاب التحديات الإقليمية”.

تقوية السيادة

أبرز الباحثان علي الغنبوري ومشيج القرقري، في الورقة سالفة الذكر، أنه على الصعيد السياسي من شأن إدماج دول الساحل في دينامية الأطلسي أن “يعزز من حضور الدولة الوطنية في الفضاء العمومي، ويدعم مسارات الإصلاح السياسي والمؤسساتي؛ من خلال تقوية القدرات السيادية، وتوفير شروط التنمية المجالية المتوازنة”.

وأضاف المصدر ذاته: “كما يقلل من قابلية المجتمعات للاختراق من لدن الفاعلين غير الوطنين، مثل الجماعات المتطرفة وشبكات التهريب؛ مما ينعكس إيجابا على استقرار المنطقة ككل”.

أما من الناحية الاقتصادية، فسيشكل “فرصا غير مسبوقة” لدول الساحل، “لتحديث بنياتها التحتية، وتوسيع قاعدتها الإنتاجية، والانخراط في مشاريع كبرى تتعلق بالطاقة النظيفة، والتصنيع المحلي، وربط الأسواق الداخلية”، مُضيفا أن “هذا الانخراط يمكن أن يعيد تشكيل نماذجها الاقتصادية نحو التنويع، وتقليص الاعتماد على الموارد الأولية، وتطوير اقتصاد المعرفة والخدمات”.

تقليص التبعية

دافعت الورقة عن أهمية المبادرة في تقليص تبعية دول الساحل للمعابر التقليدية وإعادة توازن الجغرافيا التجارية بالمنطقة، موضحة أن هذه المعابر في غرب إفريقيا، أساسا، لطالما شكّلت “القناة الرئيسية” لتجارة هذه الدول.

واستدرك الإسهام العلمي نفسه بأن “هذه المعابر تعاني من هشاشة بنيوية تتعلق بالازدحام، وتعدد الوسطاء، وغياب الأمن، وضعف الحكامة؛ وهو ما جعل هذه الدول عرضة لمخاطر الانقطاعات في سلاسل الإمداد”. ومن هذا المنطلق، أوضح أن “توفير بدائل من خلال المبادرة الأطلسية يشكل فرصة استراتيجية لتقليص هذه التبعية، وخلق شبكات نقل أكثر كفاءة وتنوعا؛ ما يساهم في تعزيز السيادة الاقتصادية لدول الساحل”.

في هذا الصدد، نبّهت الورقة إلى أن “تقليص التبعية للمعابر التقليدية لا يعني القطيعة معها؛ بل بناء منظومة متعددة المسالك تُمكّن هذه الدول من التفاوض من موقع قوة، وتجنب المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالاحتكار الجغرافي”، مُفيدة بأن ذلك “سيمكن من إعادة صياغة الجغرافيا التجارية لغرب إفريقيا لصالح منطق التعاون والتوازن والمصالح المتبادلة، بدل التنافس والتبعية والتجاذب”.

تحسين التبادل

ذكّرت الورقة بأن دول الساحل الإفريقي تشكّل “إحدى الدول الأقل ارتباطا بشبكات التجارة العالمية، حيث لا يتجاوز حجم التجارة الخارجية لهذه الدول بين 10 في المائة إلى 20 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي؛ بينما لا تتجاوز نسبة التجارة البينية بين دول الساحل بشكل عام لا تتعدى 5 في المائة من إجمالي تجارتها الخارجية، بسبب غياب الولوج المباشر إلى البحر”.

وتابعت الوثيقة عينها بأن هذا الأمر “مما يضعف من تنافسية صادراتها (دول الساحل)، ويكبل قدراتها الإنتاجية، ويجعلها رهينة لممرات برية ضيقة تخترق أقاليم غير مستقرة سياسيا وأمنيا”.

لذلك، يعتقد الباحثان بأن “إتاحة منفذ أطلسي مباشر لهذه الدول عبر التراب المغربي أو عبر شراكات ثلاثية مع الدول الساحلية سيساهم في تقليص التكاليف اللوجستية وتحسين شروط التبادل التجاري، ويمكن من توسيع قاعدة الاستثمارات في قطاعات حيوية؛ مثل الفلاحة والطاقة والتعدين”.

تعزيز الفعالية

“لتعزيز فعالية المبادرة الأطلسية وتحقيق أهدافها الاقتصادية والجيوسياسية”، أوصت الورقة ذاتها “بدعم تطوير شبكات النقل والموانئ بشكل مستمر؛ إذ لا يمكن للمبادرة أن تحقق أهدافها في غياب بنية تحتية متطورة تدعم الربط بين الدول المعنية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي”.

كما عدّ الباحثان، في هذا الصدد، أن إرساء أطر مؤسساتية قوية وفعالة للتعاون الأطلسي يعتبرا “أمرا حيويا لتحقيق أهداف المبادرة، ويتطلب الأمر تشكيل هيئات إقليمية مختصة تجمع بين القطاعين العام والخاص، حيث تتولى هذه الهيئات مسؤولية تنسيق المشاريع المشتركة وتتأكد من تنفيذ السياسات بفعالية وشفافية””.

وأوصت الورقة، كذلك، “بإشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني بشكل أكبر في المبادرة، إذ يشكل هؤلاء الفاعلون شريكا أساسيا في نجاح المشاريع التنموية، سواء من خلال توفير التمويل أو نقل الخبرات”، لافتة إلى ضرورة “خلق بيئة تحفيزية للمستثمرين المحليين والدوليين، تتيح لهم فرصا ملموسة في القطاعات الحيوية؛ مثل الطاقات المتجددة، التعليم، والصناعة التحويلية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق