عادل إمام.. رجل صالحَ بين الدمع والضحك

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

آراء حرة

الإثنين 26/مايو/2025 - 03:57 م

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

   في وجدان الذاكرة العربية، هناك ضحكة لا تموت. ضحكة تخرج من فم رجلٍ بدا دومًا وكأنه يسخر من خراب العالم كي يبقيه واقفًا، حتى لو على قدمٍ واحدة. عادل إمام، هذا الاسم الذي لم يعد مجرد نجمٍ سينمائي، بل أصبح جزءًا من الجينات الثقافية لشعوبٍ بأكملها، ظلّ يعيد تمثيلنا في مرايا الفن، يحمل قلقنا على كتفيه ويخفي خيبتنا خلف سخرية لاذعة، لا تُخفي الألم بل تُجمّله.
ولد في مصر، لكنه خرج من رحم أرحب، ووجدان أوسع. لم يكن المراهق الضاحك في مدرسة المشاغبين مجرد طالب مشاكس، بل كان تجسيدًا لجيلٍ يحاول أن يفهم سُلطته المُربكة، وجيله الذي يختبر الحرية بخفة مراهق لم يتعلم بعد أن الطيران يحتاج أكثر من جناحين: يحتاج سماحًا من الأرض.
وحين كبر، لم يكبر وحده. كبر معه الشارع، كبرت معه الأزمات، وكبرت معه حدة الأسئلة. حين وقف في الإرهاب والكباب، في طابورٍ لا ينتهي، لم يكن يطلب رغيفا فحسب، بل كان يصرخ، بلغته الساخرة: "أنا جائع للكرامة". وحين واجه الإرهاب في الإرهابي، لم يكن يقدّم فيلمًا، بل شهادة عن معركة لا تُحسم بالرصاص، بل بالوعي.
عادل إمام لم يكن ممثلًا يؤدي دورًا، بل كان رجلًا يُجري صُلحًا بين الضحك والدمع. في ملامحه كانت الطمأنينة المضلّلة، كأنك تقول في داخلك: "طالما هذا الرجل لا يزال يضحك، فالعالم لم يسقط بعد." كان صوت الضمير حين يصير الضمير ساخرًا من نفسه، وكان وجه الشعب حين تتعب الشعوب من الجدّ.
في المسرح، وقف وكأن الخشبة قد خُلقت لأجله. في السينما، كان ابن الشاشة وأباها. في التلفزيون، عاد في آخر العمر ليقول: "أنا لم أذهب أصلًا"، فظلّ حضوره يملأ البيوت كما كانت تملأه قهقهات الآباء والأمهات حين كانوا أطفالًا أمامه.
لكن ما الذي يجعل من عادل إمام أكثر من نجم؟ لعلها تلك الرقة المستترة تحت قشرته الساخرة. ذلك الحزن النبيل الذي يلمع فجأة في عينيه حين يسكت. ذلك الخوف من أن يخذل الناس، فيستمرّ في التمثيل كمن يحمل قدَره لا دوره. أو لعلّه فقط ذلك الإيمان الغامض بالفن كأداة للنجاة، لا من العبوس، بل من العالم.
عادل إمام هو التجسيد العفوي لمقولة: "نضحك كي لا نبكي"، لكنه حين يضحك، لا يتركك تضحك وحدك، بل يجرّك إلى مرآته، لتضحك على نفسك، على أيامك، على كل ما هو محزنٌ في الحياة ولو لم يكن مضحكًا.
هو ليس زعيمًا كما أحبّ الناس أن ينادوه فحسب. بل هو، في العمق، عاشق خجول لبلاده. رجلٌ ظلّ يمثلها، كي لا تفقد ملامحها، ويضحك عنها، كي لا تصير عبوسة مثل مآسيها. رجلٌ ظلّ حاضرًا، لا لأنه رفض الرحيل، بل لأن الذاكرة العربية لا تعرف كيف تنسى من وهبها مرآة، وصبرًا، وضحكة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق