تُعد قضية عرض قطر تقديم طائرة بوينغ 747-8 فاخرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مثالًا بارزًا على التعقيدات التي قد تكتنف العلاقات الدبلوماسية بين الدول، لا سيما عندما تتشابك المصالح الاقتصادية بالاعتبارات السياسية.
ففي خضم الجدل الدائر، أتى تعليق رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ليوضح أن هذا العرض، الذي قُدّر بقيمة 400 مليون دولار، هو "أمر طبيعي يحدث بين الحلفاء".
تفاصيل الصفقة وأبعادها الخفية
كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن القصة الداخلية وراء سعي ترامب لطائرة "إير فورس وان" جديدة، مشيرة إلى أن قطر كانت تحاول بيع طائرة فاخرة من طراز بوينغ 747-8 لسنوات دون جدوى، قبل أن يضع فريق الرئيس ترامب نصب عينيه عليها.
وأوضحت الصحيفة أن الرئيس ترامب كان يبحث عن حل سريع لمشكلة طائرته الرئاسية، حيث تأخر تسليم الطائرتين الجديدتين اللتين تعاقدت عليهما الولايات المتحدة مع بوينغ في عام 2018 بقيمة 3.9 مليار دولار، مما قد يؤخر استلامهما إلى ما بعد فترة ولاية ترامب الثانية.
في خضم هذا التأخير، بدأت إدارة ترامب بالتفكير في الحصول على طائرة مؤقتة لاستخدام الرئيس، حيث كان يضطر للسفر على متن طائرات قديمة تعود لـ35 عامًا.
وبحسب نيويورك تايمز، فقد تضمنت قصة قرار إدارة ترامب بقبول طائرة بوينغ 747-8 فاخرة مجانية من قطر لتكون "إير فورس وان" الجديدة، أسابيع من التنسيق السري بين واشنطن والدوحة.
وقد لعب المبعوث الخاص لترامب للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، دورًا رئيسيًا في هذه العملية.
جاء تصريح رئيس الوزراء القطري في منتدى اقتصادي بالدوحة، ليؤكد أن العرض لا يمثل محاولة لشراء النفوذ، بل يندرج ضمن إطار التعاون الاستراتيجي العميق بين البلدين.
هذا التأطير الدبلوماسي يهدف إلى نزع فتيل الانتقادات التي وصفت الصفقة بأنها رشوة سياسية، ويؤكد على أن العلاقات بين الدوحة وواشنطن مبنية على الثقة المتبادلة وليس على المقايضة.
كما استنكر الشيخ محمد آل ثاني رئيس الوزراء "حملات التحريض" التي تستهدف تشويه صورة قطر، مما يعكس حساسية الدوحة تجاه أي محاولات لتأويل نواياها بشكل سلبي.
طبيعة الصفقة: من هدية شخصية إلى تعاون حكومي
أوضح رئيس الوزراء أن الطائرة ليست هدية شخصية لترامب، بل هي صفقة بين حكومتين وتخضع للمراجعة القانونية.
وشدد على أن المباحثات تجري بين وزارتي الدفاع في كلا البلدين، مما يؤكد على الطابع الرسمي والمؤسسي للصفقة.
هذا التفصيل مهم لأنه ينقل الصفقة من إطار الهدية الشخصية، التي قد تثير تساؤلات أخلاقية وقانونية، إلى إطار التعاون الدفاعي أو التجاري بين الدول.
التوضيح بأن الصفقة تجري بشفافية ولا تتضمن أي نوايا سياسية خفية، كان محاولة لتبديد الشكوك حول دوافع قطر.
"تسييس القضية" والجدل في واشنطن
أعرب رئيس الوزراء القطري عن استغرابه من تسييس القضية، مشيرًا إلى أن مثل هذه الصفقات تُجرى بشفافية ولا تتضمن أي نوايا سياسية خفية.
واعتبر أن الجدل المثار في واشنطن مبالغ فيه ويفتقر إلى مبررات منطقية. هذا التسييس يبرز الانقسامات داخل الولايات المتحدة نفسها، وكيف يمكن أن تصبح الصفقات الخارجية أداة في صراع سياسي داخلي. إن إصرار قطر على أن العرض جزء من تعاون مستمر، يعكس رغبتها في تجنب الوقوع في فخ الجدل السياسي الداخلي الأمريكي، والتأكيد على طبيعة علاقاتها الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
التحديات اللوجستية والأخلاقية
على الرغم من إعلان ترامب أن الطائرة "هدية، مجانية"، إلا أن هناك تساؤلات مستمرة حول الجدوى المالية للصفقة، نظرًا للتكاليف الهائلة اللازمة لتجهيز الطائرة للاستخدام الرئاسي وتشغيلها على المدى الطويل.
كما أثارت الصفقة إدانة من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، بالإضافة إلى خبراء الأخلاقيات، الذين رأوا أنها تبدو إما وكأن ترامب نفسه يتلقى هدية، أو أن القطريين يستخدمونها لكسب النفوذ لدى الإدارة.
وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الطائرة، التي تقدر قيمتها بـ150 إلى 180 مليون دولار في حالتها الراهنة، ستحتاج إلى مليار دولار على الأقل لتجهيزها لتصبح "إير فورس وان" حقيقية، بما في ذلك إضافة أنظمة اتصالات متقدمة ودفاعات صاروخية.
وقد يستغرق تجهيز الطائرة سنوات، مما يدفع بإمكانية استخدام ترامب لها إلى ما بعد عام 2027. كما أن تكلفة تشغيل الطائرة سنويًا تتجاوز 134 مليون دولار، مما يجعلها باهظة الثمن.
العلاقات القطرية الأمريكية ودور قاعدة العديد
تؤكد الصحيفة على أن العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر وثيقة للغاية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى قاعدة العديد الجوية الضخمة، حيث تقع واحدة من أكبر العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط.
وقد استثمرت قطر أكثر من 8 مليارات دولار في تطوير قاعدة العديد منذ عام 2003، وهي مساهمات تعتبر حيوية لدعم العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
وتساعد هذه القاعدة في إبقاء منافسي قطر، مثل المملكة العربية السعودية، على مسافة، وفقًا لمسؤولين عسكريين أمريكيين.
وقد أعلن ترامب خلال زيارة له لقطر أن الدولة تستعد لإنفاق 10 مليارات دولار أخرى على القاعدة.
0 تعليق