بالناس المسرة.. الكنيسة تحتفل بعيد الصعود المجيد: عندما ارتفعت الأرض إلى السماء

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في تصريحات لـ"البوابة نيوز": القس صموئيل جمال: عيد الصعود يُعلن تمجيد المسيح ويُمهّد لحلول الروح القدس.

القس رفعت فكري: صعود المسيح حدث كتابي لا اجتهاد فيه، والروح القدس هو حضور الله الحي في الكنيسة.

أبونا كرياكوس: الصعود هو ارتقاء من الأرض إلى السماء بالتوبة والخدمة.

في ختام أربعين يومًا من الفرح الروحي الذي يعيشه المؤمنون بعد قيامة السيد المسيح من بين الأموات، تأتي الكنيسة لتحتفل بواحد من أعمق الأعياد المسيحية معنى وأغناها روحًا: عيد الصعود المجيد.

إنه العيد الذي تُرفع فيه العيون والقلوب معًا نحو السماء، ليس فقط لإحياء ذكرى صعود المسيح بالجسد، بل لتأكيد الرجاء الثابت في أن “حيث يكون الرأس، هناك يكون الجسد أيضًا”.

هذا العيد، الذي يسبق عيد العنصرة بعشرة أيام، لا يعد مجرد حدث تاريخي مضى، بل هو إعلان لمرحلة جديدة في العلاقة بين السماء والأرض، وبين الله والإنسان، فيه يعلن تمام عمل الفداء، حين صعد المسيح إلى السماوات، وجلس عن يمين الآب، كما تعلن الليتورجيا الكنسية وكما نردد في قانون الإيمان يوميًا.

ورغم أن مشهد الصعود يبدو في الظاهر وكأنه لحظة وداع، إلا أن الكنيسة تراه لحظة امتلاء، فيها يكتمل الظهور الإلهي وفقًا للعقيدة المسيحية، وتبدأ مرحلة حضور المسيح بطريقة جديدة، غير مرئية، من خلال الروح القدس العامل في الكنيسة والمؤمنين.

ما بين الكلمات القليلة التي وردت في الإنجيل، وبين التأملات الغنية التي نسجها آباء الكنيسة، يظل عيد الصعود محطة روحية تستحق الوقوف عندها.

فهو لا يخص الرهبان وحدهم، ولا اللاهوتيين فقط، بل يمسّ كل إنسان يفتّش عن معنى الحياة، ويدرك أن الغاية ليست هنا، بل هناك، حيث ارتفع المسيح ممجدًا، ودعانا أن نتبعه.

في هذا التقرير، نسلّط الضوء على الحدث، ورمزيته، ومكانته في الطقس والعقيدة، بالإضافة إلى رؤى كنسية وروحية حول كيف نعيش عيد الصعود اليوم، لا كمجرد ذكرى، بل كحقيقة نؤمن بها وننتظر اكتمالها.


ما الذي حدث في يوم الصعود؟


تتحدث النصوص الكتابية، في إنجيل لوقا وسفر أعمال الرسل، عن لحظة مهيبة صعد فيها المسيح إلى السماء وهو يبارك تلاميذه، وبينما كانوا ينظرون، ارتفع عنهم وأخذته سحابة عن أعينهم.


هذا المشهد، الذي يبدو وكأنه وداع، تحوّل في الإيمان المسيحي إلى وعد وطمأنينة، إذ قال الملاكان للتلاميذ: «إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء».


أربعون يومًا من الظهورات والاستعداد


تمتد الفترة من عيد القيامة إلى عيد الصعود لأربعين يومًا، ظهر فيها السيد المسيح لتلاميذه أكثر من مرة، ليؤكد لهم حقيقة قيامته، ويهيئهم للمرحلة المقبلة من الرسالة.

ويحمل الرقم أربعين دلالة رمزية في الكتاب المقدس، فهو مرتبط دائمًا بفترات الاستعداد والامتحان، مثل صوم المسيح في البرية، أو سير شعب إسرائيل في البرية أربعين سنة.

طقوس العيد وألحانه
يُصلى في هذا العيد بالطقس الفرح، وتُرتل فيه ألحان القيامة، إذ يستمر الاحتفال بفترة “الخماسين المقدسة” (خمسين يومًا من القيامة وحتى العنصرة)، ولا يُصام فيه، ولا تُقام مطانيات.
كما تُزين الكنائس بأيقونات تمثل مشهد الصعود، حيث يرتفع المسيح محاطًا بالسحب والتلاميذ يراقبونه بإيمان وخشوع.


معنى الصعود في حياتنا المعاصرة

عيد الصعود ليس فقط ذكرى لحدث تاريخي، بل هو رسالة روحية تعلّمنا أن المسيح لم يتركنا وحيدين، بل صعد ليجلس عن يمين الآب، ويمدّنا بقوته الروحية من خلال الروح القدس.


هو دعوة لأن نرفع قلوبنا وأفكارنا إلى السماء، ونتذكّر أن حياتنا الحقيقية ليست في الأرض، بل في الموطن الأبدي الذي أعدّه لنا.

لماذا أربعون يومًا تحديدًا؟


يرى الكتاب المقدس في الرقم أربعين عددًا ذا معنى رمزي عميق، فهو يدل على فترة اختبار، تهيئة، وتجهيز، المسيح صام أربعين يومًا في البرية، وشعب إسرائيل قضى أربعين سنة في الصحراء.


وخلال الأربعين يومًا بعد القيامة، ظهر المسيح لتلاميذه عدة مرات، ليطمئنهم ويقوّي إيمانهم قبل أن يصعد إلى السماء.


الفترة بين الصعود والعنصرة: عشرة أيام من الترقب


بعد الصعود يبدأ المؤمنون فترة انتظار مدتها عشرة أيام، تمهيدًا لعيد العنصرة، حيث يحل الروح القدس على الكنيسة.
هذه الأيام تمثل فترة صلاة وترقّب للنعمة الجديدة التي تأتي مع حلول الروح القدس، والتي تمكّن الكنيسة من أداء رسالتها في العالم.


قال القس صموئيل جمال، كاهن كنيسة السيدة العذراء والثلاث مقارات بنزلة عبيد، في تصريحات خاصة لـ”البوابة نيوز”، إن عيد صعود السيد المسيح يحمل أبعادًا لاهوتية وروحية عميقة، لا تقتصر على انتقال المسيح بالجسد إلى السماء، بل تعلن بدء مرحلة جديدة في علاقة الله بالإنسان.

وأوضح أن صعود المسيح سبق حلول الروح القدس ليتمجّد أولًا، ويتحوّل حضوره من خارجي “معنا” إلى داخلي “فينا”، من خلال الروح القدس الذي حلّ على الكنيسة في يوم الخمسين.

وأضاف أن المسيح، قبل صعوده، أوصى تلاميذه بالتبشير لجميع الأمم، ووعد أن يكون معهم إلى انقضاء الدهر، لافتًا إلى أن الصعود مهّد لبدء عمل الكنيسة المستمر، بقيادة الروح القدس عبر العصور.

وأشار القس صموئيل إلى أن الصعود يتضمن أيضًا إعلانًا واضحًا عن المجيء الثاني، إذ أكدت الملائكة أن المسيح سيعود كما صعد، وهو ما يُشكّل أساس رجاء الكنيسة وانتظارها الدائم.

وحول الطقس الكنسي للعيد، أوضح أن الكنيسة تُصلي صلوات الساعة الثالثة والسادسة، ويُقدَّم الحمل، كما يُقال مرد خاص بالإبركسيس حتى عيد العنصرة، مشيرًا إلى أن قراءات العيد تُبرز معاني التبنّي والمجد الذي يناله المؤمنون كأبناء لله.


قال القس رفعت فكري، الأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط ورئيس لجنة الحوار بالكنيسة الإنجيلية، في تصريحات خاصة لـ”البوابة نيوز”، إن الكنيسة تحتفل بعيد صعود السيد المسيح إلى السماء بعد أربعين يومًا من قيامته، وهو أمر مؤسس على نصوص الكتاب المقدس، وليس مجرد تقليد أو اجتهاد كنسي.

وأوضح أن الكتاب المقدس، في إنجيل لوقا (24: 50-53) وسفر أعمال الرسل (1: 3-11)، يذكر بوضوح أن المسيح، بعد قيامته، ظل يظهر لتلاميذه على مدى أربعين يومًا، يتحدث إليهم عن الأمور المختصة بملكوت الله، ويوجههم، ويعدهم بمجيء الروح القدس، ثم صعد إلى السماء أمامهم، وهم ينظرون.

وأشار إلى أن الرقم أربعين له دلالة متكررة ومهمة في الكتاب المقدس، قائلًا: “نجد هذا الرقم في محطات فاصلة، فمثلًا السيد المسيح نفسه صام أربعين يومًا قبل أن يبدأ خدمته العلنية، ويقول الكتاب: (ولما صام أربعين يومًا وأربعين ليلة جاع أخيرًا)، ما يشير إلى فترة إعداد واكتمال واستعلان”.

وأكد القس رفعت أن المسيح، قبل صعوده، وعد تلاميذه قائلًا: “أنتم ستحصلون على قوة متى حلّ الروح القدس عليكم”، وهو ما تحقق يوم الخمسين، حين حلّ الروح القدس بقوة على التلاميذ، وبدأت الكنيسة رسالتها العلنية بالكرازة والشهادة للمسيح، مضيفًا: “نرى بطرس، في أول وعظة له بعد حلول الروح القدس، يربح ثلاثة آلاف نفس في يوم واحد، بحسب ما ورد في سفر الأعمال”.

وأضاف أن الإيمان المسيحي يؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم، الآب والابن والروح القدس، والروح القدس هو حضور الله الحي، الذي يسكن في الكنيسة وفي قلب كل مؤمن حقيقي، قائلًا: “نحن لا نعبد إلها بعيدًا، بل نؤمن بحضور الله فينا، وهذا ما يمنح الإيمان المسيحي بعده الحي والمُحيي”.

وتابع: “الروح القدس هو الذي يقود الكنيسة، وهو الذي يعطي الكرازة قوتها، ويمنح المؤمنين التعزية، والإرشاد، والشهادة. هو المعلم الداخلي الذي يعمل فينا ويُثمر حياة جديدة في كل من يفتح قلبه للمسيح”.

واختتم القس رفعت حديثه بالتأكيد على أن عيد الصعود لا يعني غياب المسيح، بل يُعلن انتقال حضوره من الزمان والمكان المحدود إلى الوجود الروحي غير المحدود، حيث يكون حاضرًا دائمًا في كنيسته، وفي كل من يؤمن به.

 

قال القس كرياكوس، كاهن كنيسة العذراء ومارمرقس بفيصل، في تصريح خاص لـ”البوابة نيوز”، إن الصعود يعني أن يرتفع الإنسان من مكان إلى مكان أفضل وأعلى، كما جاء في الكتاب المقدس: “رُفِع في المجد” (1تي 3:16).

وأوضح أن المعنى الروحي للصعود لا يقتصر فقط على الحادثة التاريخية، بل يمتد لحياة كل إنسان يتعب ويتقبل الآلام بفرح، ويعيش في شكر دائم، ويثابر في الصلاة والتسبيح والصوم، ويخدم الآخرين، ويعطي، ويتوب، ويحتمل، ويغفر… فبذلك يصعد من المستوى الأرضي المادي إلى المستوى الروحي السماوي، أي “انطلاق الروح”.

وأشار إلى أنه يمكن لكل إنسان أن يعيش عيد الصعود من خلال صعود قلبه وفكره نحو السماء، مؤكدًا أن النظر إلى المسيح الصاعد يجعل حياة المؤمن صعودًا مستمرًا، وأن التوبة اليومية تصعد الإنسان من الأعماق إلى السماء.

واختتم قائلًا إن الصعود يدعونا لترك كل ما هو أرضي وزمني، لنتمسك بما هو سماوي وأبدي


دعوة للرجاء والثقة


عيد الصعود هو دعوة مستمرة لنا جميعًا أن نعيش على أمل الرجوع إلى السماء، وأن نرفع قلوبنا فوق كل ما يشغلنا على الأرض.
إنه تذكير بأن الحياة ليست محصورة في الدنيا، بل هناك وعد بحياة أبدية مع المسيح الذي صعد ليعد لنا مكانًا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق