تشهد غزة استمرارًا حرجًا في أزمة إنسانية متفاقمة، ومع موافقة الاحتلال الإسرائيلي على دخول حوالي 100 شاحنة مساعدات طارئة إضافية بعد أسابيع من الحصار الذي أدى إلى تدهور شديد في الأوضاع المعيشية للسكان، تحذر الأمم المتحدة وخبراء الإغاثة في ظل هذا الحصار الشامل الذي دام أكثر من 11 أسبوعًا، من مخاطر مجاعة وشيكة قد تصيب الملايين، خصوصًا الأطفال الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء والمواد الأساسية.
وتأتي هذه التطورات وسط محاولات دولية مكثفة لإيجاد آليات جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية في القطاع المحاصر، حيث طرحت الولايات المتحدة مبادرة لإدارة توزيع المساعدات عبر مؤسسة جديدة، لكنها تواجه رفضًا واضحًا من الأمم المتحدة بسبب عدم حياديتها وتحيزها المحتمل، ويعكس هذا الخلاف التعقيدات السياسية والأمنية التي تحيط بعملية الإغاثة في ظل الصراع المستمر وتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة
رغم الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية، تستمر القيود الإسرائيلية على دخول الإمدادات إلى القطاع، مما يزيد من معاناة أكثر من مليوني نسمة يعيشون في ظروف قاسية للغاية، مع ارتفاع ملحوظ في معدلات سوء التغذية والأمراض، ويضاف إلى ذلك تصاعد الاحتجاجات الدولية والضغوط السياسية التي تواجهها إسرائيل، مما يعكس الانقسام العالمي تجاه الأزمة وسبل التعامل معها.
وفي الوقت نفسه، تتخذ دول مثل بريطانيا مواقف حازمة من التطورات الأخيرة، معلنة تعليق محادثات تجارية مع إسرائيل وفرض عقوبات على بعض المستوطنين، في حين يستمر الصراع الميداني بإحداث دمار واسع في غزة، مع تزايد أعداد القتلى والجرحى وتشريد السكان، ما يجعل الوضع الإنساني في القطاع من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم اليوم.
وأعلن متحدث باسم الأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، أن المنظمة الدولية تلقت تصريحًا من السلطات الإسرائيلية يسمح بدخول نحو 100 شاحنة مساعدات طارئة إضافية إلى قطاع غزة، في خطوة جديدة تأتي بعد أسابيع من الحصار المشدد الذي فرضه الاحتلال على هذا الجيب الفلسطيني، ومع ذلك، لا تزال المساعدات التي وصلت مؤخرًا تحت السيطرة الإسرائيلية وتخضع لإجراءات تفتيش مشددة.
وحذر خبراء إنسانيون دوليون مرارًا من خطر مجاعة وشيكة تهدد سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، في ظل الحصار الشامل الذي فرضه الاحتلال لأكثر من 11 أسبوعًا، والذي دفع إلى احتجاجات دولية متزايدة تطالب برفع القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية.
وفي مؤتمر صحفي عقد في جنيف، قال ينس ليركي، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا): "لقد طلبنا وحصلنا على الموافقة لدخول شاحنات مساعدات إضافية اليوم، والعدد أكبر بكثير مما تمت الموافقة عليه أمس، وهو حوالي 100 شاحنة".
إدخال المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم
كانت إسرائيل قد سمحت، يوم أمس الإثنين، بدخول تسع شاحنات محملة بالمساعدات إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم، لكن خمسة منها فقط وصلت إلى داخل القطاع، ولا تزال تحت رقابة إسرائيلية مشددة تخضع لعمليات تفتيش نهائية قبل تسليمها إلى الجهات المختصة للتوزيع.
وأوضح ليركي أن هذه الشاحنات تحتوي على أغذية خاصة بالأطفال ومكملات غذائية حيوية، مشددًا على أن هناك أطفالًا في غزة في حالة حرجة ويحتاجون ماسة لهذه المواد لإنقاذ حياتهم.
وحذر من أن عدم توفير هذه المكملات قد يعرض حياة الأطفال لخطر مميت، مؤكدًا على أهمية المساعدات الغذائية في إنقاذ الأرواح، ومن جهته وصف توم فليتشر، المسؤول عن المساعدات في الأمم المتحدة، حجم المساعدات التي تمت الموافقة عليها حتى الآن بأنها قطرة في المحيط أمام حجم الاحتياجات الإنسانية الضخمة.
وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة ضد حركة حماس في قطاع غزة، والتي شنتها إسرائيل ردًا على هجوم حماس عبر الحدود في أكتوبر 2023، مما أدى إلى دمار واسع النطاق في القطاع وسقوط آلاف القتلى، حسب بيانات السلطات المحلية، ويزعم الاحتلال أن الحصار يهدف جزئيًا إلى منع المسلحين الفلسطينيين من استغلال أو الاستيلاء على مساعدات إنسانية، وهو ما تنفيه حركة حماس.
وفي تقرير منسق مع وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة، حذر مسؤول صحي من ارتفاع معدلات سوء التغذية في القطاع المكتظ بالسكان، وقال أكيهيرو سيتا، مدير الصحة في الأونروا، إن البيانات الأخيرة حتى نهاية أبريل تظهر ارتفاعًا ملحوظًا في سوء التغذية، مع احتمال تفاقم الوضع بشكل خطير إذا استمر نقص الغذاء.
خطة مساعدات جديدة مدعومة من الولايات المتحدة
في سياق متصل، أعلنت منظمة مدعومة من الولايات المتحدة عن نيتها بدء تنفيذ نموذج جديد لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة بحلول نهاية مايو، لكن الأمم المتحدة رفضت المشاركة في هذه الخطة، معتبرة إياها غير محايدة وتنطوي على مخاطر سياسية.
وتأسست هذه المنظمة المسماة "مؤسسة غزة الإنسانية" في فبراير الماضي في سويسرا، وتخطط للعمل من خلال أربع "مواقع توزيع آمنة" في جنوب غزة، كل موقع قادر على خدمة 300 ألف شخص، وذلك بالتعاون مع شركات أمن وخدمات لوجستية أمريكية خاصة مثل UG Solutions وSafe Reach Solutions، ويُعتقد أن المؤسسة حصلت على التزامات مالية تتجاوز 100 مليون دولار، رغم عدم وضوح مصادر التمويل بشكل كامل.
وبحسب وثيقة داخلية تم تداولها في أوساط العاملين في مجال الإغاثة، ستقوم الشركات الخاصة بنقل المساعدات إلى مواقع التوزيع، فيما ستتولى منظمات إغاثة محلية توزيع المساعدات.
وقال سفير الاحتلال الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، إن بعض منظمات الإغاثة المحلية أبدت موافقتها على التعاون مع هذه المؤسسة، لكن هوياتها لم تُكشف بعد.
وذكرت المؤسسة أن إسرائيل وافقت على توسيع عدد مواقع التوزيع وإيجاد وسائل لضمان وصول المساعدات إلى المدنيين الذين لا يستطيعون التنقل إلى هذه المواقع، مع التأكيد على عدم مشاركة أي معلومات شخصية للمتلقين مع السلطات الإسرائيلية.
رفض الأمم المتحدة للنموذج الأمريكي
رفضت الأمم المتحدة هذا النموذج الجديد جملة وتفصيلاً، مؤكدة أنه يتعارض مع المبادئ الأساسية لعملها التي تقوم على الحياد، وعدم التحيز، والاستقلالية.
وقال توم فليتشر في إفادة لمجلس الأمن: "الخطة الجديدة ستجبر على المزيد من النزوح، وستعرض آلاف المدنيين للأذى، وستقتصر المساعدات على جزء من غزة فقط، تاركة مناطق أخرى تعاني من احتياجات ماسة بدون تغطية، وتشترط هذه الخطة المساعدات بأهداف سياسية وعسكرية، وتجعل من الجوع ورقة ضغط واستغلال سياسي".
ويأتي هذا الرفض في ظل تعليق إسرائيل كافة عمليات تسليم المساعدات إلى غزة منذ 2 مارس، بعد اتهامات متبادلة مع حركة حماس بسرقة بعض المساعدات، بالإضافة إلى مطالب إسرائيل بالإفراج عن الرهائن المحتجزين لديها منذ الهجوم الذي شنه مسلحو حماس في أكتوبر 2023 وأسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي.
وفي ظل تعثر الخطة الإسرائيلية، دفعت الولايات المتحدة نحو إنشاء صندوق مساعدات عالمي جديد لتسهيل توزيع المساعدات، فيما أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية عن استعدادها لبدء عملها مع نهاية مايو.
جهود الأمم المتحدة وتحدياتها في إيصال المساعدات
على مدار الصراع، واصلت الأمم المتحدة وصف عملياتها الإنسانية في غزة بأنها تواجه عقبات ضخمة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، والقيود المفروضة على الدخول والتنقل داخل القطاع، فضلاً عن عمليات النهب التي تقوم بها بعض الجماعات المسلحة.
وتعتمد الأمم المتحدة حاليًا على نظام توزيع يركز على تفتيش المساعدات من قبل إسرائيل عند المعابر، ثم نقلها وتسليمها للمنظمات الإنسانية لتوزيعها على المحتاجين، ويؤكد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن النظام الحالي "فعال وذو عجل تدور" ولا حاجة لاختراعه من جديد.
وفي تصريحات يوم الإثنين، حدد توم فليتشر متطلبات الأمم المتحدة لزيادة إيصال المساعدات، من بينها فتح معبرين على الأقل إلى غزة، تبسيط الإجراءات، رفع الحصص، ضمان عدم وجود عراقيل عند التسليم، والسماح بتلبية احتياجات غذائية وصحية ونظافة ومأوى ووقود بشكل كامل.
بريطانيا تعلق المحادثات التجارية مع إسرائيل وتعلن عقوبات جديدة
على صعيد متصل، أعلنت المملكة المتحدة، اليوم الثلاثاء، تعليق محادثات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، واستدعاء سفيرها، وفرض عقوبات إضافية على مستوطني الضفة الغربية، في ظل تصاعد الغارات والهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة.
ودان وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، التصعيد العسكري الذي وصفه بأنه "وحشي" واعتبر أن العملية تمثل مرحلة جديدة مظلمة في هذا النزاع، داعيًا الاحتلال إلى رفع الحصار المفروض على قطاع غزة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، معبرًا عن إدانته الشديدة لتصريحات وزير المالية الإسرائيلي التي ألمحت إلى احتمال تطهير وتدمير أجزاء من غزة ونقل سكانها.
وأكد لامي أن هذه الإجراءات تأتي بسبب تعارض الهجوم العسكري مع المبادئ التي تقوم عليها العلاقة الثنائية بين لندن وتل أبيب، مضيفًا: "نعلن تعليق المحادثات التجارية مع الحكومة الإسرائيلية الحالية."
وفي المقابل، قال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية إن الضغوط الخارجية لن تثني إسرائيل عن حماية أمنها، مع التأكيد على التزام بريطانيا بأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها.
وفي ردود فعل سياسية داخلية، أعرب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن الرعب من التصعيد في غزة، فيما دعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات إضافية في حال استمرار الهجوم الإسرائيلي.
خلفية الصراع وآثاره المأساوية
يُذكر أن إسرائيل تصف العمليات العسكرية الجارية بأنها حرب حضارية على الهمجية، وتعهدت بالاستمرار في الدفاع عن نفسها حتى تحقيق النصر الكامل، وأدت الحرب البرية والجوية الإسرائيلية إلى دمار شبه شامل في قطاع غزة، مع نزوح غالبية السكان ومقتل أكثر من 53 ألف شخص، وفق إحصائيات السلطات الصحية المحلية.
وفي خطوة سابقة، علقت بريطانيا 30 ترخيصًا من أصل 350 لترخيص تصدير أسلحة لإسرائيل بسبب مخاوف من استخدامها في انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، كما فرضت عقوبات على أفراد وجماعات في الضفة الغربية مرتبطة بأعمال عنف ضد الفلسطينيين، ضمن سلسلة إجراءات تستهدف المستوطنات الإسرائيلية التي تعتبرها أغلب الدول غير قانونية.


إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق