محمد محمود يكتب: التصدعات بين الفيفا واليويفا.. تحركات إينفانتينو الـدبلوماسية وأولويات مثيرة للجدل

الفجر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كثافة الانتقادات الحادة من جانب أعضاء كونجرس الفيفا لرئيسه "إينفانتينو" لتغليبه ما وصفوه بالمصالح السياسية الشخصية على مصالح الدول الأعضاء، ودون إعتبار لقيمة المحفل الذى إنعقد هذا العام فى باراجواي بمشاركة جميع الدول الأعضاء ( ٢١١ )، تدفعنا إلى التفكير فى طبيعة الطموحات الدائرة فى عقل رئيس الفيفا الذي لم يعد مجرد رئيس إتحاد لعبة رياضية، وإنما يترأس منظمة دولية قد تفوق فى صيتها وأهميتها الأمم المتحدة، نظرًا لفعاليتها في خدمة أعضائها وسكان المجرة، مقارنةً بالأمم المتحدة التي أصبحت تعاني من ارتخاء عضلي مزمن، مصحوب بتقييدات حق النقض/ الفيتو، الذى لا يسمح للمنظمة الأممية بممارسة أدوار فاعلة فى أغلب الأحيان، وفى حين يحتاج الحديث حول فاعلية الأطر الدولية متعددة الأطراف إلي جلسات قدح أذهان وجلسات مغلقة فى مراكز الفكر والأبحاث الإستراتيجية والمحافل الدولية والإقليمية، فالحوار حول واقع ومستقبل رئيس الفيفا ومناواشاته مع أعضاء الكونجرس- وبصفة خاصة الأوروبيين - يتم فى أجواء أقل تعقيدًا من الكلام فى موضوعات السياسة.

وبالعودة إلى ما قد يدور في خاطر رئيس إتحاد دولي لامع حول الحاضر والمستقبل المهني، والأسباب التى تدفعه لتكثيف الاتصالات واللقاءات مع الرئيس ترامب، وكذلك أقطاب المجموعات الإقتصادية والسياسية التى تؤثر علي إدارة المشهد العالمي وتديره ( وفى مقدمتهم إيلون ماسك )، فإينفانتينو ( سويسري - إيطالي) يُعد التطور الطبيعي لجوزيف بلاتر ( سويسري) الذى لم تكن فترة توليه المنصب شبيهة بالمسلك  التقليدي الذي إنتهجه سلفه البرازيلى " هافيلانج "، وإنما مليئة بتطورات جعلت عالم المستديرة يدور - تدريجيًا - فى فُلك الاقتصاد والاستثمار الرياضي ورؤوس الأموال والرعايات والبث، ثم تطورت الأمور سلبًا وأطاحت عدة رياح إدارية ومالية ببلاتر وآتت بـ "إينفانتينو " علي رأس الفيفا، وسابق توليه لمنصب سكرتير عام "اليويفا" جعله على دراية بطبيعة وخبايا التفاعلات بين الفيفا والإتحادات القارية، وإن كان الشواهد تشير إلى إرتياحه فى التعامل مع مسئولي الكاف مقارنة بمسئولي الاتحادات القارية الأخري  ، وهو ما ظهر جليًا فى طريقة توجيهه لإنتخابات الكاف والكيفية التى تم بها إختيار رئيس الاتحاد.

وعلى الرغم من عمله السابق فى "اليويفا " إلا أن العلاقات الحالية بين إينفانتينو ومسئولو الإتحاد الأوروبي لكرة القدم لا يمكن وصفها بالسلسة، وكثيرًا ما يشوبها مناوشات حول الحوكمة، واستغل رئيس اليويفا ( ألكسندر تسيفرين ) تأخر إينفانتينو عن اجتماع الـكونجرس الأخير للتصعيد ضده وإنسحب مع أعضاء أوروبيين آخرين من الاجتماع ( أبرزهم ألمانيا، بلجيكا، النرويج، أسبانيا …)، بما يعكس أنها ليست إختلافات فى وجهات النظر ( حول عدد الفرق المشاركة في كأس العالم ٢٠٣٠ على سبيل المثال وليس الحصر ) بقدر ما هى الأولويات، وأن السياسة أصبحت تحتل أولوية متقدمة لدى رئيس الفيفا عن الرياضة وفقًا لإنتقادات اليويفا، والعلاقة بين الرئيسين يسودها فترات من الشد والجذب -سواء بشكل علني أو مستتر- وينتهز رئيس اليويفا بعض المناسبات ليعلن عدم الرضاء عن توجهات ومقترحات إينفانتينو، أبرزها موقفه المعارض لفكرة زيادة عدد الفرق المشاركة فى كأس ٢٠٣٠ إلى ٦٤ فريقًا، بمناسبة مرور ١٠٠ عام على إنطلاق البطولة الأكثر شعبية، أخذًا فى الإعتبار أن مساعى إنفانتينو تعظيم بطولة كأس العالم للأندية للإنتقاص من القيمة التسويقية لدوري أبطال أوروبا لم يكتب لها النجاح حتى الآن، وتصريحاته في 'كونجرس باراجواي' أن عالم الكرة سيشهد تطورات مهمة ولكن من خارج أوروبا، قد يُنظر إليها على أنها محاولات للإستقواء بما لديه من صلات بواشنطن ودول أخرى لديها وفرة مالية فى مواجهة التنسيق الأوروبي - اللاتيني المعارض له على طول الخط.

إجمالًا، مشاهد الدبلوماسية الرياضية فى جولة ترامب بدول الخليج، وكذلك الحديث الذى سبق أن دار بينه وإينفانتينو في البيت الأبيض حول كأس العالم للأندية ومونديال 2026، تشجعني وغيري علي البحث في المحركات الدماغية لرئيس الفيفا، والتخمين في طموحات إضافية تشغل بال رئيس اتحاد رياضي يتم إستقباله كرئيس دولة، ودون مبالغة حفاوة إستقبال تفوق بعض رؤساء  الدول والحكومات، هل يطمح إلى منصب سكرتير عام الأمم المتحدة !؟ أو منصب رئيس المفوضية الأوروبية !؟ وربما تكون مساعى الرئيس ترامب لإقتناص جائزة " نوبل للسلام " قد حفزت رئيس الفيفا لحصد جائزة نوبل للرياضة - إفتراضيًا - أو الحث على إستحداث جائزة نوبل للدبلوماسية الرياضية، وبصرف النظر عن الإمتيازات المهنية الحالية والطموحات الشخصية المستقبلية، فلا يمكن إغفال أن علاقات إينفانتينو المتشعبة تستحق التعليق عليها من جانب المهتمين بالشأن الكروي الدولي، ومن المرجح أن تطُل علينا خلال المرحلة المقبلة مشاهد جديدة تعكس التشابكات والتقاطعات بين الدبلوماسية والرياضة والسياسة، وبصفة خاصة فى فترة الإستعداد لمونديال ٢٠٢٦، نظرًا للحساسيات التى طرأت على العلاقات بين الولايات المتحدة وكل من كندا والمكسيك فى النسخة الثانية من رئاسة ترامب.

وبما أن الحديث عن الامتيازات الشخصية ( إقتصادية - إجتماعية - سياسية ) التي ينالها رجل في مكانة إينفانتينو على الساحة الدولية سيطول، فلنكتفي بالقدر الذى يوضح أن المكانة التى تمنحها كرة القدم للأفراد والدول جعلت دول وأقاليم جغرافية تتسابق علي إستضافة الأحداث الرياضية الدولية والقارية، كونها أصبحت منصة مهمة لجذب الإهتمام الجماهيري والإعلامي للدولة المنظمة / المستضيفة، ويلعب رئيس الفيفا الحالي دورًا ملحوظًا في تشجيع الشراكات بين الدول لنيل شرف تنظيم الفعالية الأكبر والأهم علي المستوي الدولي، وستُدشن نسختي ٢٠٢٦ و٢٠٣٤ نموذجًا جديدًا في تنظيم كأس العالم من خلال صيغة ثلاثية، وإن كانت الصيغة التنظيمية  " بالإشتراك مع..." قد سبق تطبيقها عام ٢٠٠٢ فى إطار ثنائي بين كوريا الجنوبية واليابان، ووفقًا للكاتب الرياضي/ طارق الجويني فإن أغلب تقديرات الخبراء ومسئولي الفيفا رجحت حينها أنه لم يكن النموذج الأمثل من نواحي الإستضافة والتنظيم.

وخلال حديث عابر مع أحمد صبري، مراسل قناة أبو ظبي الرياضية، أوضح أنه بزيادة أعداد المنتخبات ووصولها إلى 48 منتخبًا (قابلة للزيادة)، فإن التنظيم المشترك سيُصبح مستقبلا هو الوضع الدائم، الأمر الذى قد يمنح المزيد من الفرص لإنفانتينو للتوسع فى  الدبلوماسية الرياضية وما يرتبط بها من الاستثمارات والتكنولوجيا المتقدمة، وربما فى مرحلة لاحقة الإستفادة بالتطورات المتعلقة بالذكاء الإصطناعي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق