يستعد العالم لمكالمة مرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترمب، وسط أجواء دولية مشحونة بالتوتر، ومخاوف أوروبية متصاعدة من أن تُفضي هذه المحادثة إلى اتفاق "متسرع" يشرعن المكاسب الروسية في أوكرانيا. ويبدو أن بوتين يدخل هذه المكالمة بثقة ميدانية متزايدة، مستنداً إلى واقع عسكري جديد تسعى موسكو إلى فرضه على الأرض.
بحسب تقارير وكالة "بلومبرغ"، فإن بوتين يراهن على قدرة قواته على إحراز اختراق حاسم في الجبهة الأوكرانية بحلول نهاية العام، بهدف السيطرة الكاملة على أربع مناطق كانت روسيا قد أعلنت ضمها سابقاً. وتؤكد مصادر مقربة من الكرملين أن بوتين ينظر إلى المفاوضات كأداة تكتيكية لتعزيز موقفه، لا كوسيلة فعلية للوصول إلى سلام شامل.
في المقابل، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والذي يتهيأ للعودة إلى الساحة السياسية من بوابة الانتخابات، إلى لعب دور الوسيط الذي يُنهي الحرب في أوكرانيا. وتكشف تصريحات مستشارين للكرملين أن ترمب يحاول إقناع بوتين بقبول هدنة مبدئية، إلا أن الأخير يرفض ذلك علناً، مفضلاً المضي في التفاوض من موقع القوة، بعد أن أصبحت الظروف الميدانية أكثر ميلاً لصالح روسيا.
ترمب، من جهته، وعد بإطلاع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وزعماء حلف "الناتو" على نتائج المكالمة، في خطوة توحي برغبته في طمأنة الحلفاء، رغم تصاعد الشكوك الأوروبية حول أولوياته الحقيقية، لا سيما مع احتمال تخليه عن الملف الأوكراني لصالح ملفات أخرى داخلياً.
شكوك أوروبية عميقة
المواقف الأوروبية تُظهر قلقاً حقيقياً من توجهات ترمب. ففي مكالمة هاتفية جمعت المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مع ترمب، حذر القادة الأوروبيون من أن بوتين يستغل المحادثات لتكتيك "كسب الوقت". وهم يخشون أن تُفرض على أوكرانيا تسوية مجحفة تؤدي إلى "سلام هش" يُرسّخ احتلالاً روسياً بحكم الأمر الواقع.
هذه المخاوف الأوروبية تعززها معطيات ميدانية، من ضمنها أكبر هجوم بالطائرات المسيرة شنته روسيا ضد أوكرانيا منذ بدء الحرب، والذي تزامن مع استعدادات بوتين للمكالمة، في إشارة إلى أن الكرملين يريد استخدام أدوات الضغط العسكري بالتوازي مع المسار التفاوضي.
الموقف الأوكراني.. خيبة الأمل تتزايد
الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي شارك في المحادثة الأوروبية-الأميركية، بدا منهكاً ومتشائماً، بحسب مصادر دبلوماسية. ويشعر بخيبة أمل من التردد الأميركي في فرض عقوبات إضافية على روسيا، لا سيما في حال فشل الهدنة المقترحة.
زيلينسكي التقى نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في روما، وأكد له استعداد كييف لـ"دبلوماسية حقيقية"، لكنه شدد على أن الوفد الروسي في محادثات إسطنبول لا يملك صلاحيات القرار، وهو ما يفتح الباب أمام استمرار الجمود.
عقوبات جديدة.. وربما مشروطة
وسط هذا المشهد، تسربت معلومات من مصادر أوروبية تفيد بأن إدارة ترمب قد تدرس تمرير مشروع قانون جديد للعقوبات ضد روسيا، أعده السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، في حال لم تُبدِ موسكو مرونة. وذكرت المصادر أن ترمب ربما يستخدم هذا التهديد كورقة ضغط في محادثته مع بوتين.
الكرملين، من جهته، يبدو مستعداً لحرب طويلة الأمد. فقد أكد ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، أن بلاده تُعدّ قائمة شروطها لوقف إطلاق النار، لكنها لن تُعلنها علنًا، وأن المحادثات يجب أن تجري "خلف أبواب مغلقة".
وفي خطوة استعراضية أخرى، كشفت الاستخبارات الأوكرانية أن روسيا تعتزم إجراء إطلاق تدريبي لصاروخ عابر للقارات (RS-24 Yars)، في محاولة لبث الرعب في كييف وإرسال رسالة ضمنية إلى الغرب بشأن قدراتها الاستراتيجية.
0 تعليق