قال عمرو فاروق الباحث فى شئون الجماعات الأصولية وتيارات الإسلام السياسى إن التجربة المصرية فى مكافحة الإرهاب تمثل نموذجًا متكاملًا بدأ منذ أربعينيات القرن الماضيولم تقتصر المواجهة المصرية على الداخل فقط، بل امتدت خارجيًا، إذ سعت أجهزة الأمن المصرية لملاحقة العناصر الإرهابية فى الخارج أيضًا. وبعد ٢٠١١، خاضت القوات المسلحة حربًا عنيفة ضد التنظيمات المسلحة فى سيناء وداخل القاهرة، وتمكنت من تجفيف منابع الإرهاب ومنع إقامة أى تمركزات داخلية.
وقد حذر تقرير صادر عن مؤسسة بحثية فرنسية مرموقة من محاولات جماعة الإخوان المسلمين لاختراق المجتمعات المدنية
وتابع:"منذ ٢٠١٣، دخلت مصر مرحلة أكثر عمقًا فى التعاون الدولي، حيث قدمت
وثائق واعترافات بالفيديو تتعلق بهذه الجماعات إلى جهات خارجية، أبرزها الإدارة الأمريكية، وبريطانيا (لندن)، وبعض الدول الأوروبية. كما دخلت فى شراكات أمنية مع هذه الدول لتبادل الخبرات، ما جعل من مصر فاعلًا مهمًا فى جهود مكافحة الإرهاب عالميًا
بحلول عام ٢٠١٩، كانت مصر قد انتقلت من خانة الدول المتضررة من الإرهاب إلى خانة الدول التى تمتلك الخبرة والقدرة على تجفيف منابعه فكريًا وتنظيميًا.
كما أشرفت الدولة على مراجعات فكرية وفقهية داخل السجون لعناصر من "الجماعة الإسلامية" و"تنظيم الجهاد"، وأعادت تأهيلهم ودمجهم فى المجتمع".
وقد استفادت دول مثل المملكة العربية السعودية والجزائر وتونس من هذه التجربة المصرية، سواء على مستوى برامج إعادة التأهيل أو على مستوى التعاون الأمنى والفكري.
فى النهاية، نجحت مصر فى كشف الوجه الحقيقى لمشروع هذه الجماعات، التى لطالما تلاعبت بالعاطفة الدينية وروّجت لفكرة "المظلومية" لتكسب تعاطف الخارج، فيما كانت تمارس العنف وتستهدف مؤسسات الدولة ورموزها؛ ففكرة تمركز هذه الجماعات فى بعض الدول الأوروبية، وحصولهم على اللجوء السياسى بادعاء اضطهاد الدولة المصرية، تظهر بوضوح من خلال نتائج ملموسة على الأرض، سواء فى المسار الدبلوماسى عبر وزارة الخارجية أو عبر تبادل الخبرات الأمنية مع الدول المعنية. هذه الخطوات أسهمت فى فضح الوجه الحقيقى لتلك الجماعات ودورها التخريبى داخل مصر والمنطقة العربية، وأكدت صدق الدولة المصرية وموقفها الحاسم من العنف والتطرف؛ وقد أثبتت الدولة المصرية رؤيتها المبكرة حين قرعت جرس الإنذار تجاه مخاطر هذه الجماعات، واليوم نرى الاتحاد الأوروبى يواجه أزمة المجتمعات الموازية، ومحاولات تغيير الهوية، والعنف المتصاعد، وانتشار تيارات مثل السلفية فى فرنسا وألمانيا، بالتوازى مع تصاعد الإسلاموفوبيا والتطرف اليميني، كنتيجة مباشرة لتغلغل هذه الجماعات.
الأخطر من ذلك هو تسلل الفكر المتطرف إلى مؤسسات الدولة كما فى النموذج الفرنسي، حيث جاءت الانتفاضة الأخيرة أثناء اجتماع مجلس الأمن القومى الفرنسى لمحاصرة هذا الفكر؛ وهنا لا بد من التفريق بين محاصرة التنظيم وتصنيفه إرهابياً، فـ"جماعة الإخوان فى الخارج" لا تظهر كتنظيم دولى معلن، بل تتخفى خلف مؤسسات مدنية مرخصة قانونياً داخل الاتحاد الأوروبي، وتعمل لخدمة مشروع الجماعة.
كما استفادت هذه المؤسسات من هامش الحريات فى أوروبا، وتستغل أزمة الانتماء لدى المهاجرين، فأنشأت مراكز لتعليم العربية، وحواضن اجتماعية، ومؤسسات دينية، بل حتى منشآت خدمية مثل المستشفيات والعيادات والصيدليات التى تخدم الجاليات العربية، لكنها أيضا تُوظَّف سياسيًا لخدمة أجندات الجماعة؛ وكل هذا يجرى بتصاريح رسمية، بما فى ذلك استثمارات الجماعة من خلال التبرعات والصدقات، وإعادة تدوير هذه الأموال فى مشروعات مدرة للربح، مما يدعم ما يُعرف بـ"الإمبراطورية الاقتصادية للتنظيم الدولي"، والتى باتت قوة مالية ضخمة تُستخدم فى توسيع النفوذ والتغلغل داخل المجتمعات الأوروبية؛ ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبى بدأ يشعر بالخطر المتزايد، وبدأ يدرك أهمية ما قامت به الدولة المصرية، التى تمتلك باعًا طويلًا فى مواجهة الجماعات المتطرفة، وتُعد الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تمكنت بنسبة تقارب ١٠٠٪ من اقتلاع جذور هذه الجماعات من المجتمع، ومحاصرة التنظيمات المتطرفة، والحد من تمدد الفكر المتطرف، عبر عوامل عديدة داخل المجتمع، أهمها تسليط الضوء المستمر على فكر الإخوان، إضافة إلى الدور الفعال الذى تلعبه القنوات المتحدة فى هذا المجال، وكل ذلك يصب فى مصلحة الدولة المصرية
ويحسب لمصر أيضًا تحويل هذه التجربة إلى نموذج عملى موثق، يُقدَم للأوروبيين من خلال وقائع وتحليلات ونتائج تقوم بها الأجهزة الأمنية المصرية، وتُعرض فى إطار التعاون الأمنى والدبلوماسى الخارجي، عبر وزارة الخارجية، لتبادل الخبرات ونقل التجربة المصرية المهمة.
0 تعليق