أكد الدكتور «محمد ممدوح»، رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس مجلس الشباب المصري ، على أن مصر لم تواجه جماعة الإخوان من منطلق أمني فقط، كما يظن البعض، بل خاضت هذه المواجهة من منطلق مجتمعي وحقوقي وثقافي بالأساس، مضيفا نحن نتحدث عن تنظيم فكري مغلق، يحاول اختطاف الدين وتحويله إلى أداة سياسية، تسعى للهيمنة لا للهداية، وللسيطرة لا للإصلاح.
وأشار إلى أن المجتمع المصري، بتاريخ نضاله وبثقافته الدينية الوسطية، هو من كشف هذا المشروع عندما أدرك أن الجماعة لا تنتمي إلى فكرة الدولة المدنية، ولا تؤمن بالتعددية أو بحقوق الإنسان كما يجب أن تُفهم، بل تسعى إلى أن يكون الولاء لتنظيمها فوق أي انتماء للوطن، وقد تجلى ذلك بوضوح في لحظة فارقة من تاريخنا المعاصر، عندما رفض المصريون أن تُدار بلادهم بمنطق "السمع والطاعة"، وأعلنوا بإرادتهم أن الدين أسمى من أن يُختزل في جماعة.
محاولات الجماعة لاختراق المجتمعات المدنية
وأضاف «ممدوح»، أن المجلس القومي لحقوق الإنسان نظر إلى هذه المواجهة بوصفها لحظة نضج مجتمعي، مؤكدا أن الوعي الشعبي هو خط الدفاع الأول، والدولة لم تكن لتنجح لولا وعي الناس أولًا، كما أن التقرير الصادر عن الحكومة الفرنسية يعكس حالة قلق حقيقية من آثار ما يُعرف في الغرب بـ"الإسلام السياسي"، وهو توصيف يشير إلى جماعات مثل الإخوان، التي تحاول استغلال مناخ الحريات لبناء شبكات تنظيمية مغلقة داخل المجتمعات الديمقراطية.
جماعة الإخوان تعتمد تاريخيًا على الخطاب المزدوج
وأوضح عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن فرنسا، كما هو واضح في التقرير، لا تحارب الإسلام كدين، بل تحذر من مشروع أيديولوجي يُدار بخطاب مزدوج: وجه علني يتحدث عن التعددية والاندماج، ووجه خفي يُغذّي خطاب العزلة والولاء للتنظيم، وهذا النوع من النشاط التنظيمي لا يهدد فقط التماسك الاجتماعي، بل يُعيد تشكيل الهويات داخل المجتمعات على أساس غير وطني.
وقال، إن الإجراءات التي تتخذها فرنسا ينبغي أن تظل متوازنة تحمي قيم الدولة المدنية، دون أن تمس بحرية الاعتقاد، أو تُمارس أي تمييز ديني، والمطلوب هو ضبط التنظيمات لا استهداف الأديان، هذا الطرح دقيق ومبني على تجارب حقيقية، ليس فقط في مصر، بل في دول عدة، وجماعة الإخوان تعتمد تاريخيًا على الخطاب المزدوج خطاب خارجي يُظهر الاعتدال والانفتاح، وخطاب داخلي تنظيمي يُبنى على الطاعة والولاء والانغلاق.
ولفت إلى أن هذه الازدواجية مكنت الجماعة من التغلغل في مؤسسات مختلفة تحت مسميات دينية أو خيرية أو ثقافية، وهي تستثمر في القضايا العادلة لتقديم نفسها كصاحبة "الخطاب البديل"، لكنها في الحقيقة لا تؤمن بفكرة الدولة، بل ببنية تنظيمية فوق الدولة، وداخلها، وموازية لها في نفس الوقت، وهذا النهج يُنتج في نهاية المطاف مجتمعات موازية داخل المجتمعات الأم، تُهدد قيم المواطنة والانتماء والتعددية، مضيفاً أن ما يحدث في أوروبا من تنامي تأثير الجماعة داخل بعض التجمعات، خاصة في المدن الكبرى، هو نتيجة لسنوات من العمل المنظم غير المُعلن، والجماعة تمتلك قدرة عالية على بناء شبكات من الجمعيات والمراكز الثقافية والدينية التي تُدار بآليات التنظيم لا بروح الخدمة العامة، كما أن هذه الهياكل، رغم أنها تستفيد من الحريات، إلا أنها لا تؤمن بها من الداخل. هي تُظهر خطابًا ناعمًا، لكنها تروج داخليًا لسردية "نحن وهم"، وتُربّي الأجيال الجديدة على العزلة بدل الاندماج، وعلى الولاء للجماعة لا للدولة.
ونوه إلى أن ما تخشاه فرنسا الآن هو أن تجد بين مواطنيها أجيالًا لا تنتمي إليها فعليًا، بل تنتمي إلى مشروع بديل، يُدار من خارج الدولة، وتُرسم ملامحه من خارج الحدود. وهذا ليس خوفًا مبالغًا فيه، بل تحذير له ما يُبرّره.
وطالب الدكتور محمد ممدوح، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، بضرورة المواجهة لا تكون بالقمع، بل بالتنوير، لا تُحارب هذه التنظيمات عبر الاستئصال، بل عبر تعزيز قيم المواطنة والانتماء والدولة المدنية، وعلينا أن نُحصّن مجتمعاتنا ضد خطاب العزلة، وأن نمنح الشباب خطابًا دينيًا مستنيرًا، متصالحًا مع الوطن، ومندمجًا في العالم، كما أن الديمقراطية ليست سذاجة، وهي منظومة متكاملة تقوم على الحرية، لكنها تحمي نفسها من الذين يستغلون هذه الحرية لإسقاطها.
واختتم «ممدوح»، أن مصر قدّمت نموذجًا في المواجهة يقوم على رفض الشعب قبل أي إجراء رسمي، واليوم على العالم أن يتعلم من هذه التجربة المواجهة لا تبدأ من الأجهزة، بل تبدأ من البيت والمدرسة والجامعة والمنبر والشارع من الناس أنفسهم.
0 تعليق