في ظل أزمة تغير المناخ وما تفرضه من تحديات متزايدة على الأنظمة البيئية والزراعية، تبرز زراعة الأنسجة النباتية بمثابة إحدى الآليات الذكية والمستدامة للتأقلم مع تلك التغيرات.
وتُعدّ هذه التقنية الحديثة أداة فاعلة لتقليل استهلاك المياه والطاقة، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والإسهام في تحقيق الأمن الغذائي، خاصة في دولة مثل مصر التي تواجه ضغوطًا بيئية واقتصادية متصاعدة.
في هذا السياق، أكدت دراسة أجرتها الباحثة بمركز البحوث الزراعية وعضو الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة، الدكتورة مها الأبحر، أن زراعة الأنسجة النباتية تمثّل مشروعًا أخضر ذكيًا وتنمويًا يتماشى مع رؤية مصر 2030، ويسهم بشكل كبير في التغلب على تحديات التنمية الزراعية المستدامة.
وتبرز أهمية هذه التقنية -وفقًا للدراسة التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- في مواجهة المشكلات الناتجة عن تغير المناخ، مثل نقص الإنتاج الزراعي، وتدهور التنوع البيولوجي، وانتشار الأمراض، وتدهور الموارد الطبيعية.
وتسمح تقنية زراعة الأنسجة النباتية بإنتاج محاصيل مقاومة للجفاف والملوحة والحرارة والأمراض، دون الاعتماد الكامل على الظروف المناخية الموسمية.
تقنية زراعة الأنسجة النباتية
تعتمد زراعة الأنسجة أو الخلايا أو الأعضاء النباتية على أخذ جزء نباتي صغير معقّم وزراعته في بيئة صناعية معقّمة داخل أوعية زجاجية (In Vitro)، حيث تتوافر ظروف دقيقة من الضوء والرطوبة ودرجة الحرارة، ما يؤدي إلى إنتاج نباتات قوية، خالية من الأمراض، ومطابقة تمامًا للنبات الأم.
وتُعدّ هذه التقنية من أسرع وأسهل طرق الإكثار، إذ يمكن إنتاج أعداد كبيرة من النباتات في وقت وجيز وبمساحات صغيرة، مع زيادة إنتاجية تتراوح بين 20 و40% مقارنة بالطرق التقليدية، وهو ما طُبِّق بنجاح في نباتات مثل البطاطس والموز والأوركيد.

وأكدت الدراسة أن زراعة الأنسجة النباتية لا تسهم فقط في توفير كميات المياه، بل تعمل -أيضًا- على الاستغلال الأمثل لوحدة المياه، بما يتماشى مع برنامج ترشيد المياه 2050.
كما تسهم هذه التقنية في تخفيض استعمال المبيدات والأسمدة؛ ما يقلل من الأضرار البيئية والتراكمية على التربة والمياه الجوفية والتنوع البيولوجي.
إستراتيجية إنتاج ذكية
أشارت الدراسة إلى أن أبرز مميزات زراعة الأنسجة النباتية تتمثل في القدرة على التحكم في توقيت الإنتاج وكمّيته، حيث يمكن الحصاد كل أسبوعين تقريبًا، وفقًا لاحتياجات السوق، دون انتظار موسم معين.
وتُبنى هذه الإستراتيجية على اختيار سلالات غنية بالمركبات الطبيعية، وتحسينها وراثيًا، وتوفير بيئات زراعية دقيقة تحفّز الإنتاج المستهدف.
كما أوضحت الدراسة أن تقنية زراعة الأنسجة النباتية تتّسق مع مفاهيم "الزراعة الذكية مناخيًا" التي حددتها تقارير البنك الدولي، والتي تهدف إلى تحقيق 3 أهداف رئيسة:
وتدعو هذه الرؤية إلى تحسين إدارة الموارد المائية، وتطوير أصناف محاصيل قصيرة الموسم وقليلة الاستهلاك المائي، وتغيير المحاصيل المسرفة بالماء إلى محاصيل بديلة أكثر كفاءة.
كما أظهرت دراسات المحاكاة المستقبلية لتغير المناخ في مصر انخفاضًا متوقعًا في إنتاج المحاصيل الرئيسة وزيادة في استهلاكها المائي؛ ما يدفع نحو تسريع تبنّي تقنيات جديدة، مثل زراعة الأنسجة.
وفي ظل استمرار التغيرات المناخية، أكدت الدراسة أن هذه التقنية ستكون بمثابة ركيزة أساسية للتكيف مع المستقبل وضمان الأمن الغذائي والبيئي في آن واحد.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق