موسوعة "التراتبية" ترصد الوطني والثقافي في مشروع المختار السوسي

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

سيرةٌ لمؤلفات العلامة المغربي محمد المختار السوسي، رأت النور في جزأين، بجهد تصنيف وإعداد قام بهما الساهر على نشر تراثه، ابنه الباحث رضى الله عبد الوافي المختار السوسي، الذي خصص هذا العمل لإحصاء جميع عناوين المؤرخ والوزير والأديب والوطني، والمراحل التي قطعها في التأليف، وقصة كل مؤلف مع مؤلفه، نصا وعنونة ومقاطع مخطوطات… بل وحتى ما تطلبه من كاتبه من مال، عبر إيراد فواتير تظهر مدى تضحية وحرص المختار السوسي على الكتابة والنشر.

وصدر الجزآن في ما يقرب 900 مائة صفحة، بعنوان “التراتبية: في الكشف والبيان عن كتابات ومؤلفات سيدنا الوالد محمد المختار السوسي حسب الزمان والمكان”.

خريطة العمل

في تقديم الكتاب الجديد، كتب المهدي بن محمد السعيدي الإلغي، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر بأكادير، منبها إلى أن الجهد الذي أخرج هذا الكتاب لا يقتصر على سنوات إعداد عبد الوافي رضى الله له فقط، بل هو ثمرة “ملازمة كتب والده مدة تزيد على أربعين سنة، استهلها بنشر المخطوطات المتبقية منه؛ بدءا من مطلع سنوات الثمانينات من القرن الماضي، واستمرت مطردة حتى السنين الأخيرة، نشر خلالها نحو 25 كتابا، لوالده وجده، لم يكن نشرها هينا، بل كانت وراءه تحديات وصعوبات جمة، فإصدار الكتب المتوالية يحتاج إلى ميزانية كبيرة، إذ إن الكتب لا تباع في ظرف وجيز”.

وأكد المقدم أن “هذا العمل لا يستطيع إنجازه إلا من أنفق عمره في قراءة كتب العلامة السوسي سطرا سطرا وفصلا فصلا، وزاد على ذلك الاطلاع على مخطوطاته ورسائله وكل ما خطه يراعه”، ثم أردف قائلا: “في تقديري أن ذلك لا يتحقق إلا لولده الأستاذ عبد الوافي، الذي قضى في ذلك أزيد من أربعين سنة، فحرر هذا الكتاب متوجا به جهوده عبر هذه السنوات الطويلة المديدة (…) في أطروحته هذه، ارتقا مرقى يعجز عنه كثير من طلاب الدكتوراه في زمننا هذا، حينما يكتفون بمس الموضوعات مسا خفيفا”.

وجاء الجزآن “خريطة هادية ومفتاحا مبينا، لفهم عمل العلامة السوسي ومشروعه الفكري العظيم، الذي أنفق عمره فيه، واستهدف به التأريخ لوطنه، اتساقا مع المنهج الجهوي في كتابة تاريخ الأمة الإسلامية، وبيان إسهام كل محل وكل جهة وكل قطر، وأهل كل لغة، في بناء صرح الحضارة الإسلامية الشامخ، متجاوزا ضيق الانتماء العنصري والمذهبي، مع مراعاة التنوع والغنى والاختلاف الدال على ائتلاف عقيدة التوحيد”.

ويقدر التقديم أن هذا الكتاب “لبنة تأسيسية منهجية في دراسة أعمال العلامة السوسي، ييسر للباحثين والدارسين من مختلف المستويات دراسة وتحليل أعماله، وفهم حيثياتها فهما أعمق وأدق، بالاستعانة بما أتاحه ابنه المؤلف من معرفة مجال ابتكار النصوص وتطورها وتحولها، بعد أن كانت الدراسات السابقة تجول في مجالات النصوص وحدها، بعيدا عن خلفياتها المعرفية، وتطورات وجودها منذ أن كانت بذورا فكرية، إلى أن صارت كتبا مطبوعة منشورة متداولة”.

سيرة المؤلفات

هذا العمل، الغني بالتفاصيل والصور والوثائق ونسخ المخطوطات والتواريخ، سيرة لمحمد المختار السوسي وأعماله، منذ الولادة، وبداية تلقي المعارف بمدارس سوس، مطلع القرن العشرين، ثم الاستمرار في طلب العلم خارج مسقط الرأس، مع توثيق عطاءاته الأدبية والمعرفية ورسائله طفلا وشابا في أول الشباب، وبعد ذلك خلال “الرحلة العلمية الكبرى” خارج سوس بمراكش ثم بفاس فالرباط، وصولا إلى مرحلة اشتغاله بالتدريس بمراكش، قبل نفيه الأول إلى إلغ، وإقامته الجبرية بها سنوات، ثم تطورات الأحداث، حتى اعتقاله في معتقلي تنجداد وأغبالو نكردوس، واستوازره بعد الاستقلال، وزيرا للتاج، ووزيرا للأوقاف.

وفي كل محطة من هذه المحطات يجد القارئ، ما كتبه محمد المختار السوسي في مختلف صنوف المعرفة، وما عبر به، أدبا وتأريخا ومعرفة وخطابة وتراسلا وتقييدا، فضلا عن تفاصيل خاصة عن الكتابة والتصحيح وصولا إلى النشر، والوصية.

ويبين هذا المؤلف، وفق معده رضى الله عبد الوافي المختار السوسي، ما دونه والده من المؤلفات والكتابات في محَلات كثيرة داخل المغرب وخارجه؛ بل إن هذا العلَم الوطني قد حوّل منفاه الإلغي، أيام الاستعمار، إلى “كلية نشيطة، وسوق عكاظ أدبية قائمة، واستغل منفاه، دون بقية المنفيين، لتحقيق مشروعه العلمي والثقافي… ولهذا، فقد كان لإقليم سوس خاصة، والمغرب عامة، حظ كبير حين اختار الله له أحد أبنائه البررة، الذين رفعوا مجده وذكره عاليا، وأحيوا تاريخه وقادوه إلى المجد”.

المختار السوسي، صاحب “المعسول” الصادر في عشرين جزءا، ترك “مجلدات ومؤلفات علمية عديدة، لا يمكن الآن لأي باحث أو دارس الاستغناء عنها؛ فهي المصدر والمرجع الوحيد الجامع والحافل لتاريخ قطر سوس بأجمعه، ولا تقتصر عليه فقط، بل تعدى ذلك إلى ذكر أحداث وشخصيات ووقائع عدة في شتى أنحاء مغربنا الحبيب”.

وفي تمهيد الجزأين يكتب القائم بتراث والده المختار السوسي: “يشهد الله بأننا ما وهبنا حياتنا كلها إلا من أجل نشر أعماله، فلم نتوظف ولم نتاجر، وإنما ديدننا دائما منذ أن ولينا أمر أنفسنا أن نضع بين أعيننا كل ما سطره والدنا؛ إما بنشر مخطوطاته، أو التعريف بها في الصحف والمجلات، أو التحدث عنها في الإذاعة والتلفزة، والمشاركة في بعض الندوات، وإقامة معارض على هامشها، لإبراز كتبه وبعض مخطوطات مؤلفاته ووثائق خزانته”.

وتتويجا لهذا، جاء كتاب “التراتبية”، الذي يضم آثار وحقائق تنشر لأول مرة حول المختار السوسي، جوابا عن “سيل هائل من التساؤلات، خاصة عند المهتمين بتراث والدنا الذين كانوا يلحون كثيرا في معرفة محتويات مخطوطات والدنا غير المطبوعة، وعن أنواع كتاباته الأخرى، ومنهم بالخصوص الذين كانوا ينجزون أطاريح وبحوثا جامعية”، فأراد المصنف رضى الله عبد الوافي أن يكون هذا العمل الجديد “فتحا لمستغلق جل كتابات والدنا رحمه الله، وهو كتاب جاء كخلاصة جهدنا وثمرة تعبنا لمدة فاقت الأربعين عاما، عشنا خلالها بين أحضان خزانة والدنا عبر كل مراحل حياتنا”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق