دوناس يقارب تاريخ اليهود المغاربة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عن دار الفاصلة للنشر بمدينة طنجة، صدر حديثا في طبعته الأولى كتاب “يهود المغرب ونتائج التدخل الأوروبي.. جذور أزمة الانتماء وحتمية الولاء المزدوج” لمؤلفه الدكتور رشيد دوناس.

الكتاب، الذي يقع في 187 صفحة من الحجم المتوسط، يضم ثلاثة فصول رئيسية؛ الفصل الأول عنوانه “المغاربة اليهود وخلفيات التدخل الأوروبي”، والفصل الثاني موسوم بعنوان “نتائج انفتاح الجماعة اليهودية على أوروبا.. تصدع العلاقة مع المجتمع المحلي”، فيما جاء الفصل الثالث تحت عنوان “فرنسا والمغاربة اليهود.. رهانات متباينة”.

ويأتي اهتمام الباحث رشيد دوناس بتاريخ المغاربة اليهود في إطار البحث الأكاديمي الذي توليه الجامعة المغربية لجميع المكونات التاريخية للبلاد؛ باعتبار أن المكون العبري جزء لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للمغرب، ومن نسيجه الاجتماعي العريض بروافده الثقافية المختلفة.

كما يسلط الكتاب الأضواء على جزء غني من تاريخ المغرب في الفترة المتزامنة مع الاستعمار الأجنبي وقبلها وبعدها، والمتعلقة بحياة اليهود المغاربة وتعايشهم في البلاد والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي واكبت هذه الحقبة الزمنية.

سعى الباحث رشيد دوناس في امتداد صفحات هذه الدراسة إلى فهم العديد من التحولات والاختيارات التي لم يكن بوسع المغاربة اليهود تفاديها، منذ بداية التدخل الأجنبي بالمغرب ابتداءً من مطلع القرن التاسع عشر، مرورا بمرحلة الحماية الفرنسية؛ وهي الاختيارات التي أوضح أنها وليدة “إكراهات” كان من الصعب الانفلات من قبضتها، إذ كانت نتيجة حتمية لعلاقات القوة المسيطرة داخليا وخارجيا، في مرحلة تاريخية تميزت بتعدد الاستراتيجيات والرهانات المختلفة دوليا وإقليميا ومحليا.

وهو ما أدى، في النهاية، حسب الباحث، إلى حتمية التباعد، ويعني بها تلك الهوة التي حصلت بين المكونين الأهليين.. اليهود والمسلمين، والتي نتجت عن التقويض الذي أصاب القاعدة المادية والأخلاقية التي كانت تقوم عليها العلاقات بين هذين الطرفين نتيجة التدخل الأجنبي من جهة، وبسبب استفادة الطرف الأول دون الثاني من قيم حداثية مستوحاة من التعليم العصري “المُعَلمن” الذي وفرته لهم مدارس الرابطة اليهودية العالمية منذ سنة 1862 من جهة ثانية.

هذا الواقع أفضى، على مراحل، إلى تشكل رهانات متناقضة لديهما على المستويين المادي والفكري والسياسي، صعُب معها حصول تنسيق بين الطرفين بشكل “مثالي”.

وبناء عليه، خلص الدكتور رشيد دوناس إلى أن اختيارات يهود المغرب خلال الفترة التاريخية المدروسة، لم تكن نتيجة مبادرة حرة متعالية، بقدر ما كانت تحصيل حاصل للسياق التاريخي الذي عاشه المغرب والذي تميز بتردي الأوضاع العامة؛ وهي العوامل التي شكلت قوة الدفع الأولى في إطلاق دينامية أزمة الانتماء عند المغاربة اليهود في العلاقة مع باقي مكونات المجتمع الأهلي المسلم، وبين اليهود أنفسهم.

وحول أحد أعراض أزمة الانتماء هذه، أورد الباحث تصريحا للراحل شمعون ليفي، جاء في سياق جلسة المناقشة التي أعقبت إحدى الندوات العلمية، باللغة الدارجة قائلا: “(…) الاستعمار في سنوات 1912 شكل قطيع. (Les vieux) [المسنين] بْقَاو قْدام كِيما هُما، ولكن اللي طالع قاري، كَيسُول. وأنا نْعقل على هاد الفكرة، هاد السؤال كَيتطرح لكل يهودي يهودي كيوْصل إلى سن 10 أو 12 لعام، كَيتساءل من أنا؟ واش يهودي؟ أكيد كنمشي نصلي. واش مغربي؟ أكيد خلَقِت هنا. واش فرنسي؟ أكيد كنقرا بالفرنساوية وكَنتكلم بالفرنساوية كِما كَنتكلمو كُلنا بالفرنساوية. فْهَاد الثلاثة ديَال الأسئلة كانت كَتَطرَح على كل واحد واحد”.

وفي تصريح لهسبريس، قال دوناس إن “الدراسة تندرج في إطار خصوصية البحث العلمي، بعيدا عن التمثلات والصور النمطية غير العلمية التي من شأنها أن تؤدي إلى توسيع فجوةٍ من سوء الفهم والحد من درجة الحوار بين المجموعات الدينية محليا وإقليميا عالميا، غير آبهة بالخصوصيات المحلية”.

وأضاف: “يتميز المغرب بتنوع روافده الثقافية، ويحفظ لنا التاريخ، كمثال على ذلك، موروثا قديما يعتبر نموذجا في مجال التساكن والتعايش بين اليهود والمسلمين بصرف النظر عن التوترات واللحظات الصعبة التي أصابت هذا التساكن والتعايش، إذ إن المغاربة اليهود تأثروا كغيرهم من المجموعات الإثنية بتقلبات الظروف سلبيها وإيجابها تبعا لإكراهات وشروط السياق التاريخي.

لكن ذلك، تابع دوناس، لم يمنعهم من المساهمة بالكم والكيف في صياغة خصوصية الهوية المغربية كما هو الحال في كل تجربة إنسانية اغتنت بالتنوع والاختلاف، فكان وجودهم فاعلا ومؤثرا في التركيبة الاجتماعية والثقافية للمغرب؛ وهو ما كان من الصعب الوقوف عليه في ظل ما أحيط بهذا الحضور من التغافل المؤسسي، حتى وقت قريب.

وأوضح المتحدث أن المغرب احتضن تاريخيا واحدة من كبريات الجماعات اليهودية في العالم الإسلامي، تجذرت تاريخيا في أرض المغرب طوال ما يزيد على ألفي سنة، معلقا: “بالمجمل، نحن أمام حالة استثنائية بكل المقاييس قياساً على باقي الدول المغاربية والعربية، حيث يمكن الحديث عن ‘يهودية مغربية’ خاصة نضجت وتشكلت في لحظات الاستقرار والتسامح الثقافي برعاية رسمية وفي حاضنة شعبية، بغض النظر عن لحظات التوتر التي يجب أن نفهمها في سياقها التاريخي، من دون إسقاطات قيم عصرنا الحالي على فترات تاريخية قديمة.

وبخصوص المراجع المعتمدة في هذه الدراسة، قال دوناس: “اعتمدت على مصادر متنوعة تتسم بخصوبة المعطيات، وتتقاطع فيها مواقف متعددة ورؤى متباينة تصل أحيانا حد التناقض فيما بينها انسجاما مع خلفيات وتبريرات كل منها، وقد حاولت الالتزام بهذا الأمر، قدر المستطاع، إدراكا مني لأهمية تعدد المصادر والرؤى قصد التمكن من إعداد دراسة تنأى بنفسها عن أي منزلق نحو الذاتية وأحكام القيمة التي تسيء إلى أخلاقيات البحث العلمي”.

وختم تصريحه قائلا: “استجابة لهذا الاختيار المنهجي، حرصت، قدر الإمكان، على تجاوز المستوى الوصفي والإخباري إلى مستوى النقد والتفسير والتركيب؛ وذلك عبر الإنصات للحدث التاريخي بشكل بارد، إلى أقصى درجة ممكنة، بعيدا عن أية حساسية دينية كانت أو قومية أو إيديولوجية”، مؤكدا على مدى انضباطه لقواعد الصارمة للبحث العلمي؛ لأن الدراسة تندرج أصلا في ديناميكية أكاديمية محضة، حسب تعبيره.

ويُذكر أن الباحث رشيد دوناس سيوقع إصداره “يهود المغرب ونتائج التدخل الأوروبي.. جذور أزمة الانتماء وحقيقة الولاء المزدوج” بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بمدينة الرباط يوم الأحد المقبل برواق C27.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق