د. عمرو عبد المنعم يكتب: أمريكا والجهاديون الجدد

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 كيف تدير السياسة الأمريكية تيارات الإسلام السياسى؟ 

 من السيطرة والاختراقات والاغتيالات إلى الاحتواء لضمان تحقيق الأهداف الأمريكية

 اختلاف واضح فى تصورات الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه الحركات الإسلامية من العنيفة إلى المعتدلة إلى ذات الخبرة السياسية

 

اختراقات واغتيالات واحتواء اختلفت تصورات الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ ستينيات القرن الماضى تجاه حركات الإسلام السياسى «العنيفة - المعتدلة - وذات الخبرة السياسية» ومرت بعدة مراحل تاريخية فى التعاطى معهم، ما بين اعتبارهم أيديولوجية دينية يمنية متطرفة يمكن التعايش معها، وما بين اعتبارهم خطرًا على الغرب باعتبارهم أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان، يسعون للوصول إلى السلطة بطرق عنيفة.

واعتبر بعض المنظرين الأمريكيين أن مشكلة التطرف فى العالم الإسلامى ترجع فى الأساس إلى منطق الدين الإسلامي. فيرى المستشرق الأمريكى «دنيل بايبس» أن الإسلام قوة متشددة رجعية مدفوعة لكراهية الفكر السياسى الغربي، ويعود تاريخها إلى الصراع القديم مع المسيحية الغربية. فالغرب الأمريكى هو العقبة الحقيقية فى طريق رغبة المتطرفين لإلقاء القيم الغربية فى عرض البحر، مثلما فعلوا ذات يوم مع الصليبيين. ومن هنا، تغيرت نظرة جورج بوش الابن وكلينتون عن نكسون وريجان فى التعاطى مع جماعات الإسلام السياسي.

فقد اعتبرت الإدارة الأمريكية جماعات الإسلام السياسى تشبه الشيوعية، وحلت أفكارهم من ناحية العداء محل الشيوعية كخطر استراتيجى حقيقى على الأمن القومى الأمريكي. ومن هنا بدأ صناعة استراتيجية جديدة ومختلفة فى التعامل معهم من خلال «الاختراق - الاغتيال - الاحتواء». وهنا يتمحور الفكر الأمريكى حول الإسلام السياسى والحركات الجهادية الجديدة، وكيف تتعاطى إدارة الرئيس ترامب مع الواقع الحالى فى سوريا.

 

1 علاقات مطردة.. الجهاد السياسى يظهر على الساحة العالمية

  كانت الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد الرئيسين جيمى كارتر ورونالد ريجان تعتبر أن العدو الرئيسى للغرب الأمريكى هو الخطر الشيوعى المتمثل فى الاتحاد السوفيتي، ولم يكن اهتمامهم الاستراتيجى بعيدًا عن شئون الاتحاد السوفيتي. لذلك، رأت الإدارتان أن دعم المحيط الإقليمى الرافض للخطر الشيوعى هو الأساس، ولعبت دورًا كبيرًا فى دعم المجاهدين الأفغان ودعم المقاومة الأفغانية. وظلت السياسة الأمريكية لعدة عقود تعتبر الشيوعية السوفيتية هى العدو الحقيقي، وعملاؤها المحليون هم الخطر الأكبر. فأيد الأمريكيون التيارات الدينية المحافظة ضد القوى العلمانية والاشتراكية والقومية فى العالم الثالث.

من هنا، أيدت الحكومة الأمريكية تحالفات الإسلاميين الجدد فى أفغانستان، بل والأخطر، وقفت بجانب شخصيات مثل عبد الله عزام. وأيدت حكومة ريجان بقوة تحالف السبع جماعات إسلامية فى أفغانستان المحتلة من قبل الاتحاد السوفيتى «١٩٧٩-١٩٨٩»، كانت هناك سبع جماعات إسلامية رئيسية فى أفغانستان. هذه الجماعات، التى كانت معروفة باسم «تحالف بيشاور السبعة»، وقال فى تصريحات إنه سوف يقف مع أى تمرد وثورة ضد الحركة الشيوعية الاستبدادية. كثيرًا ما أكد طوال فترة حكمه مساندته للمجاهدين ذوى الاتجاهات الإسلامية لأنهم كانوا يقاومون السوفيت.

ترعرع المارد الإسلامى الجهادى وخرج من القمقم، وأخذ يتقدم فى ملاحقة الغرب ومن مواجهة تلو المواجهة بطريقة حرب العصابات الميدانية وقتال الشوارع، وهى الطريقة السوفيتية فى الأسس فى مواجهات عمليات الثورات والتمرد الحديثة. لم يكن كثير من الحركات الجهادية يملك أى خبرة قتالية سوى من قدم لهم على خطوط النار الفاصلة على الحدود الباكستانية الأفغانية، وكانت حركة الجهاد المصرية توا خارجة من تجربة اعتقالات تنظيم الجهاد ومقتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

لكن كان عام ١٩٧٩م فارقًا فى محددات السياسة الأمريكية، فقد حدثت أحداث كبرى فى تاريخ الإسلام السياسي. فالحرب الأفغانية ابتدأت علامتها بالظهور مع الرئيس الأفغانى محمد داود خان، ولكنها بدأت فعليًا عام ٧٩ تتبلور كانت أحد الأسباب التى أدت إلى انهيار الإمبراطورية السوفيتية فيما بعد، واعتبرها أسامة بن لادن نصرا كبيرا، وهو ما أسر به للمفكر السعودى «أنور عشقي»، مؤكدًا لبن لادن فى حوار صادق معه «ليس بالضرورة نجاح الجهاد الأفغانى فى الانتصار على السوفيت التكرار مع الامريكان ؟!، وذلك عندما كان الأخير يحاول أن يثنيه عن فكرة مقارنة الإمبراطورية الأمريكية بالإمبراطورية السوفيتية من حيث ظروف النشأة والتكوين والاستمرار».

فقد حول الغزو الروسى لأفغانستان إلى حاضنة للجماعات الإسلامية الباحثة عن القوة والنفوذ ضد الغرب الأوروبى والأمريكي، هو نفس العام الذى اندلعت فيه الثورة الإيرانية فى يناير ١٩٧٩، والتى نتج عنها سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوى وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بزعامة آية الله الخمينى ضد الشاه الذى أطلق ما يسمى الثورة البيضاء التى تهدف إلى تحديث بلاده. فلم يكن يظن أن الملالى قادرون على إزاحته من عرشه وتبديد حلمه، ولكن هذا ما حدث.

وربما كانت حادثة الحرم المكى فى ٢٠ نوفمبر ١٩٧٩، بقيادة جهيمان العتيبي، التى استولى فيها مجموعة من المسلحين على المسجد الحرام فى مكة، مما أدى إلى حصار دام عدة أسابيع، هى من هذه الأحداث الجسام التى شكلت العقلية الجهادية فيما بعد. بالإضافة إلى أزمة الرهائن فى إيران فى ٤ نوفمبر ١٩٧٩، عندما قام مجموعة من الطلاب الإيرانيين باحتجاز أكثر من ٥٠ أمريكيًا فى السفارة الأمريكية فى طهران كرهائن، وهو نفس العام الذى خرج فيه كمال السنايرى القيادى الاخوانى ومسيب سيد قطب وضع يده مع السبع جماعات الجهادية فى بيشاور. 

وهنا تغيرت العقلية الأمريكية فى التعاطى مع حركات الإسلام السياسى وبدأت تنتبه إلى خطرها القادم. وبعد ظهور وتنامى هذه الحركات، بدأت من تاريخه الإدارة الأمريكية تنتبه إلى خطورة هذا التوجه الجديد على أمنها القومى والإقليمى.

320.jpg

2 برنامج استهداف العناصر الإرهابية

تؤكد دراسة أعدها مكتب مكافحة التمرد التابع للاستخبارات المركزية الأمريكية أن الإدارة الإستخباراتية راجعت طرق التعامل مع الجهاديين ومدى نجاح فكرة التصفية والاغتيالات التى قامت بها خلال الخمسة عشر عامًا الماضية. ومن هنا جاءت دراسة بعنوان «أفضل أساليب مكافحة التمرد»، الصادرة فى ١ فبراير ٢٠٠٧، التى تحتوى على معلومات عن كيفية تفكير الإدارة الأمريكية فى التعامل مع العناصر الإرهابية والمتطرفة عبر السنوات السابقة.

أجزاء الدراسة صدرت فى ٣ ديسمبر ٢٠٠٧ بعنوان "جعل برامج انشقاق المتمردين أداة فعالة فى مكافحة التمرد".

طبقت هذه الدراسة ميدانيًا على دول مثل أفغانستان فى الفترة من «٢٠٠١-٢٠٠٩» والجزائر فى الفترة من «١٩٥٤-١٩٦٢» وكولومبيا «٢٠٠٢-٢٠٠٩» والعراق «٢٠٠٤-٢٠٠٩» وإسرائيل «١٩٧٢-٢٠٠٩» وبيرو «١٩٨٠-١٩٩٩» وأيرلندا الشمالية «١٩٦٩-١٩٨٨».

وقد اعتبرت الدراسة أن من أهم الآثار السلبية لعمليات الاستهداف عالية القيمة، مثل الاغتيالات والتصفية الجسدية، زيادة الدعم المقدم للمتمردين، والتسبب فى إهمال الحكومات لجوانب أخرى من أيديولوجيات التمرد أو التطرف، واستفزاز المتطرفين لتغيير استراتيجياتهم أو نظامهم، مما يؤدى إلى تعزيز تمردهم فيما بعد وتقوية الروابط بين الجماعات المسلحة الأخرى، وإيجاد حاضنة شعبية لهم، مما يؤدى إلى خلق جماعات أكثر تطرفًا من الجماعات الأولى.

ناقشت الدراسة معظم عمليات الاغتيالات الكبرى التى قامت بها الولايات المتحدة ودول أخرى مثل إسرائيل، وجاءت نتائجها سلبية، فقد استطاع تنظيم القاعدة فى العراق، على سبيل المثال، التكيف مع واقع هذه العمليات وتقويض السيطرة العملياتية من خلال التكيف مع فقد القيادة، مثلما حدث مع مقتل أبى مصعب الزرقاوي. فكانت النتيجة تخطيط مجموعات القاعدة القوية للاستخلاف بقيادة بديلة أكثر فاعلية.

وهذا حدث مع مجموعات القاعدة وداعش والتنظيمات المتطرفة، فقد خططت لاستخلاف قيادات غير التى تم استهدافها، وحدّثت قدراتها على الارتقاء وتصعيد القيادات الواعدة وفق مهاراتهم الفكرية والعسكرية، وهو ما حدث أيضًا مع حركتى حماس وحزب الله، فقد صعدت حماس من قياداتها التنظيمية بعد مقتل عبد العزيز الرنتيسى وأحمد ياسين، واستخلفت قيادات وكفاءات أقوى بكثير من هؤلاء.

فمعظم هذه الحركات كان بديل القيادة لها عامل قوة أكثر من عامل ضعف، لذلك راجعت الحكومة الأمريكية سياستها التى أطلقت عليها الدراسة «تقييم برامج الاغتيالات النوعية». عمليات الاستهداف عالية القيمة هل هى أداة فعالة فى مكافحة التمرد؟

أوجه تقييم عمليات اغتيال القيادات الجهادية وجاء تقييم الاستهداف عالى القيمة على خمسة أوجه: الوجه الأول: هل حدثت النتيجة المرجوة؟

ناقش التقييم فاعلية عملية الاستهداف، لأن نتيجة معظم العمليات جاءت عكسية تمامًا، ولم تحدث وقفًا لمسار التنظيم الإرهابي، وتساءلت الدراسة: هل أحدثت عملية الاستهداف تقليمًا لأظافر المجموعات المتمردة، وجعلت الحركة تسير فى مسار سياسى بديل عن العنف؟

ووفقًا لنتيجة الدراسة، فإن عمليات الاستهداف جاءت كلها بنتائج عكسية تمامًا، فلم تنقل التنظيم إلى أفكار أقل تطرفًا، بل زاد تطرفها وعززت وجودها فيما بعد.

الوجه الثاني: اختراق المجموعات الجهادية:

وهو طريق الفهم الداخلى للمجموعات القتالية واستخلاص المعلومات من المنشقين. فإن أهم نقاط ضعف التنظيمات هو اختراق البينية والاجتماعية لهؤلاء القادة واستغلالها من أجل اختراقهم، ثم تكوين مجموعات جهادية جديدة من أجل ضرب القديمة، وتعليم خطاب الجديدة على القديمة.

ويأتى ذلك عن طريق تشجيع مجموعات قتالية جديدة على التخلص من المجموعات الجهادية القديمة وتعديل مسارها لتعويض عمليات الاستهداف عالية القيمة واتهام الثانية بالتضحية بالأولى.

فعن طريق عمليات المحاكمة والعفو والمكافآت وبرامج المنشقين، تتيح هذه العملية كشفًا أكثر للبرامج الأخرى ذات قيمة أكثر من عمليات الاستهداف عالية القيمة.

الوجه الثالث: حماية العناصر المعتدلة:

كلما ازدادت وتيرة العمليات عالية القيمة وتوسعت فى الاغتيالات، كان هناك تسوية سياسية لبعض العناصر أو الأطراف التى تريد الهروب من الاستهداف والملاحقة الأمنية. فهناك عناصر أكثر تشددًا وهناك عناصر أكثر اعتدالًا، ودراسة المعتدلين هى الشغل الشاغل للبرنامج الاستهداف عالى القيمة بل وطرح حمايتهم.

فقيادات الجيش الجمهورى الإيرلندى تحولت من التشدد والتطرف إلى حالة أكثر اعتدالًا عبر حماية بعض عناصرهم من بعض المنافسين لهم من المتطرفين من أبناء مجموعاتهم القتالية. وهذا البند هو ما تم استخدامه من قبل الأمريكيين تجاه عناصر جبهة فتح الشام، وهو ما صرح به السفير الأمريكى الأسبق لدى العراق، جيمس جيفري، فى مقابلة مؤخرًا مع قناة العربية فى برنامج المشهد، فقال: «إن الولايات المتحدة عملت على حماية الرئيس السورى أحمد الشرع، منذ أن كان اسمه (الجولاني) ووفرت له المساعدات ضد بشار الأسد».

وقال جيفرى فى حواره: «منذ أن استلمت حسابات وموضوع سوريا، كنا نعمل بشكل غير مباشر مع الجولانى فى ذلك الوقت فى إدلب، والذى خضع له ٣ ملايين شخص، وكنا نحاول أن نضمن وصول المساعدات لهم ونحميهم من الأسد».

وأضاف جيفري: «بنينا علاقات غير مباشرة مع الشرع، ورأينا أنه مستعد للعمل مع الولايات المتحدة على الشروط التى قدمناها إليه قبل شهرين من الثورة السورية، شريطة تفادى أى نوع من القمع للأقليات».

ويبدو أن هذا كان معدًا له سلفًا فى أوروبا حينما أكد الدبلوماسى الهولندى نيقولاوس فان دام، وهو ضمن الوفد الأوروبى بصفة المبعوث الخاص عن هولندا الذى نسق مع المعارضة السورية منذ العام ٢٠١٢ ولغاية ٢٠١٦، وكان يعمل سفيرًا سابقًا فى العراق ومصر. لقد تعززت قناعة الوسيط الدولى الأوروبى والأمريكى بضرورة رحيل الأسد ونظامه حتى لو كان البديل جهاديًا تحت السيطرة.

الوجه الرابع: الاستفادة من الانقسامات داخل الجماعات المتطرفة:

فعمليات استغلال تصدع القيادة من خلال جعل العناصر الساخطة على التنظيم أكثر وصولًا لتأثير من العناصر الأكثر تشددًا. الفصيل المنشق يلقى عليه الضوء إعلاميًا أكثر من الفصيل الأساسي، مما يساعد على تعميق فجوات الانقسامات الداخلية.

وهذا ما تحاول الإدارة الأمريكية حاليًا من استغلال مجموعات القاعدة المناوئة لإيران للضغط على المجموعات المتعاونة مع إيران بشكل أو بآخر.

318.png

3 لقاء الشرع وترامب.. بداية المرحلة الجديدة

الحقيقة أن لقاء الرئيس دونالد ترامب الأخير مع أحمد الشرع يعكس عددًا من الدلالات الهامة. فقد أفردت جريدة وول ستريت جورنال قراءة تحليلية مغايرة لما هو معهود، والتى اعتبرته حدثًا استثنائيًا:

لا بد أن يكون حدثًا استثنائيًا ذلك اللقاء، إذ لم يسبق لقائد سابق فى تنظيم القاعدة كالسيد الشرع أن قاد دولة نحو السلام والاستقرار والوئام مع الغرب.

كما أن السيد الشرع، المصنف إرهابيًا، قال كلامًا صائبًا بشأن توحيد بلاده وحماية الأقليات.

الشرع أسدى معروفًا لأمريكا بكسر قبضة إيران الخانقة على سوريا، مما صعّب إعادة إمداد حزب الله فى لبنان، وهناك أسباب وجيهة للتعاون معه لهذا السبب. وهنا مكمن التطور الواضح فى فهم السياسة الأمريكية تجاه شخصية قيادية سابقة فى القاعدة وفهم تحولاتها البنيوية.

ترامب وانتظار الثمن

تتابع الصحيفة أن الأمور ليست كلها وردية وعلى ما يرام، فأمريكا قدمت عدة طلبات للشرع وفريقه قبل رفع العقوبات، ومنها التعاون فى مجال مكافحة الجهاديين الأجانب وداعش، وبعضهم قادة فى جيش سوريا الجديد لأنه أعلم شخصية فى العالم لكيفية الوصول للعمق الجهادى الآن.

وهنا تلقى الصحيفة الضوء وتتساءل: سيكون من الحكمة ضمان اتخاذ الشرع بعض الإجراءات بشأن هذه المسألة وغيرها من المسائل التى تهم الإدارة الأمريكية، كما على الشرع منع تصاعد نفوذ تركيا فى سوريا إلى صراع مع إسرائيل.

إسرائيل على الخط بورقة الدروز 

دخلت إسرائيل على الخط، فالسيناتور ليندسى غراهام، الداعم الأكبر لإسرائيل، صرح أن إلغاء العقوبات التى أقرها الكونغرس عملية معقدة، وأنه سيتعين على الكونغرس استلام ومراجعة تقرير يُثبت أن سوريا لم تعد دولة راعية للإرهاب. وهنا يرى غراهام أن عامل الوقت يصب فى مصلحة ترامب، إن أراد، إذ يمنحه نفوذًا لدى الشرع لطرد الجهاديين الأجانب من نظامه، فعليه تقديم بعض التسهيلات على الأقل القانونية له.

ستبدأ سوريا بداية جديدة، إن كان نظامها قادرًا على التنازل والتغاضى عن بعض طموحاته المرحلية، لأن القوانين الأمريكية التى أقرها الكونغرس، بما فى ذلك عقوبات عام ٢٠١٩، تتضمن بندًا يسمح للرئيس الأمريكى بتعليقها إذا رأى أن ذلك يصب فى مصلحة الأمن القومى الأمريكي.

اللفت للنظر فى مسألة رفع العقوبات عن أحمد الشرع هو ترحاب أعضاء حزب اليسار الأمريكى بإعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا، حيث صرحت السيناتور الأمريكية جين شاهين، كبيرة الديمقراطيين فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، للصحفيين بأن أمريكا لديها فرصة لدعم سوريا ولبنان، ومن المهم لنا أن نوفر الفرصة لإبقاء هذين البلدين فى حالة حركة مستمرة بإبعاد إيران وروسيا خارج اللعبة، حسب ما نشرته وول ستريت جورنال. وهذا يرجع بنا لتاريخ استغلال أمريكا للجهاديين لضرب الخطر الشيوعي، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فاستغلال أمريكا الآن للجهاديين للتخلص من إيران بات واضحًا للغاية. لكن ماذا بعد التخلص من النفوذ الإيرانى بالكامل؟ فالتخلص من النفوذ السوفيتى والخطر الشيوعى فى التسعينيات أفرغ دولًا كثيرة تنتمى للتيارات الإسلامية السياسية. فهل التخلص من إيران سيفرغ خلافة فعلية للجهاديين الجدد؟

 

319.jpg

 4 الرئيس السوري بين جدارين

جاءت الرياح الدولية بما تشتهى سفن النظام السورى الجديد الذى استقر به فى العاصمة دمشق، وسمحت له بمسك دفة الحكم مؤقتًا بوصاية تركية مباشرة، والقصة باتت معروفة للجميع الآن.

لكن سرعان ما اصطدمت الإدارة السورية الجديدة بأزمة الجوار الإسرائيلى الذى لا يمكنه النظر للجهاديين المتحولين من نفس زاوية الإدارة الأمريكية والأوروبيين الذين يتوسعون فى هذا الباب احتواءً وتدجينًا وتجنيدًا، خلافًا لإسرائيل التى لها فى حماس عبرة، وتحكمهم عقدة أمنية خاصة لا يقبلون معها أى مجازفات من هذا النوع مرة أخرى، مهما كان هذا الطرف الجهادى يبدى أى مرونة تذكر فى هذا المجال.

فى الوقت الراهن، تتجاذب دوائر صنع القرار الإسرائيلى طريقتين للتعامل مع المشهد السورى الجديد، فمراكز الأبحاث الإسرائيلية باتت لا تنام لدراسة العمق السورى وخرجت بطريقتين:

الطريقة الأولى: تتمثل فى حسم الملف أمنيًا وعسكريًا، وعدم الوثوق بالنظام الجديد الذى تطلق عليه الإدارة الأمريكية «الجهاد السياسي» واحتواء فواعل الجهاديين الجدد فى قلب السلطة السياسية، مهما قدّموا من قرابين وعرابين، ومهما التزموا بآداب حسن الجوار.

بينما الطريقة الثانية: وتؤيدها مراكز أبحاث «الأمن القومى الإسرائيلي»، تتمثل فى التعامل مع النظام السورى الجديد كحليف محتمل مستقبلًا، أسوة بسلفه «الأسد» الذى كان يرفع شعار «المقاومة» وفى الهواء وعلى الأرض يلتزم التزامًا حديديًا بحماية الحدود الإسرائيلية!

لكن تبقى النزعة الأمنية الاستخباراتية الإسرائيلية حتى الآن متغلبة على غيرها فى التعامل مع المشهد السوري، وهو ما يصطدم بالأحلام الشرع ربما إلى حين، والواعدة لمد جسور السلام والوئام مع العدو التقليدى للعرب والمسلمين تشبُّثًا بالحكم وليس ثمة شيء آخر.

تباعًا لهذه العقلية الأمنية، عمدت إسرائيل مؤخرًا إلى اللعب بالورقة الدرزية، ورقة الأقليات الدينية والعرقية التى يعدونها الأقرب إليهم من أى حليف آخر، سعيًا فى إقامة جدار جديد يبعد الأخطار عن حدودهم فى الجنوب السوري، على غرار "جيش لحد" فى لبنان فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.

فلابد أن نعى جيدًا أن مشروع إسرائيل فى سوريا أكبر من تغيير حكم الشرع وإبعاد الجهاديين؛ هى تريد اقتطاع قسم كبير منها لتهجر أهل غزة ثم الضفة، وذلك عملًا بنبوءة اليمين المتطرف بتهويد القدس وتفريغها من أى سكان من غير الإسرائيليين.

 

322.png

5 الجهاديون القدامى والجهاد السياسى لأحمد الشرع

فى أدبيات الجهاديين التى تشرف عليها المخابرات الأمريكية ويقودها الأمراء المجاهدون فى غرف الشات والمنتديات الجهادية، ما زالت السرديات القديمة هى الغالبة. فهناك هجوم شديد على الشرع ورجاله وصل إلى تكفيره، وهذه المرة اعتباره مرتدًا وليس كافرًا أصليًا مثل بقية حكام العرب. فالمرتد أولى بالقتال من الكافر الأصلي، مرتد لأنه عرف الحق فانكره بخلاف الحكام الذين لم يدخلوا الإسلام أصلًا.

سرديات الجهاد القديمة تعتبر نفسها طليعة توجه الحكام، إذ قاموا ضد الطواغيت العرب لأسباب كثيرة، أهمها بسبب أجهزة استخباراتهم التى تنتهك الحرمات وتعذبهم ليل نهار. فلما مكن الله لأحمد الشرع فى أراضى سوريا، فإذا به يصبح طاغوتًا بنكهة إسلامية أشد إجرامًا من طواغيت العلمانية. لأنهم يعتقدون أنهم يضربون بسيف الله وينفذون أوامر الرحمن، ويفتى لهم فى ذلك علماء سلطان أشد ترقيعًا لقائدهم من علماء السلطان لدى الحكام العرب. وبالتأكيد لا تكتمل التشكيلة إلا بجوقة المصفقين الجاهلين الذين لا يعلمون فى أى واد يهيمون.

شن الجهاديون تقريبًا من كل الأصقاع والأمصار خلال الساعات الماضية هجومًا حادًا على الرئيس أحمد الشرع وحكومته بسبب لقاء ترمب معه. ومع تصاعد النبرات الثورية للحسابات الجهادية، فقد اعتبر تنظيم الدولة "داعش" الجولانى مرتدًا، ونشر عدد من الحسابات بعنوان «أرشيف كفريات دولة الجولانى بسوريا» نواقض الرئيس السورى أحمد الشرع للإيمان بعد سرد سيرته الذاتية التى بداها على حد قولهم: "ثم بايع الجولانى القاعدة، ومن ثم تحالف مع الصحوات لقتال جماعة الدولة، ومن ثم نكث بيعته للقاعدة، ومن ثم أنشأ جبهة فتح الشام، ومن ثم حلَّها وأنشأ هيئة تحرير الشام، وتخلل هذا المشوار الكثير من الغدر بأقرب الناس له، ولا يخفى على أحد جرائمه فيما يعرف بالمحرر، واستبداده وملء سجونه بالنساء والأرامل. ومن أراد الاستزادة من هذا فليبحث عن الظلم فى مناطقه، وفى الإسهاب ما تذهل منه العقول، لكننا أردنا إيراد الأمر دون تفصيل ولا إخلال.

هنا يثار تساؤل: لماذا تكيل أمريكا بمكيالين، وتتكلم بصوتين وترتدى قناعين فى الشرق الأوسط؟ والسؤال لنا: هل الجهاد السياسى نموذج الرئيس أحمد الشرع بات نموذجًا للتكرار فى بعض الدول الأخرى؟ وماذا عن علاقتنا بالواقع الجديد الذى تفرضه السياسة الأمريكية والذى يطُلق عليه بعض الخبراء «الأيديولوجيا الواقعية» أما «الأيديولوجيا الفاتنة»؟ ترى من يفوز فى النهاية؟

317.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق