إفيه يكتبه روبير الفارس: "الحفرة العقلية"

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قدّم المصريون على مدار تاريخهم الطويل الكثير من المحاور الشائكة الجذابة، والقصص المسلية، والنوادر العجيبة في مختلف الجوانب الإنسانية. ومازالوا  يقدّمون ما لا يخطر على قلب أحد من التفانين المدهشة، التي تجعل حتى الأقرع يشد شعر روحه ويسقط على وجهه، فلا يرى شيئًا!
وأظن أن براعتهم في فروع الضحك الأسود لا تُضاهى ولا شبيه لها بين الشعوب، ولعلها منتج بكر نشأ من التحايل على قسوة الحياة ومرّها. هذا التحايل يطال كل شيء، من السماء إلى الأرض، ومن الأكل إلى الموت وعاداته. ويحتاج إلى مجلدات لجمعه، وحصره، والتأمل فيه.

وانظر إلى قصة الحفر تحت قصر ثقافة الأقصر للبحث عن آثار، لتجد حكاية درامية ونادرة من نوادر جحا، تصلح أن تُدَسّ على لسانه وتُروى على المصاطب.
فالظاهر: ترميم القصر، وهو أمر محمود.
والباطن: محاولة سرقة، وهو أمر مذموم.
وبين الظاهر ذي الشكل الجميل، والخفي المستهجن، تدور حياتهم.

فكان الكثير منهم يعيش ليترجم حكمة رومانية قديمة تقول: "إن المجتمع لا يعاقبنا على القيام بالآثام والخطايا، ولكن يعاقبنا على ما انكشف منها". لذلك "تحت الساهي دواهي"، وتحت القصر حفرة، و"الشيطان يعظ"، و"الملاك يخون"، وصولًا إلى قول نزار قباني: "لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية".
فالسيارات أحدث موديل، والموبايلات من كل الأشكال، والكل يجلس خلف أحدث شاشات الحداثة، وعقله يبثّ مخلفات انتهت صلاحيتها من الحياة، وليس لها إلا الدفن، وبأقصى سرعة. فالكل يشتمّ روائحها النتنة، إلا هو... يتباهى بها!

وبين مظاهر الحداثة التي تلمع في يد الجميع، وتلك الروح المتحجرة بفعل "الحفرة العقلية" و"الفجوة الزمنية"، ندور في دائرة تسحبنا إلى ماضٍ سحيق "نستجلب منه أي مصلحة والسلام"، حتى لو كانت مجرد مدح على التمسك بالعادات والتقاليد البالية، أو استجلاب آثار من عصر الكفار للمتاجرة بها والاسترزاق منها، أو استنهاض الوعي بالكتاتيب التي مضى عهدها — وإن كانت رسالتها في تحفيظ الكتب السماوية مستمرة، سواء في إذاعة القرآن الكريم أو في الفضائيات العديدة، الإسلامية والمسيحية، التي لا تختلف برامجها عن مضامين كتاتيب القرن التاسع عشر!

ولكن يبدو أن أذهاننا مصرة على أن استعادة الماضي أفضل من البحث في "علم المستقبليات" — وهو علم لا محل له من مناهجنا التعليمية وواقعنا.
ويُعرف بأنه دراسة شاملة للمستقبل، بهدف استكشاف ما يمكن أن يحدث، وما هو محتمل، وما هو مرغوب، وما هو ممكن، مع التركيز على التأثيرات المحتملة للأحداث والتغيرات المستقبلية.
ويهدف إلى فهم الاتجاهات الحالية، وتقييم المخاطر، وتوقّع السيناريوهات المستقبلية المختلفة، وذلك لمساعدة الأفراد والمؤسسات والبلدان على اتخاذ قرارات مستنيرة، والتخطيط لمواجهة التحديات والفرص المستقبلية.

وطبعًا هو علم مرفوض... لأنه يتطلب خلع روح الجاهلية.
ونحن – للأسف – لا نرتدي تحتها شيئًا!

إفيه قبل الوداع

 الفيل في المنديل
 الحفرة تحت القصر

أخبار ذات صلة

0 تعليق