محمود حامد يكتب: هكذا تحدث الإمام الأكبر أمام ممثلى الغرب

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

العالم مدعو إلى التصدى لمحاولات تشويه المسجد الأقصى وحل القضية الفلسطينية حلًا عادلًا ونهائيًا.

حرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه وعيشه على أرضه.. وصمت العالم المتحضر عن هذه المأساة الإنسانية ظلم بالغ طال أمده

العالم المعاصر فى أمس الحاجة إلى الاستماع لصوت الأديان السماوية.. صوت العقل والحكمة والتعارف

 شديد التواضع، غزير العلم، نقى السريرة، حكيم فى كل مواقفه، بسيط فى تعامله مع الناس.. إنه الإمام الأكبر فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، الذى نخصص هذا العدد للحديث عن مسيرته المشرفة والثرية فى ميدان العلم والدين والإنسانية والسلام والتآخى بين البشر فى كل بقاع الأرض.

ومن يعرف مدى علم الإمام الأكبر وما أرساه من تقاليد على مدى خمسة عشر عامًا منذ توليه المشيخة، يعرف أن فضيلته يستحق أكثر من عدد يتناول فكره ومؤلفاته والكتب التى ترجمها عن الفرنسية كدارس للفلسفة وكمفكر متمكن من أدواته فى معترك البحث فى شؤون الإسلام والمسلمين والبشرية بشكل عام.

التأثر بالثنائيات

فنحن إزاء شخصية تكونت وتأصلت فكريًا متأثرًا بطبيعة الأقصر، التى قال عنها فى أحد المؤتمرات «المدينة التى ولدت فيها، وترعرعت على ثراها، وتعلمت من جدرانها الصامتة والصامدة منذ آلاف السنين الكثير والكثير، وكان مما وعيته من آثارها التليدة، هذا التناغم البديع بين الدنيا والآخرة، والكون والإنسان، والروح والمادة، وغير ذلك من الثنائيات التى لا يزال إنسان القرن الحادى والعشرين، يقف إزاءها فاقدًا لتوازنه، متعثرًا فى خطواته، مستقطبًا بين طرفيها إما إلى أقصى اليمين وإما إلى أقصى اليسار».

ومن حق مصر أن تفخر بجولات الإمام الأكبر حول العالم، وما يلقيه من كلمات فى مؤتمرات ولقاءات عديدة، فإلى جانب رئاسته للمشيخة يتولى أيضًا رئاسة مجلس حكماء المسلمين وهو من المؤسسات المرموقة التى تضم أهم رجال الدين فى العالم الإسلامي. ويتولى هذا المجلس مهمة الحفاظ على الحوار بين الشرق والغرب، وذلك من خلال تنظيم عدد من اجتماعاته فى أوروبا، بحضور العديد من الباحثين والمفكرين من المسلمين والمسيحيين، حول قضايا مرتبطة بمستقبل العلاقات بين هذين العالمين، الشرق والغرب.

وثيقة خالدة

وعُقد المؤتمر الأول فى مدينة فلورنسا بإيطاليا عام ٢٠١٥، وتلاه المؤتمر الثانى عام ٢٠١٦ فى باريس. وخلال هذا اللقاء الأخير، بعث الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، خلال الكلمة الافتتاحية، برسالة تسامح رائعة إلى أقصى حد. ويعد ذلك الخطاب وثيقة كبرى، سبق أن ترجمتها «البوابة» إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية، ونُشرت فى الطبعة الدولية من «البوابة» لكن هذا لا يمنع من العودة إليها، خاصةً وأن شيخنا الطيب أمضى عدة سنوات فى فرنسا، إذ درس الفلسفة والعلوم اللا هوتية المقارنة فى جامعة السوربون، فكان من الطبيعى أن يبدأ خطابه فى باريس بوصفها «عاصمة الأدب العالمى والفكر الحر، ومهد الثورة العظيمة ضد الظلم والفقر لأكثر من قرنين من الزمن، والتي، بفضل الرغبة فى تحرير شعبها، حررت أوروبا بأكملها من نير العبودية باسم الملك والدين والإقطاع.. حتى أصبحت الثورة الفرنسية الكبرى مرجعًا تاريخيًا، للفلسفة والحرية والحضارة وسمو الروح الأوروبية وخلاصها من سنوات الخمول والركود، إلى التحليق بالإبداع، فى عوالم المعرفة والثقافة والفنون. وأوروبا المعاصرة، بكل ما تمثله كقوة بفضل تقدمها فى مجال المعرفة والعلم، وتحرير الإنسان والديمقراطية وحقوق الإنسان، تدين بالكثير للثورة الفرنسية، ولفرنسا، وللفرنسيين».

وكان لا بد أن يتعرض لحادث إرهابى كبير تعرضت له فرنسا آنذاك قائلًا «شهدت العاصمة الفرنسية الجميلة ليلة مظلمة، أودت بحياة مئة وأربعين شخصًا، بالإضافة إلى ثلاثمائة وثمانية وستين مصابًا ضحية للإرهاب الأعمى. وهى أفعال لا يمكن لأحد أن يعترف بها لا فى الشرق ولا فى الغرب، وتبطلها الغريزة الإنسانية والطبيعة الإنسانية، بل وترفضها التعاليم الدينية والقانون العام».

ومضى فضيلته قائلًا: «سوف تتفقون معى إذا اعتبرت أن هذه الحادثة المؤسفة، وغيرها من الأحداث المؤلمة التى وقعت فى بلجيكا وغيرها الكثير من الأحداث الدموية والبشعة، ترتكب يوميًا فى بلدان المشرق، الغارقة فى برك الدماء، والتى تعيش على إيقاع المآسى الإنسانية، وتدفقات الهجرة، الهاربة فى كل الاتجاهات، نحو وجهات مجهولة دون مأوى أو طعام أو غطاء. وتفرض هذه الأحداث على أصحاب القرار اليوم، ليتحملوا مسؤوليتهم كاملة أمام الضمير الإنسانى والعالمي، وأمام التاريخ وخاصة أمام الله ليتدخلوا لمواجهة هذا الإرهاب الدولي، ويضعوا حدًا لحمام الدم والمجازر بحق الأبرياء من النساء والأطفال، والأجساد الممزقة على مذابح المجانين، الذين يلعبون بمستقبل الشعوب، متجاهلين العدالة الإلهية التى ستتحقق عاجلًا أم آجلًا، لأن العدالة الإلهية يمكن أن تنتظر، لكنها لن تستثنى أحدًا».

المسجد الأقصى

كانت فلسطين حاضرة فى عقل الإمام وقلبه، فقال فى هذا الخطاب الباريسى: «إن العالم مدعو إلى التصدى لمحاولات تشويه أصل أول مكان للصلاة وثالث الحرمين الشريفين، المسجد الأقصى، وحل القضية الفلسطينية حلًا عادلًا ونهائيًا»، كما لو كان يستشرف ما يحدث الآن والذى سبق أن حذر منه فى اللقاء الأول لحكماء الشرق والغرب، فى فلورنسا بإيطاليا، عام ٢٠١٥، الذى دعا خلاله إلى «البحث معا عن مخرج من الأزمة، التى سيكون لها أثر كرة الثلج وستدفع البشرية جمعاء عواقبها، حروب مدمرة وحمامات دماء، ربما أكثر مما دفعته خلال الحروب العالمية خلال الجزء الأول من القرن الماضي».

ومن فلورنسا وباريس، نتوجه إلى برلين بألمانيا فقد ألقى شيخ الأزهر، فى سبتمبر ٢٠٢٣، كلمة خلال «اللقاء الدولى من أجل السلام»، وكان فضيلة الإمام الأكبر صوت مصر إلى العالم حين تحدث، فى هذا المؤتمر، عن تجربته الشخصية مع حروب العالم التى عاصرها، لافتًا إلى أنه ما إن بلغ العاشرة حتى دهمت مدينته «الأقصر» التى تضم ثلث آثار العالم حرب العدوان الثلاثى فى عام ١٩٥٦، ودكت مطارها المدني، وعرف -مع أقرانه فى طفولتهم الباكرة- معنى: «الرعب والخوف، وقضاء الليالى فى الظلام الدامس، وفى مغارات تحت الجبال يأوى إليها مع آخر ضوء من النهار، ويخرج منها بعد الفجر، هربًا من قنابل ترسل أضواءها الكاشفة، ثم تعقبها تفجيرات تنخلع لها القلوب» حسبما قال فى خطابه.

بحر البقر

كما حرص فضيلته إلى تذكير المشاركين بالعدوان الإسرائيلى على مدرسة بحر البقر، قائلًا: «وإن أنس فلا أنسى القنابل التى ألقيت على مدرسة ابتدائية مكتظة بالأطفال والمدرسين والعاملين، وأحالتهم -فى لحظات- إلى أكوام من الأشلاء المختلطة بتراب الأنقاض، ثم دخلنا حرب تحرير سيناء عام ٧٣، التى عرفنا معها معنى العزة والكرامة والصمود».

وأطلق صرخة ضد داعمى الإرهاب، قائلًا: «بترتيب غامض مشبوه، يحصد الإرهاب أرواح الناس باسم الإسلام، وعاث فى منطقتنا، ولم تكد تُكسر شوكته حتى أسلمنا إلى سلسلة جديدة من الحروب لا تزال آثارها المدمرة مستمرة».

ونتوقف أيضًا أمام عدة نقاط وردت فى كلمته قال فيها: «إن العالم المعاصر فى أمس الحاجة إلى الاستماع لصوت الأديان السماوية، فهى صوت العقل والحكمة والتعارف»، و«التقدم العلمى لم يواكبه تقدم موازٍ فى مجال المسؤولية الأخلاقية، فقد تبين أن العلاقة بين التقدم التقنى والحضارى وبين الحروب أصبحت علاقة تلازم واطراد». وكما عهدناه دومًا أكد أن «حرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه وعيشه على أرضه وصمت العالم المتحضر عن هذه المأساة الإنسانية ظلم بالغ طال أمده»، و«سلام العالم مرتبط أشد الارتباط بسلام الشعوب».

تحية واجبة

ولأن المساحة حاكمة، فلا يبقى سوى أن نوجه عظيم الشكر إلى كل أصحاب الفضيلة الذين حرصوا على أن يشاركونا التحية للإمام الأكبر.. خالص الامتنان للدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، والدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، والدكتور نظير عياد مفتى الجمهورية، والدكتور عباس شومان الأمين العام لهيئة كبار العلماء رئيس المنظمة العالمية لخريجى الأزهر الشريف، والدكتورة نهال سلامة، مديرة مرصد الأزهر لمكافحة التطرف.

وتحية حبٍ وإجلال للإمام الطيب الدكتور أحمد الطيب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق