تشهد مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر انتشارًا ملحوظًا للأخبار الزائفة، دون التحقق من مصادرها أو مصداقيتها، ما يحوّل هذه المنصات إلى بيئة خصبة للإشاعات والمغالطات، خاصة عندما يكون المحتوى مثيرًا للعواطف أو مرتبطًا بمواضيع حساسة.
وفي هذا السياق يثار الحديث حول الأسباب التي تدفع بعض الأشخاص إلى ترويج أخبار زائفة رغم علمهم بعدم صحتها في كثير من الأحيان، هل هي الرغبة في إثارة الانتباه أو التأثير على الرأي العام لتحقيق أهداف شخصية أو أيديولوجية…؟ كما يتزايد النقاش حول خطورة الأخبار الزائفة وتأثيرها السلبي على الأفراد والمجتمع بشكل عام.
زيف يُهدد الثقة
محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي، قال إن “نقل الخبر من اختصاص الصحفي المكوَّن على النزاهة، وعلى أخلاقيات المهنة، والتيقن من مصدر المعلومة، والتريث قبل النشر؛ غير أن الإنسان العادي، الذي بات يستعمل وسائل التواصل الاجتماعي ويعتقد أنه ناقل للخبر أو يمتلك ما يسمى ‘السكوب’، غالبًا ما يكون مدفوعًا إما برغبة الشهرة أو التسرع أو حتى الكذب من أجل التفاعل وجلب المتابعين، وهو ما يُخرج عملية نقل المعلومة من إطارها المهني والأخلاقي”.
وأضاف بنزاكور، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الواقع يفتح الباب أمام كل من هبّ ودبّ لنشر الأخبار بحسب ميولاته وأهدافه، ما يؤدي إلى غياب أهم عنصر في نقل الخبر، وهو القدرة على التيقن والالتزام بأخلاقيات المصدر والمعلومة”، مشيرا إلى أن “خطورة هذه الظاهرة تكمن في أن الأخبار الزائفة تُضعف الثقة في الأخبار الصحيحة، ما يجعل الشك يسود محل اليقين؛ ومع الوقت يفقد المتلقي الثقة في المعلومة، ويصبح عرضة لتبني أفكار متطرفة، أو لما تسمى نظريات المؤامرة، التي تبني تصورات زائفة استنادًا إلى مؤشرات غير دقيقة”.
وأكد المتحدث ذاته أن “المساس بمصداقية الخبر يؤدي إلى تهديد مباشر للاستقرار والأمن الاجتماعي، كما يضرب في العمق صورة الصحافي الحقيقي وجهوده، ويُفسح المجال لتشويه الحقائق وخلق روايات خرافية، كما حدث في واقعة ‘سفاح بن احمد’، التي تحولت إلى ما يشبه فيلمًا سينمائيًا، في وقت كانت السلطات الأمنية تتابع الوضع بدقة وتواجه الأخبار الزائفة والإفادات الكاذبة”.
ولفت أستاذ علم النفس الاجتماعي إلى أن “الخطورة لا تكمن فقط في مضمون الخبر، بل في آثاره العميقة على المجتمع، من حيث التأثير على العقليات، وزعزعة الاستقرار، وتقويض المصداقية”، وزاد: “لذلك لا تجب الاستهانة بخطورة هذا المسار. وعلى المتلقي المغربي أن يعي أن المعلومة سلاح، ويجب أن يُستعمل بعقلانية ومسؤولية، لا أن يتحول إلى وسيلة تلهو بها الرغبات وتغيب عنها ملكة التمحيص والتيقن”.
وأوضح بنزاكور أن “هناك مواضيع تدخل في اختصاصات الدولة أو تلامس الأمن العام، ولا يمكن أن تُترك لتقدير الأفراد، بل تتطلب تعاملًا مسؤولًا وتريثًا، لأنه حتى الأجهزة الأمنية لا يمكنها أداء مهامها بكفاءة إلا إذا أُتيح لها الوقت الكافي للتحري والتيقن من المعلومة، وفق مناهج البحث العلمية التي تعتمدها في المجال الأمني”.
وختم المتحدث توضيحاته بالإشارة إلى أن “الحل يكمن في العودة إلى التربية الإعلامية، وترسيخها داخل المؤسسات التعليمية، حتى يُدرك المواطن المغربي خطورة الخبر وقيمته، ويتعلم المبادئ التي تحكم نقله، ليس ليصبح صحافيًا، وإنما ليكتسب حسًّا أخلاقيًا ومسؤولية اجتماعية تمنعه من المساهمة في زعزعة الاستقرار أو نشر الفوضى”.
مخاطر الأخبار الزائفة
ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “الأسباب التي تدفع الأشخاص إلى ترويج الأخبار الزائفة متعددة، أولها البحث عن الشهرة أو ‘اللايكات’، حيث يروّج البعض أخبارًا زائفة فقط لجذب الانتباه أو حصد التفاعل على مواقع التواصل، وثانيها الجهل أو التسرع، إذ إن الكثيرين ينقلون الأخبار دون التحقق من المصدر بدافع الحماسة أو حسن النية”.
وأضافت المتحدثة ذاتها، في تصريح لهسبريس، أن “مروّجي الأخبار الزائفة تحرّكم أحيانا بعض الأغراض السياسية أو الأيديولوجية، إذ تستخدم بعض الجهات الأخبار الزائفة كأداة للتأثير في الرأي العام أو زرع البلبلة، أو بهدف الربّح المادي، حين تنشر بعض المواقع أخبارًا مثيرة لجذب الزوار وتحقيق أرباح إعلانية”.
وعن خطورة انتشار الأخبار الزائفة على الفرد والمجتمع أشارت الفضل إلى “زرع الخوف والهلع، كما حدث مع إشاعة سفاح بن أحمد، حيث يمكن لخبر زائف أن ينشر الذعر ويؤثر في الأمن النفسي للمواطنين”، و”إضعاف الثقة في المؤسسات، لأن الأخبار الكاذبة تُفقد الناس ثقتهم في الدولة والإعلام وحتى القضاء”.
وذكرت الأخصائية والمعالجة النفسية الإكلينيكية، ضمن مخاطر الأخبار الزائفة، “الإضرار بأبرياء حين يُتّهم أشخاص زورًا أو يُشهر بهم دون دليل”، و”تعطيل العدالة والتضليل وعرقلة سير التحقيقات وتشويه الحقائق”، و”انقسام المجتمع وتأجيج الفتن والتحريض والكراهية بين أفراده”.
ونصحت ندى الفضل مروجي الأخبار الزائفة بـ “المساهمة في صناعة الوعي عوض تخريبه”، و”تحرّي المسؤولية الأخلاقية والقانونية، لأن العقوبات أصبحت حقيقية ومطبّقة”، و”عدم التحوّل إلى أداة في يد الإشاعة”، و”الاقتناع بأن كل كلمة تُنشر قد تجرّ ضررًا لا يمكن إصلاحه”.
ووجّهت الأخصائية والمعالجة النفسية الإكلينيكية نصائحها لعموم متتبّعي الأخبار بضرورة “التأكد من المصدر قبل التفاعل أو المشاركة”، و”عدم المساهمة في نشر ما يثير الخوف أو البلبلة دون دليل”، مع الحرص الدائم على “متابعة المواقع والمنصات الرسمية، وتجنّب الصفحات المجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي”.
0 تعليق