بين التحضيرات السياسية والتصعيد الميداني، تدخل المفاوضات الروسية الأوكرانية في إسطنبول مرحلة دقيقة مع طرح أوكرانيا خارطة طريق للتسوية السلمية.
وتشير المعطيات إلى تحركات دبلوماسية مكثفة، من بينها مشاورات بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأميركي ماركو روبيو، قبيل انطلاق الجولة الثانية من المحادثات الاثنين في تركيا، ما يعكس انخراطاً دولياً متزايداً في محاولة إنهاء النزاع الذي دخل عامه الثالث.
إسطنبول تستضيف جولة جديدة من مفاوضات روسيا وأوكرانيا وسط تصعيد ميداني كبير
بين تصعيد عسكري غير مسبوق وتفاؤل حذر، تستضيف مدينة إسطنبول التركية اليوم الإثنين الجولة الثانية من المحادثات الروسية الأوكرانية، في محاولة جديدة للوصول إلى تسوية سلمية للنزاع المستمر منذ أكثر من عامين.
وتأتي هذه الجولة بعد ساعات فقط من تبادل هجمات هو الأعنف منذ 2022، حيث شنت كييف "هجوماً نوعياً" على أربع قواعد جوية روسية، بينما نفذت موسكو هجمات مكثفة على عدة مناطق أوكرانية.
مفاوضات تحت وقع التصعيد العسكري
تشهد أجواء المحادثات في إسطنبول توتراً ملحوظاً في ظل تصاعد العمليات العسكرية.
فقد نفذت أوكرانيا هجوماً بطائرات مسيّرة استهدفت أربع قواعد جوية روسية داخل العمق الروسي، في خطوة وصفت بالنوعية.
في المقابل، ردت روسيا بشن أكبر هجوم جوي منذ عام 2022 على مناطق مختلفة في أوكرانيا، مما يضع ضغوطاً كبيرة على مفاوضات يُفترض أن تُفضي إلى تهدئة.
تفاصيل الجولة الثانية في إسطنبول
أعلن وفد الخارجية الأوكرانية وصوله إلى إسطنبول صباح اليوم، فيما وصل الوفد الروسي برئاسة فلاديمير ميدينسكي يوم الأحد. وستُعقد الجلسة الرئيسية في تمام الساعة 13:00 بالتوقيت المحلي في قصر تشاراجان، بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي سيلقي كلمة افتتاحية، إلى جانب مشاركة رئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم قالن.
ملفات مطروحة على الطاولة: تبادل أسرى ووقف إطلاق نار
الجولة السابقة، التي عُقدت في مايو الماضي، أسفرت عن اتفاق بارز على تبادل 1000 أسير من كل طرف، وهي العملية التي نُفذت بنجاح في 25 مايو.
ويُتوقع أن تبحث جولة اليوم سبل تثبيت وقف إطلاق نار طويل الأمد، إلى جانب تقديم مذكرات تفاهم بشأن التسوية السياسية، حيث أكد الوفد الروسي أنه يحمل نسخة من مذكرة أوكرانية مكتوبة باللغتين الأوكرانية والإنجليزية.
آمال روسية بقرارات "أكثر وضوحاً"
قال نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو إن موسكو تأمل في التوصل إلى نتائج ملموسة هذه المرة، مشيراً إلى تنسيق روسي مع بكين بشأن المفاوضات. وأضاف: "نريد اتفاقيات أكثر وضوحاً وتحديداً مما تحقق في الجولة الأولى".
كما أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف استعداد موسكو لتقديم مقترحات مكتوبة، بينما شدد الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، على ضرورة إبقاء المواقف التفاوضية طي الكتمان وعدم كشفها لوسائل الإعلام.
رغم الأجواء المشحونة ميدانياً، تظل إسطنبول اليوم محور آمال دبلوماسية في إحداث اختراق نحو إنهاء الحرب.
لافروف وروبيو يناقشان فرص التسوية
نقلت وكالات أنباء روسية عن وزارة الخارجية الروسية أن لافروف أجرى اتصالاً بنظيره الأميركي ماركو روبيو، الأحد، لبحث فرص تسوية النزاع في أوكرانيا، إضافة إلى التنسيق بشأن المحادثات الروسية الأوكرانية التي تستضيفها إسطنبول.
الاتصال جاء في وقت حساس، ويبدو أنه يستهدف تحييد الخلافات الكبرى وتهيئة الأجواء لتقدم ملموس في المحادثات.
خارطة طريق أوكرانية على الطاولة
في تطور مهم، كشفت وكالة "رويترز" عن وثيقة تؤكد أن الوفد الأوكراني سيقدم للجانب الروسي خارطة طريق تتضمن مقترحات محددة لتسوية دائمة.
تبدأ الخارطة بوقف كامل لإطلاق النار لمدة 30 يوماً على الأقل، تتبعه عملية تبادل شاملة للأسرى من الجانبين، وإعادة الأطفال الأوكرانيين الذين نقلوا إلى المناطق التي تسيطر عليها روسيا.
خطوات نحو لقاء القمة
المرحلة التالية من خارطة الطريق تقترح عقد قمة مباشرة بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي خطوة تعد بمثابة نقطة تحول في مسار المفاوضات، إذا تم التوافق عليها.
ويُفترض أن تمهد هذه القمة الطريق لصياغة شروط نهائية لإنهاء الحرب، بمشاركة فاعلة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
مشاركة أميركية وأوروبية في الصياغة
تشير الخارطة إلى ضرورة إشراك القوى الغربية الكبرى، وتحديداً واشنطن وبروكسل، في صياغة الحل السياسي النهائي، لضمان قبول دولي واسع وحماية أي اتفاق من الانهيار لاحقاً. وتظهر هذه النقطة رغبة كييف في فرض ضمانات أمنية وسياسية قوية لأي اتفاق محتمل.
المفاوضات الجارية في إسطنبول تتجاوز هذه المرة مجرد مناقشات تقنية، لتضع على الطاولة أول تصور مكتوب لتسوية سياسية دائمة. وإذا تجاوبت موسكو بجدية مع المقترحات الأوكرانية، فقد تشكل هذه الجولة من المحادثات بداية تحول فعلي نحو إنهاء النزاع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ويبقى السؤال: هل ستثمر الجولة الثانية عن نتائج حقيقية تتجاوز التبادلات المحدودة نحو مسار تسوية شاملة، أم تظل مجرد محطة وسط استمرار النزيف؟
0 تعليق