تجهيزات لتحفيز الرياضة تواجه الإهمال والتخريب في الفضاءات العمومية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تُجهَّز الساحات العمومية والشواطئ في عدد من المدن بمعدات رياضية متنوعة، في إطار مبادرات تروم توفير فضاءات مفتوحة للترفيه وتحفيز المواطنين على ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، غير أن هذه التجهيزات، على الرغم من دورها الحيوي في تعزيز أنماط الحياة الصحية، غالبًا ما تتعرض للتخريب في وقت وجيز، ما يقلّص من أثرها الإيجابي ويطرح تحديات متجددة أمام الجهات المشرفة.

في هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول الدوافع التي تقف وراء إقدام بعض الأفراد على تخريب هذه المعدات المُوجَّهة لخدمة المصلحة العامة، ويُثار نقاش حول ضرورة مقاربة الظاهرة من منظور سوسيولوجي يُمكِّن من فهم العوامل الاجتماعية الكامنة خلف هذا السلوك، في أفق بلورة حلول ناجعة تسهم في الحد منها وتعزيز ثقافة الحماية الجماعية للمرافق العمومية.

تخريب التنمية

سحيم محمد السحايمي، فاعل جمعوي، قال إن “ظاهرة تخريب الممتلكات العامة تستدعي نقاشًا مجتمعيًا شاملًا تشارك فيه الإدارات والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني، للوقوف عند جذور المشكل وبحث سبل الحد منه عبر حلول واقعية تُحدث تغييرًا فعليًا في العقليات والسلوك”.

وأوضح السحايمي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “أصابع الاتهام كثيرًا ما تُوجَّه نحو الأطفال والمراهقين، خاصة بعد تسجيل حالات تخريب لمرافق مباشرة بعد تدشينها، إلى جانب ما يُلاحظ من تكسير لعلامات التشوير ومرافق عامة مختلفة”.

وأكد المتحدث أن “المشكل لا يرتبط فقط بالفعل التخريبي، بل أيضًا بغياب دراسات أولية دقيقة للمشاريع؛ إذ يتم نقل نماذج ناجحة من أماكن معينة إلى مناطق أخرى دون مراعاة خصوصيات المستفيدين أو المحيط الاجتماعي، ما يجعل هذه المشاريع عرضة للتلف أو الرفض المجتمعي الصامت”.

وأضاف سحيم محمد السحايمي بأن “ضعف جودة المعدات المستعملة، خصوصًا في الفضاءات القريبة من البحر، يزيد من هشاشة هذه المشاريع، حيث لا تُراعى فيها مقاومة الصدأ أو الرطوبة، مما يُسهل تعرضها للتخريب في وقت وجيز بعد تركيبها”.

وختم الفاعل الجمعوي تصريحه بالتأكيد أن “غياب الأنشطة الموازية والتأطير التربوي والأخلاقي يخلق فراغًا لدى الأطفال والمراهقين، يُترجم أحيانًا في شكل سلوك تخريبي، مما يفرض التفكير في مشروع مجتمعي شامل يُعيد الاعتبار للتربية والفن والرياضة كمدخل رئيسي لبناء مواطن يحترم المرفق العمومي”.

الفرد والدولة

من منظور علم الاجتماع، قال زكرياء أكضيض، أستاذ علم الاجتماع، إن “واقعة تخريب فضاءات الترفيه هي واقعة لا يمكن أن نعتبرها معزولة، ومادامت متكررة فهي تعكس وضعا قائما يرسم صورة حول علاقة الفرد بالدولة”، موضحا أن “هذه العلاقة محكومة بتعاقد على تدبير الشؤون والممتلكات العامة من طرف الدولة، لكن هذه العلاقة عندما تصبح غير قائمة على العدالة على مستوى التوزيع، فإنها تخلق نوعا من الهشاشة لدى فئة من المجتمع”.

وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن “الفئة التي تشعر بالهشاشة أو التي تجد نفسها في وضع مهمش في علاقتها بالدولة مقارنة بفئات أخرى، فإن تهميشها من الممكن أن يتحول إلى عنف تجاه الممتلكات العمومية التي يعتبر المخرّبون أنها في ملك الدولة وليست في ملكهم؛ فعندما يقوم الفرد بتخريب مدرسة عمومية أو ملعب أو فضاء ترفيهي فهو يعتبر أن هذا الفضاء ليس في ملكه بل في ملك الدولة، وهو يسعى من خلال هذا التخريب لإبراز العلاقة المتوترة بينه وبين الدولة”.

وأفاد أستاذ علم الاجتماع بأن “هذه الواقعة قد تعتبر ‘ميكرو’ لكنها تعكس وضعا عاما وشموليا، أي وضعًا ‘ماكرو’ يعكس علاقة الفرد بالدولة”، مؤكدا أن “وضعية الهشاشة التي يعيشها بعض الأفراد تتحول إلى سلوكات لا مدنية من شأنها الإضرار بسير الحياة العامة، والتي يمكن رصدها في مستويات كثيرة، كتخريب وسائل النقل العمومية، أو سرقة التجهيزات المسخرة لخدمة المواطن، إلى غير ذلك من المظاهر التي تبرز العلاقة المتوترة بين الفرد والدولة”.

وختم زكرياء أكضيض توضيحه بالإشارة إلى أن “المخرّبين يعبّرون من خلال سلوكهم على أنهم غير معنيّين بالتعاقد الموجود بين الدولة وبين أفراد المجتمع، ربما لأنه لا يستوعب حاجياتهم”، مشددا في المقابل على أن “هذه الهشاشة عندما تصادف نوعا من التأطير المدني والسياسي من الممكن أن تتحول إلى مرافعات مدنية تتجه إلى تحسين وضعية هؤلاء وجعلهم أيضا يتحركون داخل تعاقد المجتمع”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق