حين كنت مدرسا، كانت إدارة الثانوية تزودنا ببعض المعلومات عن التلاميذ قبل الشروع في السنة الدراسية، مثل أولئك الذين يعانون من أمراض تستدعي تسهيل خروجهم عند الحاجة أو التلاميذ الذين يعانون من مشاكل نفسية، يجب أخذها بعين الاعتبار أو التلاميذ ذوي السوابق في العنف أو حالات أخرى.
وحدث أن أنبأني أحد الحراس العامين بخطورة تلميذ يدرس عندي في قسم الباكالوريا علوم، فقال محذرا:
– حضي راسك آوستاذ من هاداك التلميذ راه دايماً هاز معاه المضا، وراه تعدى على تلميذ آخر مللي كان فالكوليج.
والحقيقة أني تعرفت في مساري المهني على الكثير من العنف “التلاميذي” لكن لم يحدث أن دخل السلاح الأبيض إلى القسم بشكل رسمي.
أمضيت السنة وأنا في أقصى حالات الحذر والانتباه، واتضح أن التلميذ وديع مؤدب غير مشاغب طيّع، غير أنه لا يقبل الظلم. وفي آخر السنة لم يظفر بالشهادة فانقطع عن الدراسة بشكل تطوعي وانتهت مأساة السلاح الأبيض في القسم.
نحمد الله في المغرب على منع امتلاك السلاح الناري، وتشديد العقوبة على المخالفين بشكل قاطع لم يترك حلا للأغنياء كما للفقراء، للأقوياء ولمن ليس له إلا الله. وإلا فإن القتل سيكون واسعا يوميا لا علاقة له بالعقلانية، كالقتل من أجل خلاف في استعمال الطريق أو حادث طلاق أو نقطة سلبية في القسم أو غير ذلك من التفاهات التي لا تستحق حتى العراك بالأيادي.
هناك رخصة قانونية في المغرب لحمل سلاح الصيد، من أجل ممارسة هواية مقننة لا يخرج فيها الرصاص من البنادق سوى في الغابات والمجال الطبيعي، وإن كانت تسجل حوادث قتل بسلاح الصيد لغايات غير رياضية. لكن في جميع الأحوال يقِلّ القتل العمد بهذا السلاح حتى العدم في بعض السنوات.
القتل والجرح بالسلاح الأبيض ليس جديدا علينا في بلادنا، تعودنا عليه في الكثير من أخبار الجرائم في التاريخ القديم والحديث، وكان المجرمون يخفون سلاحهم إلى غاية الحاجة إليه، لكن السلاح الأبيض عمدا وعلنا، والتهديد به أو الاعتداء على الغير بشكل استعراضي لم نألفه أبدا. وبلغ الأمر بالمجرمين حد الاعتداء على رجال السلطة، الذين يضطرون إلى استعمال سلاحهم الوظيفي لإنقاذ حياتهم وحياة الناس. قد يقول قائل إنهم يفعلون ذلك تحت تأثير مخدر أو حبات مهلوسة أو ما شابه ذلك، لكن الأصح أن نقول إن ذلك من دواعي تشديد العقوبة على الجاني، كما نفعل مع السائق السكران المرتكب لحادثة سير.
مَنِ المسموح له باستعراض السكين أو السيف أو الساطور؟ الجزار وحده، وفي يوم عيد الأضحى، حيث تكثر أعناق الأكباش ويقل فنانو الذبح، أما عدا ذلك فإن تطبيق الفصل 507 واجب للردع أكثر من العقاب. فما الحجة التي سيقدمها حامل السلاح الأبيض خارج الظرف المذكور؟ الدفاع ضد خطر متوقع؟ القانون يمنعك من ذلك، لأن الدفاع عن النفس لا يتم بالسلاح الأبيض بسبب الشطط المحتمل في استعماله. ماذا يبقى من مبرر؟
نعم يجب تجريم حمل السلاح الأبيض حتى ولو لم يتم استعماله، لا للدفاع عن النفس ولا للاعتداء عل الغير. مع تشديد العقوبة على المستعرضين للسيوف والسواطير في الشوارع والأزقة، حتى يكون هناك ردع نهائي للمتسببين في الفتنة والفوضى والخوف والرعب. أما المدافعون عن الجريمة فهم أولياء بلا ضمير، أهملوا تربية أبنائهم لينصروا فلذات أكباده قاتلين أو مقتولين.
0 تعليق