تشير إحصائيات 2024 إلى أن جهة بني ملال–خنيفرة سجّلت أعلى معدل للفقر متعدد الأبعاد على الصعيد الوطني، بنسبة بلغت 9.8 في المائة خلال سنة 2024. هذه النسبة جعلتها تتصدرُ مؤشرات الهشاشة، متجاوزة جهات أخرى مثل درعة– تافيلالت (9 في المائة) والشرق (8.4 في المائة).
لكن المفارقة الأكثر وضوحا تتجلى داخل الجهة نفسها، حيث يتصدر إقليم أزيلال قائمة الأقاليم الأكثر فقرا وهشاشة على المستوى الوطني، بنسبة بلغت 17 في المائة؛ وهو رقم يعكس اختلالا عميقا في توزيع التنمية والموارد، ويفتح الباب على مصراعيه للتساؤل حول السياسات الجهوية القائمة.
في المقابل، تستفيد جهات كبرى مثل الدار البيضاء–سطات والرباط–سلا–القنيطرة من نسب فقر متدنية لا تتجاوز 2.4 في المائة و2.5 في المائة على التوالي؛ ما يُجسِّد بجلاء الهوة العميقة بين الجهات الساحلية ذات البنية التحتية المتطورة، والجهات الداخلية التي لا تزال تعاني من العزلة وضعف الاستثمار العمومي.
وعلى المستوى الداخلي للجهة، يظهر تفاوت صارخ بين الأقاليم. ففي حين لا يتجاوز معدل الفقر في إقليم خريبكة 5.7 في المائة، وفي بني ملال 7.2 في المائة، تسجل أقاليم مثل خنيفرة والفقيه بن صالح معدلات تتراوح بين 10 في المائة و12 في المائة؛ فيما يظل أزيلال في الصدارة، معزولا جغرافيا وتنمويا، في مواجهة فقر مركب تتداخل فيه عوامل الجغرافيا والاقتصاد والخدمات الأساسية.
ويواجه إقليم أزيلال عزلة خانقة، ناتجة عن ضعف الربط الطرقي وصعوبة الوصول إلى المرافق العمومية، خاصة في المناطق الجبلية الوعرة. هذه العوامل تؤثر مباشرة على واقع الساكنة، من خلال ارتفاع معدلات الهدر المدرسي، وتدهور جودة الخدمات الصحية، وغياب فرص الشغل؛ وهو ما يوسع رقعة الفقر متعدد الأبعاد الذي لا يُقاس فقط بالدخل، بل بمستويات المعيشة والولوج إلى الحقوق الأساسية.
في المجال الصحي، يُظهر الواقع خصاصا كبيرا في الأطر والتجهيزات، إذ يُعالج الطبيب الواحد في بعض المناطق أكثر من 5 آلاف نسمة، في ظل وجود مراكز صحية غير مجهزة بما يكفي.
وتشير المعطيات إلى أن أقل من 30 في المائة من هذه المراكز تتوفر على تجهيزات حديثة؛ ما يُصعّب من الاستجابة السريعة للحالات الطارئة، لا سيما في القرى النائية.
أما على مستوى التعليم، فتُسجَّل نسب مقلقة من الانقطاع المدرسي، خصوصا في صفوف الفتيات القرويات. ويقل معدل حاملي الشهادات العليا عن 20 في المائة، في ظل غياب مؤسسات جامعية وفضاءات للتكوين. وضعٌ يُقابله واقع أفضل نسبيا في أقاليم مثل بني ملال وخريبكة، التي تحتضن مؤسسات جامعية وتستفيد من شبكة نقل ومراكز تكوين تُسهل ولوج الشباب لسوق الشغل.
وتبلغ نسبة البطالة في أزيلال حوالي 15 في المائة، متجاوزة المعدل الجهوي، في ظل غياب مشاريع اقتصادية مهيكلة قادرة على امتصاص بطالة الشباب. وعلى عكس خريبكة التي تستفيد من نشاط منجمي قوي، تفتقر أزيلال إلى أنشطة مدرة للدخل؛ ما يُكرّس اتكال المنطقة على أنشطة تقليدية، ويجعل فئات واسعة من السكان عرضة للتقلبات المناخية والموسمية.
في هذا السياق، تشير بعض المصادر إلى أن حصة إقليم أزيلال من ميزانية جهة بني ملال–خنيفرة قد تكون منخفضة، وربما لا تتجاوز 2 في المائة فقط؛ مما يثير تساؤلات حول عدالة توزيع الموارد، خاصة في ظل ارتفاع مؤشرات الهشاشة في الإقليم.
عمر أوزياد، فاعل محلي، اعتبر أن “التفاوت التنموي داخل الجهة بات صارخا بين أقاليم تنعم ببعض مظاهر التقدم، وأخرى تعاني تأخرا هيكليا، مثل أزيلال وخنيفرة”.
وأكد أوزياد، في تصريح لجريدة هسبريس، على “ضرورة تبني مبدأ التمييز الإيجابي لصالح الأقاليم الهشة؛ بما يضمن توزيعا عادلا للفرص التنموية، ويُخرج هذه المناطق من دائرة النسيان”.
وأضاف الفاعل المحلي سالف الذكر أن التنمية لا يمكن أن تختزل في تشييد البنيات؛ بل يجب أن تُواكب بسياسات تعليمية وصحية وتشغيلية عادلة، تراعي الخصوصيات المجالية والاجتماعية، وتفتح أفقا جديدا لشباب الجبال وساكنة الهوامش.
0 تعليق