كشف كتاب بعنوان (أغان من فضة: الغناء العراقي بوصفه مؤرخا) عن تفاصيل أول أغنية مصرية (يلي زرعتو البرتقال) للفنان محمد عبدالوهاب على مقام اللامي العراقي.
قراءة نقدية موسيقية
ويعرض الكتاب الذي وضعه المؤلف العراقي كرم نعمة، وصدر عن دار لندن للطباعة والنشر 2025، لقراءات نقدية موسيقية تعبر عن أحوال العراق منذ عشرينات القرن الماضي من دون أن يغفل علاقة ذلك بالمحيط العربي.
ووفقا لصفحات الكتاب، فقد كان "عبد الوهاب" زار العراق عام 1932 وقدم عدة حفلات وشاركه الملحن العراقي اليهودي صالح الكويتي في العزف على الكمان مع أغنية "خدعوها بقولهم حسناء".
وبحسب الكتاب، فقد حصل مؤلفه على عشر ساعات صوتية من شلومو نجل الفنان العراقي اليهودي صالح الكويتي يتحدث فيها عن سنواته الموسيقية في العراق قبل وفاته عام 1986 في إسرائيل.
مقام اللامي والأغنية المصرية
ويدلنا الكتاب على أن صالح الكويتي هو أول من ساعد على نقل مقام "اللامي" العراقي إلى الأغنية المصرية عند زيارة الفنان محمد عبد الوهاب إلى العراق، حيث تعاون مع الفنان صالح الكويتي في حفلات ما بين بغداد والبصرة، وأعجب جدا بأغنية "ويلي شمصيبة" التي لحنها صالح على مقام اللامي لصوت منيرة الهوزوز في أول الأمر ثم اشتهرت بالأداء المشترك لناظم الغزالي وزوجته سليمة مراد.
محمد عبد الوهاب
ويؤكد مؤلف كتاب (أغان من فضة: الغناء العراقي بوصفه مؤرخا)، على أنه عندما عاد عبد الوهاب إلى مصر استوحى هذا المقام الذي أول من وضع اصوله الموسيقية الفنان العراقي محمد القبانجي، في لحنه الشهير لأغنية "يلي زرعتو البرتقال" لتكون أول أغنية مصرية على مقام اللامي العراقي.
وعلى مساحة أربعة فصول يعرض لنا مؤلف الكتاب صورة تاريخية عما أسماه "جيل البناء الصعب" المؤسس للأغنية العراقية منذ عشرينيات القرن الماضي، ثم "أغنية البيئات" وهي مرحلة توهجت فيها الألحان والأغاني العراقية ما بين ستينات وسبعينات القرن الماضي، ويخصص فصلا للفنان كاظم الساهر بوصفه جائزة ترضية لكل العراقيين وعليهم الحفاظ عليه، يقدم فيه قراءات نقدية لألحانه وطبيعة أدائه، ويحاوره في أسئلة جادة تبدو غائبة اليوم عن المادة التلفزيونية التي تحتفي بالفنان كاظم الساهر.
الغناء والتأريخ
يقول كرم نعمة الذي يمتهن الصحافة منذ أكثر من أربعة عقود: "يمكن أن نقول إن الغناء أشد المؤرخين إخلاصاً على مر التاريخ، أنه يعبر عن الأرواح الساكنة والهائمة في المجتمعات، وعندما يتعلق الأمر بالتاريخ العراقي، فأن العراقيين يختلفون على كل سردياته، لكن أغنية لناظم الغزالي تجمعهم معاً، وذلك يفسر لنا أيضاً لماذا تحول كاظم الساهر بمثابة الجائزة الكبرى حيال الخسائر السياسية والاجتماعية التي توالت على العراقيين".
وينقل كرم نعمة في كتابه عن شلومو نجل الفنان صالح الكويتي، عندما التقاه في لندن، أن الفنانة سليمة مراد رفضت الهجرة إلى إسرائيل مع والده وقالت له "لمن أغني في إسرائيل، حياتي في العراق مع جمهوري، ولا حياة للفنان من غير جمهوره". ويمكن أن نجد ما يماثل ذلك في سيرة الفنانة المصرية ليلى مراد.
أجمل الاصوات
وتعد الفنانة العراقية اليهودية سليمة مراد من أجمل الأصوات في الثلاثينات حتى وفاتها بداية السبعينات من القرن الماضي وغنت ألحان صالح الكويتي وعباس جميل وتزوجت من الفنان ناظم الغزالي.
ويذكر كرم نعمة تأسيساً على التسجيلات التي بحوزته للفنان صالح الكويتي المولود عام 1908، أنه لحن أكثر من 500 أغنية لأصوات عراقية وعربية مثل صديقة الملاية ونرجس شوقي ومنيرة الهوزوز وزكية جورج وسليمة مراد وعفيفة اسكندر.
الرسمة التاريخية
وفي قراءة نقدية لتجربة الفنان ناظم الغزالي يرى كرم نعمة أنه لا يمكن رسم مقطع تاريخي للغزالي بعد عقود على رحيله، من دون أن يحظر ملحنه ناظم نعيم، لأنه في كل الأحوال ستكون "الرسمة التاريخية" غير جديرة بالوفاء، تصل متأخرة ومكررة ككل ما كتب عن ناظم الغزالي في الصحافة العراقية، ولنا أن نتخيل الصورة الشائعة عنه في الكتابات العربية.



0 تعليق