لكريني يقارب تحديات "إعادة إدماج السجناء".. الوصم والتهميش والبطالة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال إدريس لكريني، مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، إن المؤسسات العقابية والإصلاحية تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز الأمن الإنساني، مشيرًا إلى أنها لا تكتفي بالوظيفة الزجرية، بل تضطلع أيضًا بمهام اجتماعية وتربوية تساهم في التنشئة وتقويم السلوك، وأبرز أن إعادة إدماج السجناء تمثل مهمة جماعية تبدأ من داخل هذه المؤسسات.

وأشار لكريني، في مقال له بعنوان “إعادة إدماج السجناء على ضوء المعايير الدولية”، إلى أن هذه المهمة لا تخلو من تحديات كـ”الوصم الاجتماعي”، و”التهميش والبطالة”، موضّحًا أن “احترام الكرامة الإنسانية” و”تمكين السجناء من برامج تدريبية” و”مواكبتهم بعد الإفراج” تشكل مرتكزات أساسية، وذكّر في هذا الإطار بعدّة تجارب دولية رائدة ومبادرات وطنية كـ”مشروع مسار” و”مصالحة”.

نص المقال:

تلعب المؤسسات العقابية والإصلاحية دورا أساسيا في تعزيز الأمن الإنساني داخل المجتمعات، وعلاوة على الوظيفة الزجرية والردعية التي تستأثر بها هذه الهيئات، بالنظر إلى دورها في تنفيذ العقوبات التي تصدر عن السلطات القضائية، فإنها تحظى أيضا بمجموعة من المهام الاجتماعية والتربوية التي تساهم في التنشئة وتقويم سلوك الجناة وإعدادهم للاندماج داخل المجتمع، والحيلولة دون سقوطهم في متاهات الجريمة من جديد.

إن إعادة إدماج السجناء هي مهمة جماعية تبدأ من داخل المؤسسات العقابية، ويفترض أن تساهم فيها مجموعة من القنوات داخل المجتمع، كما هو الشأن بالنسبة للأسرة والإعلام والقطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني.

لا تخلو هذه المهمة من إشكالات وتحديات، فكثيرا ما يجد بعض المفرج عنهم أنفسهم أمام سجن كبير بعد أن يغادروا المؤسسة الإصلاحية في أعقاب انقضاء مدة عقابهم، بفعل تمثل المجتمع لهذه الفئة. ويمكن إجمال هذه التحديات في الوصم الاجتماعي الذي يطال المفرج عنهم، وكذا مظاهر التهميش والبطالة التي تلحقهم بعد انقضاء العقوبة بسبب عدم الثقة أو غياب المهارات، علاوة على التفكك الأسري ورفض استقبالهم من قبل الأهل، بالإضافة إلى محدودية الدعم المؤسساتي والقانوني أحيانا.

ثمة مجموعة من المعايير الدولية، التي تمثل أرضية وضمانة يتطلب استحضارها من قبل الدول في سياق التعامل مع هذه الفئة المجتمعية، تتمثل في عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، نذكر منها على سبيل المثال إعلان الدوحة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية لعام 2015، وقواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا) لعام 2015، وقواعد الأمم المتحدة بشأن الإدارة السليمة لشؤون السجناء (قواعد بانكوك) لعام 2010، قواعد الأمم المتحدة الدنيا لتدابير عدم الاحتجاز (قواعد طوكيو) لعام 1990، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.

كما أن هناك ممارسات فضلى تجسدها تجارب عدد من الدول الرائدة في هذا الصدد، كما هو الحال بالنسبة للنرويج التي تعطي الأولوية للإصلاح بدل العقاب، وتعمل على توفير التعليم والعمل للسجناء، وألمانيا التي تشجع على عقد شراكات بين المؤسسات السجنية والقطاع الخاص لتأهيل السجناء لولوج مهن مطلوبة، ثم كندا التي تعمل من جانبها على إرساء مصالحة بين السجين ومحيطه المجتمعي.

وتتلخص المبادئ التي ترسخها هذه الضمانات والممارسات الفضلى في احترام الكرامة الإنسانية عند التعامل مع السجناء والمفرج عنهم، والحرص على تأهيلهم خلال فترات الاعتقال من خلال تمكينهم من برامج تدريبية، ورعاية صحية ونفسية، واعتماد تدابير ما قبل الإفراج عبر تنظيم الزيارات العائلية، إلى جانب مواكبتهم بعد الإفراج عنهم على مستوى المساعدة في توفير الوثائق القانونية، والحصول على سكن وعمل، والمتابعة الصحية، وتوعية المجتمع بتقبل هذه الفئة.

وقام المغرب بمبادرات هامة في هذا الخصوص، وهو ما يعكسه مشروع “مسار”، وتجربة “مصالحة”، التي تقوم على مصالحة السجناء (المتورطين في قضايا التطرف والإرهاب) مع الذات ومع المجتمع ومع النصوص الدينية، وتأهيلهم فكريا للاندماج داخل المجتمع، كما أن هناك مبادرات أطلقتها المندوبية العامة لإدارة السجون في سياق كسب هذا الرهان، إلى جانب جهود مهمة تقوم بها المؤسسات السجنية بدورها في هذا الصدد.

علاوة على الضمانات والمعايير الدولية ذات الصلة، ترتكز جهود إعادة الإدماج على الدساتير والتشريعات الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان، ويمكن إجمال السبل الكفيلة بإعادة إدماج السجناء في إطلاق برامج اجتماعية، وإحداث مشاريع تسهم في تكوين وتطوير كفاءات المفرج عنهم بشراكة بين الدولة ومختلف الفاعلين، من مجتمع مدني وقطاع خاص، وتشجيع تشغيلهم على المستويين الوطني والمحلي، وذلك بإدراج بنود تضمن تشغيل ذوي السوابق ضمن بنود الصفقات العمومية، وكذا إحداث مراكز إيواء مؤقتة، والمساعدة في الحصول على سكن دائم، بالإضافة إلى تنظيم حملات للتوعية بالصورة التي تساهم في الحد من الميولات الانعزالية والسلوكات الإجرامية للمفرج عنهم، وتعزيز الثقة فيهم وتقبّلهم من لدن المجتمع. كما ينبغي استحضار هذه الفئة ضمن السياسات العمومية بشكل عام، وضمن المخططات التنموية التي تتم على المستويات المحلية، مع تعزيز التشريعات الداعمة لهذا الخيار، والانفتاح على التجارب الدولية الفضلى في هذا الشأن.

إن ما يحد من الجهود المبذولة في سبيل إدماج هذه الفئة داخل المجتمع والاستفادة من كفاءاتها، وكذا تحفيزها على تحويل معاناتها إلى فرص للعطاء والمساهمة في جهود التنمية، هو هشاشة الإمكانيات المالية واللوجستية والبشرية التي ترصد عادة لهذا الغرض، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين الشركاء في سبيل تحقيق هذا الرهان (إعادة الإدماج)، بالإضافة إلى وجود ثقافة مجتمعية غير داعمة لهذا الخيار.

إن احترام المعايير الدولية لإعادة إدماج السجناء هو ضمانة أساسية، ولذلك تمثل عملية إعادة إدماج المفرج عنهم تعبيرا عن احترام حقوق الإنسان، ومدخلا للحد من حالات العود والقضاء على العوامل المغذية للجريمة، كما أنها تساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية. وأخيرا تظل المسؤولية في هذا الشأن مشتركة بين الدولة والمجتمع ومختلف الجهات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق