صبرة القاسمي يرصد.. خالد الإسلامبولي: من رصاصة في ...

مصر تايمز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 يتناول الكاتب والباحث المتعمق في شؤون الحركات الإسلامية، صبرة القاسمي، شخصية محورية ومثيرة للجدل في تاريخ التطرف الديني المعاصر: خالد الإسلامبولي. لم يكن الإسلامبولي متطرف شاب اغتال رئيس دولة، بل تحول بمرور السنين إلى رمزية معقدة، استثمرتها جماعات العنف والإرهاب في مختلف أنحاء العالم لتبرير أفعالها واستقطاب أتباع جدد. عبر فصول هذا العمل التحليلي، يرصد القاسمي بدقة متناهية مسار تحول الإسلامبولي من منفذ عملية اغتيال ذات سياق تاريخي محدد، إلى أيقونة مُلهمة تتجاوز الحدود الجغرافية والتنظيمية، وتستمر في إلقاء ظلالها على المشهد الأمني والفكري حتى يومنا هذا. يكشف الكتاب عن الدوافع العميقة للاغتيال، ويحلل مواقف التيارات الإسلامية المختلفة منه، ويتتبع كيف استلهمت من فعله جماعات إرهابية معاصرة، وصولًا إلى تنظيم داعش، وتأثير ذلك على مفاهيم خطيرة مثل "الأخفياء الأتقياء". إن هذا الكتاب يقدم قراءة ضرورية ومتعمقة لفهم جذور التطرف المعاصر وتأثير الرموز التاريخية في تشكيل أيديولوجياته العنيفة.

الفصل الأول: سياق الاغتيال وجذور التطرف

لم يكن اغتيال السادات حدثًا معزولًا، بل كان تتويجًا لتراكمات سياسية واجتماعية واقتصادية شهدتها مصر في فترة حكمه. فقد أثارت سياسات الانفتاح الاقتصادي "الساداتي" انتقادات واسعة بسبب ما اعتبره البعض تفاقمًا للفوارق الاجتماعية وظهور طبقات ثرية على حساب الطبقات الشعبية. على الصعيد السياسي، أثارت اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل انقسامًا حادًا في الشارع المصري والعربي، حيث رأى فيها قطاع واسع تخليًا عن القضية الفلسطينية وتطبيعًا مع "العدو الصهيوني".

في هذا المناخ المحتقن، نمت وتوسعت حركات الإسلام السياسي في الجامعات والمدن المصرية، مستقطبة الشباب المتدين الذي وجد في هذه الحركات إطارًا لفهم العالم وتقديم حلول بديلة للمشاكل التي تواجه المجتمع. برزت في تلك الفترة تنظيمات مثل "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد الإسلامي"، التي تبنت أيديولوجيات متفاوتة في درجة تطرفها، لكنها اتفقت على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ومعارضة ما اعتبرته "انحرافات" النظام الحاكم.

كان خالد الإسلامبولي، الضابط الشاب المنتمي لأسرة محافظة، جزءًا من هذه الموجة، تأثر بالخطاب الديني الراديكالي السائد في تلك الفترة، وانخرط في أوساط الجماعات الإسلامية، و رأى في سياسات السادات خروجًا عن "ثوابت الأمة" وتخليًا عن "الجهاد" ضد إسرائيل. تشرب فكرة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بمفهوم متشدد، وصل به إلى اعتبار قتل رئيس الدولة "واجبًا شرعيًا" لإعادة البلاد إلى "الطريق الصحيح".

الفصل الثاني: لحظة الاغتيال وتداعياتها المباشرة

في السادس من أكتوبر عام 1981، وخلال العرض العسكري احتفالًا بذكرى حرب أكتوبر، انقض الإسلامبولي وعدد من المتورطين معه على المنصة الرئيسية، مطلقين الرصاص على الرئيس السادات وكبار قادة الدولة. 

كانت العملية جريئة ومفاجئة، وأحدثت صدمة على المستويين الداخلي والخارجي، وأسفرت العملية عن مقتل السادات وإصابة عدد آخر من الحضور. 

تم القبض على الإسلامبولي ورفاقه على الفور، وأحيلوا إلى محاكمة عسكرية سريعة. لم يبد الإسلامبولي ندمًا على فعلته، بل دافع عنها باعتبارها "قصاصًا عادلاً" لرئيس "كافر" و"خائن". انتهت المحاكمة بإصدار حكم الإعدام رميًا بالرصاص على الإسلامبولي وأربعة آخرين من المتهمين، وتم تنفيذ الحكم في 15 أبريل 1982

 

الفصل الثالث: اغتيال السادات.. نقطة انطلاق العنف المنظم للجماعات المتطرفة

لم يكن اغتيال السادات مجرد عملية قتل فردية ذات دوافع سياسية ودينية، بل كان بمثابة نقطة انطلاق حاسمة لمرحلة جديدة من العنف المنظم للجماعات الإسلامية المتشددة في مصر. لقد كشف هذا الاغتيال عن وجود خلايا عنفية منظمة ومستعدة لتحدي سلطة الدولة بشكل مباشر.

محاولة الاستيلاء على السلطة: من القاهرة إلى أسيوط

تجلت خطورة هذه المرحلة في التزامن شبه الكامل لعملية الاغتيال في القاهرة مع محاولات أخرى للاستيلاء على السلطة وإحداث فوضى شاملة في البلاد. ففي أعقاب إذاعة خبر الاغتيال، حاولت عناصر متطرفة مرتبطة بنفس الأيديولوجيا الاستيلاء على مبنى الإذاعة والتلفزيون في القاهرة، وهو ما يشير إلى وجود خطة أوسع نطاقًا لإحداث انقلاب أو على الأقل بث الفوضى والذعر في العاصمة.

الأكثر دلالة على وجود تنسيق وتخطيط أوسع هو ما حدث في محافظة أسيوط في صعيد مصر. ففي نفس يوم الاغتيال، شنت عناصر متطرفة هجومًا واسع النطاق على مديرية أمن أسيوط ومواقع حكومية أخرى في محاولة للسيطرة على المحافظة وإعلانها "إمارة إسلامية" خارجة عن سلطة الدولة المركزية. هذه الأحداث المتزامنة في القاهرة وأسيوط لم تكن مجرد مصادفة، بل كانت دليلًا قاطعًا على أن اغتيال السادات كان جزءًا من مخطط أوسع للانطلاق والسيطرة على مفاصل الدولة أو إحداث انهيار أمني شامل.

فشل المخطط وتداعياته:

لحسن حظ الدولة المصرية، فشلت هذه المحاولات المتزامنة للسيطرة على السلطة، تمكنت قوات الأمن من إحباط محاولة الاستيلاء على الإذاعة والتلفزيون في القاهرة، كما تمكنت من التصدي للعناصر المتطرفة في أسيوط بعد مواجهات عنيفة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين .

إلا أن هذه الأحداث كشفت عن مدى التنظيم والتنسيق الذي وصلت إليه الجماعات الإسلامية المتشددة، وعن استعدادها لاستخدام العنف المنظم لتحقيق أهدافها. لقد كان اغتيال السادات وما تلاه من محاولات عنفية نقطة تحول في تاريخ هذه الجماعات في مصر، حيث انتقلت من العمل السري والدعوة إلى محاولة المواجهة المسلحة المباشرة مع الدولة، وهو ما ترك تداعيات أمنية وسياسية استمرت لعقود لاحقة.

 

الفصل الرابع: مواقف التيارات الإسلامية من الإسلامبولي

تباينت مواقف التيارات الإسلامية في مصر والعالم من عملية الاغتيال والإسلامبولي نفسه:

- الإدانة الواسعة: أدانت غالبية التيارات الإسلامية المعتدلة والرسمية عملية الاغتيال، معتبرة إياها خروجًا عن تعاليم الإسلام التي تحرم قتل النفس بغير حق، وتؤكد على ضرورة طاعة ولي الأمر ما لم يأمر بمعصية صريحة. رأت هذه التيارات أن العنف ليس وسيلة مشروعة للتغيير السياسي، وأن الحوار والمشاركة السلمية هما السبيل الأمثل للإصلاح.

- التعاطف والتبرير: في المقابل، أبدت بعض الجماعات المتطرفة، خاصة تلك التي تبنت العنف منهجًا، تعاطفًا مع الإسلامبولي، بل ورأته "شهيدًا" و"بطلًا" تجرأ على ما اعتبروه "نصرة للدين". استندت هذه الجماعات إلى تفسيرات متشددة للنصوص الدينية لتبرير فعلته، معتبرة أن السادات "خرج عن الملة" بسياساته، وبالتالي استحق القتل.

- الموقف الرمادي: اتخذت بعض التيارات الإسلامية موقفًا رماديًا، حيث أبدت تحفظًا على عملية الاغتيال نفسها، لكنها في الوقت نفسه أظهرت تفهمًا أو تعاطفًا مع دوافع الإسلامبولي ومعارضته لسياسات السادات.

خارجيًا، كان الموقف أكثر تعقيدًا:

  • الدعم العلني: كما ذكرنا سابقًا، قامت إيران في فترة الثمانينيات بخطوة رمزية قوية بإطلاق اسم خالد الإسلامبولي على أحد شوارع طهران، في تعبير واضح عن دعمها لمن اعتبرته "بطلًا" في مواجهة "الاستكبار الأمريكي والصهيوني". هذه الخطوة أثارت غضبًا واسعًا في مصر والعالم العربي، وعكست رؤية مختلفة للصراع السياسي في المنطقة.
  • التحفظ الرسمي: غالبية الحكومات ذات الأغلبية المسلمة تحفظت على التعليق الرسمي أو أدانت الاغتيال في إطار العلاقات الدبلوماسية والأعراف الدولية.
  • الاستلهام غير الرسمي: على مستوى الحركات الإسلامية المتطرفة في أنحاء العالم، شكلت عملية الاغتيال والإسلامبولي نفسه مصدر إلهام غير رسمي. فقد رأوا فيه نموذجًا للجرأة والتضحية من أجل "القضية الإسلامية"، بغض النظر عن التقييم الشرعي أو السياسي لفعله.

الفصل الخامس: الإسلامبولي.. أيقونة مُلهمة للإرهاب العابر للحدود

تحول خالد الإسلامبولي بمرور الوقت إلى أيقونة تتجاوز حدود انتمائه التنظيمي الأصلي، ليصبح رمزًا مُلهمًا لجماعات إرهابية متنوعة حول العالم. 

يمكن تتبع هذا التأثير عبر عدة محاور:

: رسخت فعلة الإسلامبولي فكرة أن معارضة التطبيع مع إسرائيل يجب أن تكون أولوية قصوى، تصل إلى حد استخدام العنف ضد الأنظمة التي تسعى إليه. 

هذه الفكرة لا تزال حاضرة بقوة في أيديولوجيات العديد من الجماعات المتطرفة

  • شرعية "الجهاد" ضد "الحكام العملاء
  • قدم اغتيال رئيس الدولة نموذجًا لـ "الجهاد" ضد الحكام المسلمين الذين تعتبرهم هذه الجماعات "عملاء للغرب" أو "لا يحكمون بما أنزل الله". لقد تم تضخيم فعلته وتقديمها في سياق "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" المشروع بالسلاح عند الضرورة، وفقًا لتفسيراتهم المتشددة.
  • تأجيج العنف وتبريره كأداة للتغيير:
  • شكلت عملية الاغتيال سابقة خطيرة، استخدمتها الجماعات المتطرفة لتبرير أعمال العنف اللاحقة التي ارتكبتها. لقد رسخت فكرة أن "القوة" هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق "التغيير المنشود" وإقامة "الدولة الإسلامية".
  • استقطاب وتجنيد الأتباع:
  • تحول الإسلامبولي إلى قصة بطولية تُروى في أوساط الشباب المتدين المتطرف، مُقدمًا كنموذج للتضحية والفداء من أجل "نصرة الإسلام". ساهمت هذه الصورة النمطية في استقطاب وتجنيد المزيد من الأتباع لهذه الجماعات.
  • تكتيك الاغتيالات السياسية:
  • ألهمت عملية اغتيال السادات جماعات أخرى لتبني تكتيك الاغتيالات السياسية كوسيلة لتحقيق أهدافها، زعزعة استقرار الأنظمة، وإرسال رسائل قوية إلى خصومها.

الفصل السادس: الإسلامبولي و"مؤمن آل فرعون" و"الأخفياء الأتقياء" لدى داعش

من اللافت للنظر كيف استلهمت تنظيمات إرهابية معاصرة، مثل تنظيم داعش، مفاهيم يمكن ربطها، ولو بشكل غير مباشر، بقصة خالد الإسلامبولي. أحد هذه المفاهيم هو استغلال قصة "مؤمن آل فرعون" لتبرير فكرة "الأخفياء الأتقياء"

"مؤمن آل فرعون" هو شخصية قرآنية آمنت بموسى عليه السلام وكتمت إيمانها خوفًا من بطش فرعون. استغلت بعض الجماعات المتطرفة هذه القصة لتبرير العمل السري والخفي لعناصرها داخل المجتمعات والدول "الكافرة" أو "المرتدة"

وقد ذهب تنظيم داعش أبعد من ذلك في تطوير هذا المفهوم ليصوغ ما أطلق عليه "الأخفياء الأتقياء" أو "الذئاب المنفردة". تقوم هذه الفكرة على تجنيد أفراد يؤمنون بأيديولوجية التنظيم المتطرفة، لكنهم يعيشون حياة طبيعية ويندمجون في المجتمع دون إظهار ولائهم أو نواياهم الحقيقية. يتم تفعيل هؤلاء "الأخفياء" عند الحاجة لتنفيذ عمليات إرهابية أو لخدمة أهداف التنظيم بشكل سري، مستفيدين من عنصر المفاجأة وصعوبة تتبعهم.

يمكن إيجاد رابط، وإن كان غير مباشر، بين هذه الفكرة وعملية اغتيال السادات.

 فالإسلامبولي كان ضابطًا في الجيش المصري ولم يكن معروفًا بانتمائه الصريح لجماعات متطرفة قبل تنفيذه العملية. 

لقد كان "خفيًا" داخل المؤسسة العسكرية حتى حانت "ساعة الصفر". هذه السرية والكتمان التي اتسمت بها عملية الاغتيال، بالإضافة إلى النجاح النسبي في تنفيذها، يمكن أن تكون قد ألهمت فكرة "الأخفياء الأتقياء" لدى تنظيمات مثل داعش، التي سعت إلى زرع عناصرها في قلب المجتمعات دون أن يتم كشفهم.

الفصل السابع: تفكيك الأسطورة ومواجهة الإلهام المتطرف

من الضروري تفكيك الأسطورة التي حاولت بعض الجماعات الإرهابية نسجها حول خالد الإسلامبولي. يجب التأكيد على أن فعله كان جريمة قتل سياسي مدانة شرعًا وقانونًا، وأن محاولات تبريرها أو تقديمه كبطل هي محاولات لتضليل الشباب وتجنيدهم في صفوف العنف والإرهاب.

تتطلب مواجهة الإلهام المتطرف المستمد من قصة الإسلامبولي مقاربة شاملة تتضمن:

  • التعليم والتوعية: تعزيز التعليم الديني الوسطي الصحيح الذي ينبذ العنف والتطرف،
  • وتوعية الشباب بمخاطر الأيديولوجيات المتطرفة.
  • تفكيك الخطاب المتطرف: تحليل وتفنيد الخطاب الذي تستخدمه الجماعات الإرهابية لتبرير العنف وتقديم نماذج "بطولية" زائفة.
  • تعزيز قيم المواطنة والتسامح: غرس قيم المواطنة والانتماء الوطني والتسامح وقبول الآخر في نفوس الشباب.
  • المعالجة الأمنية والقانونية: تطبيق القانون بحزم على المتورطين في أعمال العنف والإرهاب، ومكافحة التنظيمات المتطرفة على المستويات الأمنية والفكرية.
  • دور الإعلام: قيام وسائل الإعلام بدور مسؤول في تقديم رواية موضوعية للأحداث وتجنب ترويج الخطاب المتطرف أو تضخيم رموزه

الخاتمة:

في ختام هذا الكتاب، يتبين لنا بوضوح كيف تحول خالد الإسلامبولي من مجرد اسم مرتبط بواقعة اغتيال سياسي إلى رمزية معقدة ومتعددة الأوجه في أدبيات الحركات الإسلامية المتطرفة. 

يرصد صبرة القاسمي ببراعة كيف استثمرت هذه الحركات فعلته لتبرير العنف، واستقطاب الأتباع، وتأصيل مفاهيم خطيرة تهدد الأمن والاستقرار العالمي. إن دراسة هذه الحالة ليست مجرد استعادة لتاريخ مضى، بل هي محاولة لفهم جذور الإرهاب المعاصر وآليات عمله، وكيف تستلهم الجماعات المتطرفة من أحداث الماضي لخدمة أجنداتها الحالية والمستقبلية. يبقى تفكيك هذه الرموز وكشف زيف أيديولوجياتها المتطرفة مسؤولية تقع على عاتق المفكرين والباحثين ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية، من أجل بناء وعي جمعي قادر على مقاومة خطاب الكراهية والعنف، وحماية الأجيال القادمة من الوقوع في براثن التطرف والإرهاب. 

 

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق