تراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري بشكل لافت خلال شهر مايو، في تحول يعد الأبرز منذ فترات طويلة، خاصة بعد موجات متتالية من الارتفاعات التي دفعت الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، وأثرت بشكل كبير على معدلات التضخم في البلاد نتيجة غلاء السلع والخدمات السنوات الماضية.
هذا الانخفاض المفاجئ لم يكن مجرد حركة عرضية في السوق، بل جاء نتيجة تراكمات اقتصادية وخطوات إصلاحية مدروسة، بدأت تؤتي ثمارها، لتطلق إشارات جديدة حول مستقبل سوق الصرف، وتطرح السؤال الأهم: هل بدأ الجنيه فعلاً في رحلة صعود طويلة المدى؟.
في هذا التقرير من بانكير، سوف نستعرض تحليلا حول اسباب انخفاض الدولار خلال شهر مايو، مع محاولة الوقوف على أسباب عودة الجنيه المصري للصعود خلال أيام متتالية، حتى وإن كان هذا الصعود محدودا للغاية، علاوة على ذلك سوف نتعرف على مدى إمكانية استمرار الجنية في الصعود ام أنه سيشهد تراجعا خلال الفترة المقبلة؟

تأثير زيارة بعثة صندوق النقد الدولي
في قلب هذا التحول تقف زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة، والتي دشنت الجولة الخامسة من مراجعة برنامج التمويل الموقع مع الحكومة المصرية. هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية الشكل، بل كانت بمثابة شهادة جديدة على التزام الدولة بإجراءات الإصلاح المالي، وقدرتها على تنفيذ البنود المتفق عليها، وهو ما خلق حالة من الاطمئنان في السوق وأعاد رسم التوقعات المستقبلية.
أعمال المراجعة شملت ملفات بالغة الحساسية، منها خفض الدين العام، والسيطرة على عجز الموازنة، وتنفيذ إصلاحات هيكلية جذرية لإعادة هيكلة بنية الاقتصاد.
وبحسب ما أكد الخبراء، فإن مجرد وجود بعثة الصندوق يعكس حالة من الثقة المتبادلة، ما دفع الأسواق إلى استباق النتائج الإيجابية بتقليص الطلب على الدولار، وعودة الأجانب لضخ استثمارات في أدوات الدين الحكومية.
تحويلات المصريين بالخارج
في موازاة ذلك، لعبت تحويلات المصريين في الخارج دورا محوريا في قلب معادلة العرض والطلب على الدولار، وذلك بعد أن شهدت هذه التحويلات تراجعًا في الفترات السابقة، عادت لتقفز مجددا بنسبة 72.4%، لتسجل 32.6 مليار دولار في الفترة من مارس 2024 وحتى فبراير 2025، بحسب بيانات البنك المركزي.
هذه الطفرة المفاجئة في تحويلات المصريين في الخارج للدولار لم تكن وليدة الصدفة، بل تعكس مؤشرين بالغي الدلالة، أولهما عودة الثقة في الجهاز المصرفي المصري، وثانيهما الإيمان المتجدد من المصريين في الخارج بقدرة الاقتصاد على التعافي.
المثير في هذه القفزة، أنها لم تكن موزعة على مدار العام، بل تجلت بقوة في فبراير فقط من هذا العام، والذي شهد تحويلات قاربت 3 مليارات دولار، مقارنة بـ1.3 مليار فقط خلال نفس الشهر من العام السابق، وهو ما يؤكد على أن تحسن مناخ الاستثمار والرسائل الإيجابية الصادرة عن الدولة، كانا كفيلين بتحفيز أبنائها في الخارج على ضخ المزيد من العملة الصعبة.

احتياطي النقد الأجنبي يبلغ ذروته
واحد من أبرز المؤشرات التي دعمت الجنيه في مواجهة الدولار كان الارتفاع الملحوظ في احتياطي النقد الأجنبي، والذي سجل زيادة بنحو مليار دولار منذ بداية 2025، ليصل إلى 48.1 مليار دولار بنهاية أبريل من هذا العام.
هذا الرقم لم يكن مجرد تحسين كمي في الأرصدة، بل هو نتيجة مباشرة لتحسن مصادر الدولة من العملة الأجنبية، سواء عبر السياحة، أو قناة السويس، أو الاستثمارات المباشرة، أو عودة الصادرات إلى دائرة النشاط مجددا.
ارتفاع الاحتياطي لم يمنح الدولة فقط مرونة في تلبية احتياجاتها التمويلية، بل شكل أيضا عامل تهدئة نفسي قوي في السوق، قلص من حدة المضاربة على الدولار، ورسخ شعورا عامًا بأن الأزمة في طريقها للانفراج.
هل يستمر سعر الدولار في التراجع مقابل الجنيه؟
رغم هذا التراجع اللافت في سعر الدولار، إلا أن سيناريوهاته المستقبلية ما زالت مفتوحة على أكثر من احتمال، فهناك من يرى أن الجنيه بات على أعتاب موجة استقرار طويلة، شريطة استمرار تدفق الموارد الأجنبية، وتوسيع قاعدة الإنتاج، والالتزام بسياسات نقدية صارمة، مشيرين إلى أن نجاح الحكومة في ضبط الأداء الاقتصادي، وتوسيع مصادر الدخل، سيجعل من ارتفاع الجنيه أمام الدولار حالة دائمة لا مؤقتة.
في المقابل، يحذر آخرون من أن الأسواق العالمية لا تتحرك بمنطق الداخل فقط، وأن أي توترات جيوسياسية أو تغيرات حادة في أسعار الفائدة العالمية قد تدفع الدولار نحو الانتعاش مجددا، ولو بشكل محدود، لكن، يبقى الاحتمال الغالب أن صعود الجنيه هذه المرة ليس فعالا لحظيا، بل نتيجة مسار إصلاح اقتصادي بدأته الدولة المصرية قبل سنوات، وبدأ يؤتي ثماره هذا العام.

هل تستطيع الحكومة المصرية تثبيت هذه المكاسب؟
التحولات التي شهدها سوق الصرف خلال الأسابيع الماضية لم تكن فقط نتاج سياسات، بل تعبير عن حالة توازن بدأت تتشكل تدريجيًا بين العرض والطلب، بدعم من مؤشرات اقتصادية إيجابية تعزز الثقة في قدرة الدولة على تجاوز المرحلة الأصعب.
وتبقى المرحلة القادمة مرهونة بقدرة الحكومة على تثبيت هذه المكاسب، واستكمال مسار الإصلاح، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وتحقيق استقرار طويل الأمد في سوق النقد الأجنبي، وهو ما سيحسم الإجابة على السؤال: هل يستمر صعود الجنيه أمام الدولار؟ المؤشرات تقول نعم، ولكن بشرط ألا تتوقف حركة الإصلاح الاقتصادي حتى وإن كانت تمثل صعوبات على المواطن المصري.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق