نوري: خريجو الجامعات الإسبانية رافعة للعلاقات بين مدريد والرباط

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال الدكتور محمد نوري، رئيس جمعية خريجي الجامعات والمعاهد العليا الإسبانية، إن العلاقات المغربية الإسبانية تشهد دينامية إيجابية بفعل وجود جوانب مشرقة، مشيرا إلى وجود “مناطق عتمة” تتجلى في الصور النمطية السلبية عن المغرب والمغاربة في بعض الأوساط الإسبانية ومحدودية الحضور الإعلامي المغربي باللغة الإسبانية.

وشدد الباحث في معهد السلم والنزاعات بجامعة غرناطة عضو الشبكة الإيبرو-أمريكية للدراسات حول السلم-إدارة النزاعات والتنمية، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، على أن الإطار الجمعوي الجديد يسعى للاضطلاع بأدوار حيوية في مجال الدبلوماسية الموازية من أجل بناء جسور متينة ومستدامة بين الضفتين.

نص الحوار:

أسستم مؤخرا “جمعية الخريجين المغاربة من إسبانيا”، التي تضم مئات الأعضاء من المغرب وإسبانيا وبعض دول أمريكا اللاتينية، هل يمكنكم أن تطلعونا على خلفيات وأهداف تأسيس هذه الجمعية، وما الذي يميزها؟

أولا، أشكر جريدة هسبريس الغراء على هذا الاهتمام وهذه الحفاوة بهذا المولود الجديد الذي نأمل أن يشكل قيمة مضافة للعلاقات المغربية الإسبانية. بالنسبة لسؤالكم، تأسيس هذه الجمعية يعتبر تتويجا لمسار طويل من المشاورات مع المئات من الخريجين من مختلف الجامعات الإسبانية بتعدد تخصصاتهم، منهم من عاد إلى المغرب واستقر فيه، ومنهم من فضل الإقامة في إسبانيا وبعض دول أمريكا الجنوبية.

الحقيقة أننا كنا نعيش منذ عقود طويلة مفارقة حقيقية؛ ففي الوقت الذي يوجد الآلاف من الخريجات والخريجين المغاربة من الجامعات والمعاهد العليا ومراكز التكوين الإسبانية، تغيب بنية تجمعهم باختلاف تخصصاتهم وتوظف معارفهم وتجاربهم الخصبة وعلاقاتهم الثرية لخدمة هذه العلاقات.

اليوم، بفضل تأسيس هذه الجمعية، والحمد لله، أصبح بإمكاننا، كجزء من المجتمع المدني، أن نشتغل في مجال الدبلوماسية الموازية التي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس يركز على أهميتها في المرافعة عن القضايا الأساسية لبلدنا، مصالحه العليا وثوابته، ونعتقد أن الجمعية بفعل توفرها على موارد بشرية عالية التأهيل في مختلف التخصصات، بفضل قوتها العددية وثراء وجودة علاقات عضواتها وأعضائها، داخل المغرب وفي البلدان المذكورة، مؤهلة للاضطلاع بهذا الدور على أمثل وجه.

كيف تقيمون السياق الذي جاء فيه تأسيس الجمعية اليوم؟ وهل ترونه يتماشى مع الدينامية التي تعرفها العلاقات المغربية الإسبانية من حيث التعاون والتبادل في مختلف المجالات أم إن لديكم قراءة مغايرة لهذا السياق؟

يمكن القول إن السياق الذي تأسست فيه الجمعية هو سياق جيد عموما؛ سياق يتميز بمناطق ضوء عديدة بفضل إصرار مسؤولي البلدين على تمتين هذه العلاقات، وهو توجه لا بد أن نحتفي به ونثمنه ونساهم في تمتينه وتطويره. لكن وجب الإقرار أيضا بأن ثمة مناطق عتمة يتعين علينا أن نساهم في إضاءتها، ترتيب مداركها وتهذيب مسالكها كي تمر هذه العلاقات من طابع الظرفية (Le conjoncturel) إلى طابع الاستدامة.

كما تعلمون، الجغرافيا تصنع وتُكيف جزء مهما من سياسة كل دولة، والقرب الجغرافي الكبير بين البلدين حتَّم منذ عهود سحيقة نسج تبادلات إنسانية وسوسيو-اقتصادية أفرزت تماهيا كبيرا بين الشعبين يمكن تلمسه في مقولة بينيطو بيريث كالضوس: “أو ليس المغربي إسبانيا مُحمَّديا (مسلما)، وكم من إسباني هو مغربي يحمل قناعا مسيحيا؟”.

هذه الحركية المستمرة والغنية في الاتجاهين تجد صداها في مِروحة واسعة من التجليات اللغوية والثقافية والاقتصادية والبشرية بصفة عامة: هناك أكثر من 4000 كلمة ذات أصل عربي وأمازيغي في القاموس الإسباني، ومثلها وزيادة في اللهجة المغربية بصفة عامة وشمال المغرب بصفة خاصة، المغاربة اليوم هم أكبر جالية في إسبانيا بعدد يفوق المليون شخصا، وإسبانيا هي الشريك الاقتصادي الأول للمغرب.

طيب، ما هي في رأيكم الجوانب المشرقة في هذه العلاقات؟

بالنسبة للجوانب المشرقة، ليس ثمة أدنى شك في أن العقود الأخيرة عرفت، بغض النظر عن التوجه السياسي للحكومة الإسبانية، إصرارا على تشبيك المصالح والتعاون في كل المجالات، الاقتصادية منها والعلمية والثقافية، وفي الهجرة والقضاء والأمن والمراقبة المالية، إلخ.

هذه الدينامية الإيجابية عرفت قفزة نوعية (disruptive) بعد التصريح المشترك ليوم 7 أبريل 2022 والتصريح الذي تلاه بتاريخ 2 فبراير2023، اللذين يعتبران المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء مبادرة جادة، واقعية وذات مصداقية من أجل حل هذا النزاع.

اليوم، كما قلنا قبل قليل، أضحت إسبانيا الشريك الاقتصادي الأول للمغرب بحجم مبادلات فاق 24 مليار يورو سنة 2024. اليوم، هناك 20 ألف شركة إسبانية تعمل بشكل مباشر مع المغرب وأكثر من 1000 منها موجودة في المملكة الشريفة، كما أن المغرب هو البلد الذي يستقبل أكبر نسبة من الاستثمارات الإسبانية في القارة الإفريقية، والاستثمارات المغربية في إسبانيا تعرف نموا مضطردا في السنوات الأخيرة.

أيضا، يمكن اعتبار ارتفاع نسبة تدفق السياح في الاتجاهين (3 ملايين ونصف مليون سائح إسباني زاروا المغرب ومليون سائح مغربي زاروا إسبانيا سنة 2024) بمثابة مؤشر آخر على جو الثقة والسكينة بين البلدين بفضل إصرار المسؤولين فيهما على أن تكتسي هذه العلاقات طابعا استراتيجيا.

أكيد أن التنظيم المشترك (بمعية البرتغال) لمونديال 2030 سيزيد من وتيرة هذه الدينامية والتعاون وتدفق السلع والناس والأفكار بين الضفتين.

أشرتم في حديثكم إلى وجود “مناطق عتمة” تؤثر على واقع العلاقات أو على عمل الجمعية. هل يمكنكم توضيح ما المقصود بها تحديدا من وجهة نظركم؟ وأين تتمثل أبرز هذه الإشكالات أو التحديات؟

بالفعل، بالرغم من الجوانب المشرقة التي تحدثنا عنها، ثمة العديد من مناطق العتمة والمعيقات والفخاخ التي وجب العمل جميعا، مغاربة وإسبان، على إضاءتها، تجاوزها ونزع فتائلها، أهمها:

استمرار رؤية معينة للمغرب والمغاربة لدى جزء مهم من الشعب الإسباني؛ رؤية تبسيطية وغير مفيدة بالنسبة لإسبانيا أساسا، أحيانا عن جهل وأحيانا أخرى لأسباب مغرضة، تسوقها طبقة سياسية معينة وعدد من وسائل الإعلام من أجل أغراض انتخابوية صرفة. هذا الخطاب المنحرف، الذي ينطلق من بعض الحالات المتفرقة المرتبطة ببعض السِّلك الرَّعناء لبعض المهاجرين المغاربة، يقدم الجالية المغربية في إسبانيا كأناس صداميين، لا يهمم سوى الاستفادة من الإعانات التي تقدمها الحكومة الإسبانية، الاشتراكية منها على وجه الخصوص، دون بذل أي مجهود للاندماج في إسبانيا واحترام قيمها المسيحية.

إلى هذا الخطاب تنضاف سردية أخرى تنهل من الماضي، من شفرة الأموات، تقدم المغرب كبلد متأخر، جامد وخطير على إسبانيا، معرضة عن الحديث عن حيويته الجيو-سياية، شبابه المبادر، وعزمه على التحديث وتجويد حياة مواطنيه.

مع الأسف، وجب الإقرار بأن هاتين السرديتين تجدان صدى لهما في وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت اليوم تصنع رؤية عدد كبير من الناس.

ليس ثمة شك أن المغرب، كأي بلد في طريق النمو، بل حتى في بعض الدول المتقدمة، يواجه مشاكل وتحديات على المستوى الاجتماعي بشكل خاص، هذا شيء، وشيء آخر هو أن نجعل منه موضوع “Catharsis sociopolitique” و”Variable d’ajustement”.

مثل هذا التصور يغفل أو يتغافل ثلاث حقائق أساسية: (الأولى) أن من مصلحة إسبانيا أن يكون لها جار مستقر سياسيا ومتطور اقتصاديا، (الثانية) الأهمية الاستراتيجية للتعاون والتفاهم بين البلدين، (الثالثة) الدور الكبير الذي تقوم به الجالية المغربية في إسبانيا على مستوى الاقتصاد ونظام الضمان الاجتماعي باعتبارها أول جالية أجنبية تسهم في هذا النظام حسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة.

في الجهة المقابلة، يمكن القول بأن محدودية الحضور الإعلامي باللغة الإسبانية في المغرب يحد من التعريف بالدور الكبير على مستوى الاقتصاد والاستثمار والثقافة والتعاون بين الجامعات الذي تقوم به إسبانيا، وهو أمر وجب استدراكه كي نعطي لكل ذي حق حقه. أيضا، نلاحظ نوعا من البرودة من طرف عدد كبير من الخريجين من الجامعات الإسبانية تجاه إسبانيا بسبب العراقيل على مستوى التنقل بين البلدين وعدم منحهم الأفضلية حين يريدون تسجيل أبنائهم بالمدارس الإسبانية الموجودة في المغرب، وهذا موضوع وجبت مناقشته مع المصالح الإسبانية المختصة قصد التوصل إلى حل معقول.

استمرار مثل هذه المعوقات يجعل التحسن الكبير الذي عرفته العلاقات بين المغرب وإسبانيا في السنين الأخيرة غير كاف للخروج من منطق الظرفية والارتقاء بهذه العلاقات إلى ما تستحقه من طابع استراتيجي، قوي ومستدام، وهو ما يحتم علينا استنفار واستثمار موارد وآليات جديدة لحماية هذه العلاقات من أي تراجع محتمل.

في ظل هذه التحديات التي ذكرتم، ما هي برأيكم الأدوار التي ينبغي على جمعيتكم الاضطلاع بها لمعالجة هذه النقائص والمساهمة بشكل فعّال في تعزيز العلاقات والتقريب بين الضفتين؟

دورنا الأول الذي قمنا بجزء منه والحمد لله هو تجميع هؤلاء الآلاف من الخريجات والخريجين في مؤسسة تسمح لهم بتبادل أفكارهم وتجاربهم والاستفادة من علاقاتهم داخل إسبانيا والمغرب وبعض دول أمريكا الجنوبية، وإبراز حضورهم وجعلهم يقومون بأدوار تناسب قوتهم العددية والمهنية والسوسيو-اقتصادية. هدفنا أن تكون الجمعية محاوَرا ذا مصداقية بالنسبة للمؤسسات العمومية وجمعيات المجتمع المدني في البلدين باعتبارها تضم عددا كبيرا من الكفاءات في مختلف التخصصات من شأنها أن تقدم قيمة مضافة نوعية لهذه العلاقات.

ثانيا، الاشتغال على النواقص التي ذكرناها سواء في إسبانيا أو المغرب. فعلى مستوى إسبانيا، نرى أنه لا بد من القيام بعمل بيداغوجي وسوسيو-ثقافي على مستويين: مع جمعيات المجتمع المدني وصناع القرار الإعلامي في إسبانيا، بهدف إقناعهم-ومن خلالهم إقناع المجتمع الإسباني-بترابط وتداخل مصالح البلدين ووحدة مصيريهما، ومع الجمعيات المغربية العاملة هناك، وبتعاون وثيق مع المصالح المغربية المختصة، من أجل العمل سويا على تكثيف الحضور النوعي للمغرب في المحافل الإعلامية والمجتمعية بصفة عامة. الغاية الأولى والأخيرة هي تحسين صورة المغرب في إسبانيا والدفاع عن مصالحه الاستراتيجية والحد من الضرر الكبير الذي تسببه تلك السرديتان الملغومتان اللتان تحدثنا عنهما.

ثالثا، التوسط لدى السلطات الإسبانية المختصة من أجل تيسير شروط الدراسة والإقامة والاندماج الاجتماعي للطلبة المغاربة بإسبانيا.

نحن واعون بأن الظرفية اليوم مناسبة لأن تقوم جمعيتنا بدور طلائعي في هذه المجالات، ونؤكد أن مؤسسات كلتا الدولتين ستجد لدينا ما يلزم من موارد بشرية عالية التكوين في مختلف المجالات: الطب، الهندسة والمعمار، السياحة، الصيدلة، البيولوجيا والفيزياء والكيمياء، القانون والاقتصاد والآداب والترجمة، الدبلوماسية والفنون التشكيلية والموسيقى، إلخ، والتي تملك كما قلت خبرات وشبكات علاقات هائلة في المغرب وإسبانيا وبعض دول أمريكا الجنوبية.

كما نعتقد أن السنوات الخمس المقبلة مفصلية لإرساء دعائم هذا العمل الضروري.

ختاما، ما هي أبرز المحاور والمشاريع المستقبلية التي تعتزمون العمل عليها في إطار الجمعية؟ وهل هناك برامج محددة قيد التخطيط أو التنفيذ حاليا؟

إضافة إلى ما تقدم، ستقوم الجمعية، إن شاء الله، بتفعيل خطوات ومشاريع أخرى، أهمها إنشاء مركز تفكير حول العلاقات المغربية الإسبانية، سبل تطويرها وتمتينها والاشتغال على محور التعاون اللاممركز، إضافة إلى تكوين شبكة مغربية إسبانية تضم جمعيات، منظمات ومعاهد بحث من كلا البلدين والتنظيم المشترك لمشاريع وأنشطة وتكوينات في المجالات الرياضية والثقافية والتربوية والسياحية والاقتصادية والذكاء الاصطناعي، ثم الاشتغال في المجال الإعلامي والتواصلي بما يناسب أهداف جمعيتنا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق