نتنياهو في نفق الزيف

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يبدو أن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة في القمة العربية لم تمر مرور الكرام على نتنياهو. تلك الكلمة الواضحة الصريحة التي نطقت بالحقيقة، والتي جاء فيها: "حتى لو نجحت إسرائيل في التطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والشامل سيظل بعيد المنال ما لم تُقم الدولة الفلسطينية".. هذه العبارة تحديدًا هزّت جدران الوهم التي حاولت حكومة الاحتلال أن تبنيها عبر سنوات من البروباجندا السياسية والدينية والتاريخية.

فلم يكن من قبيل المصادفة أن يظهر نتنياهو بعد أيام قليلة من القمة، في نفقٍ محفور تحت المسجد الأقصى، ناطقًا بكلمات باردة من عمق الأرض، كمن يحاول الاختباء من ضوء الحقيقة، إنها ليست جولة عفوية، بل مسرحية محكمة الإخراج، هدفها إيصال رسالة: "نحن هنا، فوق الأرض وتحتها"، لكن خلف هذه الثقة المتظاهرة، يختبئ توتر عميق، إدراك داخلي بأن المشروع الصهيوني، رغم كل ما يملكه من أدوات قوة، يفتقد إلى الشرعية الحقيقية التي لا يمنحها سوى التاريخ والضمير الإنساني والاعتراف بالحق الفلسطيني.

المشهد في جوهره، محاولة ساذجة لإنتاج صورة إعلامية مكذوبة، نتنياهو، ومن خلفه أدوات الإعلام الصهيوني، يحاولون ترسيخ فكرة أن القدس موحدة "تحت السيادة الإسرائيلية"، وأن الأقصى ليس حكرًا على المسلمين، وأن ما يسمونه بـ"الهيكل" هو الحقيقة، وما عداه وهم، لكن الحقيقة تكشف عكس ذلك تمامًا: لا أدلة أثرية وجدت رغم الحفريات، ولا سردية روحية تمكنت من منافسة عمق الارتباط الإسلامي والعربي بالمكان، ولا قوة عسكرية استطاعت أن تنتزع القدس من قلب الأمة.

هذا الزيف الإعلامي من احتفالات باطلة، ورايات كتب عليها "في 67 أخذنا القدس، وفي 2025 أخذنا غزة"، وهتافات عدوانية لا تعبر إلا عن عقلية مأزومة، تشعر أن التاريخ يتسرب من بين يديها، فحين يعجز الاحتلال عن فرض روايته بالحق والمنطق، يلجأ إلى الاستعراض في الأنفاق، ومحاولات تغيير أسماء الأبواب، واستصدار قرارات قضائية تؤسس لما يسمى "التقسيم المكاني والزماني."

ورغم كل ذلك، يظل السؤال الأساسي قائمًا: هل يستطيع نتنياهو أن يغير الحقيقة بالرمزية العدوانية؟ الإجابة جاءت واضحة على لسان الرئيس المصري: "السلام سيبقى بعيد المنال ما لم تقم الدولة الفلسطينية"، وهذا المبدأ لا يُمكن تجاوزه أو التحايل عليه، مهما تعددت مشاهد التطبيع أو تبدلت مواقف الحكومات.

الرؤية الاستراتيجية واضحة: لا يمكن لأية تسوية سياسية أن تنجح ما لم تعالج جوهر الصراع، وهو الاحتلال، والظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني، وكل ما دون ذلك محاولات لتسكين جرحٍ ينزف، وحتى حين طالب الرئيس السيسي الإدارة الأمريكية ببذل كل الجهود لوقف إطلاق النار في غزة، ربط هذا الطلب بالشرط الأساسي: قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، أي أن وقف النار وحده، من دون عدالة، ليس حلًا، بل تأجيل لانفجار أكبر.

ما يجري اليوم هو فصل جديد من فصول التزوير الصهيوني للواقع، لكن الصورة على الأرض لم تتغير: القدس فلسطينية، والأقصى إسلامي، والاحتلال لا يمنح شرعية، بل يفضح عجزًا عن مواجهة الحقائق فوق الأرض، ما يضطر قادته للهرب إلى الأنفاق.

إننا لا نقف اليوم أمام مشهد تهويد ناجح، بل أمام مشهد تهويد مأزوم، فالمقاومة لا تزال تنبض في الضفة، والوعي العربي من مصر يستعيد موقعه، وكلما ازدادت محاولات تزوير الوعي، ازدادت الحاجة إلى التمسك بالثوابت: فلسطين ليست قضية حدود، بل قضية وجود، والقدس ليست ورقة تفاوض، بل قلب الأمة.

من يراقب الحالة النفسية المتدهورة للجنود في العديد من المواقع الإسرائيلية يدرك حجم الاضطراب الذي يعيشه جيش الاحتلال، حتى بات المشهد مكررًا: وجوه شاحبة، أعصاب منهارة، وارتباك يصل حد التبول عند أول صوت انفجار، ليست مبالغة، بل تقارير وشهادات ميدانية تؤكد أن هؤلاء "الجنود" يخشون حتى أصوات طائراتهم، ويعيشون تحت ضغط نفسي مزمن، نتيجة إدراكهم أن وجودهم على هذه الأرض قائم على الباطل، وأنهم في كل لحظة يواجهون مقاومة لا ترحم.

  إن التفسير الحقيقي لحالة الاستفزاز المستمر التي يمارسها الاحتلال، من اقتحامات ومظاهرات عدوانية واستعراضات جوفاء، ليس قوة موقف كما يروج إعلامهم، بل العكس تمامًا: إنها محاولة بائسة للتغطية على الانهيار المعنوي وفقدان الثقة بالذات، فلو كان جيش الاحتلال وقيادته يملكون أدنى ثقة برجولتهم وعدالة قضيتهم، لنزلوا إلى الميدان مقاتلين وجهًا لوجه، لا مختبئين خلف دبابات وطائرات وطائرات مسيّرة.

لكن للأسف، أدوات الحرب في هذا العصر انحرفت عن شرف المواجهة، باتت تُدار بأزرار عن بعد، وبصواريخ تطلقها أيادٍ ترتجف خلف الشاشات، ضد أطفال ونساء وعُزل، لم تعد الحروب معارك رجولة وشرف، بل أصبحت مشاهد قتل جماعي تديرها دولة محتلة جبانة، تتغذى على دم الأبرياء وتختبئ من شبح الحقيقة.

إن ما نراه ليس استقواءً، بل سقوطًا أخلاقيًا وعسكريًا، مغطى بدخان القصف وصراخ الإعلام المزيف.

أكرر دائمًا، مصر جيشًا وشعبًا، ستظل صفًا واحدًا خلف رئيسها الذي عبر بوضوح في كلمته الأخيرة عن رؤية ثابتة لا تتزعزع: لا سلام دائم ولا استقرار في الشرق الأوسط دون قيام الدولة الفلسطينية، تتحمل مصر في سبيل هذه الرؤية ضغوطًا هائلة، سياسية واقتصادية وإعلامية، لكنها لا تساوم على مبادئها ولا تفرط في ثوابتها، والجيش المصري، الذي هو درع هذه الأمة وسيفها، جيش حامي لا غازٍ، جيش يصون الأرض والكرامة، ويعرف متى يصبر ومتى يتحرك، فلا تختبروا صبر مصر أكثر من اللازم، ولا تستفزوا هذا الوطن الذي إن نهض، نهض كالطود الراسخ لا يلين.

تذكروا أن مصر ليست نقطة على خارطة، ولا حدودًا ترسمها الأقلام، بل حضارة تضرب جذورها في أعماق الزمان، صمدت حين سقطت الإمبراطوريات، وعلت حين اندثرت العروش، مصر لا تقع لأنها الوطن حين يتلاشى المعنى، والتاريخ حين ينسى الجميع أين بدأ الطريق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق