تستحق المملكة المغربية لقب "ملكة الصناعة التقليدية"، والراعية الأولى للفنون العريقة، إذ إنها تنتمي إلى الدول القليلة في العالم التي استطاعت أن تحافظ على تراثها التقليدي الغني رغم مرور آلاف السنين، بل وتجعل منه إشعاعا حضاريا وثقافيا، ويُعد القفطان المغربي أو "التكشيطة المغربية" كما يسميه المغاربة، أبرز رموز الصناعة التقليدية التي شكلت على مر العصور هوية المملكة، وأصبحت علامة مسجلة باسم المغرب في المحافل الدولية.
القفطان المغربي ليس مجرد زي، بل هو تاريخ من الجمال والفن الراقي يمتد لقرون طويلة، حيث كان يُلبس في البلاط الملكي، ثم تطور مع مرور الزمن ليأخذ طابعه المميز، وسِرُّ القفطان وفخامته يرجع إلى صناعته التي تتم من خلال أيادٍ مغربية، فالحرفيون المغاربة الذين يُعرفون بمهاراتهم العالية، يستخدمون الأقمشة الفاخرة، ويتفننون في تطريزاته الدقيقة، مثل "الطرز الفاسي والرباطي"، أما "السفيفة" و"العقاد"، فهما من أبرز اللمسات التي تميز القفطان المغربي عن غيره، ويستغرق إنجازه أحيانا عدة أسابيع لأنه يُصنع بفخر وحب ودقة متناهية تجمع بين الأصالة والابتكار.
ما جعل القفطان المغربي يرتقي من مجرد زي تقليدي إلى علامة مميزة مرتبطة بالمملكة المغربية، هو الاهتمام المتزايد به في الأوساط الثقافية والدولية، فقد أصبح اليوم يُعرض في أكبر المنصات العالمية مثل عروض Caftan Morocco التي تُنظم سنويا، وتستقطب أشهر المصممين، كما يشارك في أسابيع الموضة العالمية في باريس ونيويورك ودبي، وزاد الطلب عليه، عندما ظهرت به مجموعة من الشخصيات الشهيرة مثل هيلاري كلينتون، بيونسيه، وريهانا وغيرهن من الشخصيات الغربية والعربية، مما زاد من إشعاعه وأصبح سفيرا ثقافيا للمغرب.
في السنوات الأخيرة، ظهر القفطان المغربي في دول عديدة، حيث ظهرت نسخ معدلة منه في عروض الأزياء والمناسبات، إلا أن الأصالة المغربية ظلت حاضرة وبقوة، سواء في التصميم أو الصنعة أو حتى التسمية التي يرجع أصلها إلى المدرسة المغربية، ولهذا قرر المغرب تقديم ملف ترشيح القفطان المغربي لإدراجه ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، تأكيدا لما يحمله هذا الزي من دلالات حضارية وهوية تاريخية راسخة.
وسبق أن صادقت منظمة اليونسكو على إدراج عدد من عناصر التراث المغربي ضمن قائمتها للتراث الثقافي غير المادي، من بينها الحناء والتقاليد المرتبطة بها، فن التبوريدة، ساحة جامع الفنا، موسم طانطان، الصقارة، مهرجان حب الملوك بصفرو، شجرة الأركان، الطبخ المتوسطي، النخلة، فن كناوة، الكسكس، والخط العربي.
القفطان المغربي جزء لا يتجزأ من الهوية المغربية، كل خيط منه يمثل تاريخا طويلا وانتماء مقدسا لتراث ورمز من رموز السيادة الثقافية المغربية، ومثلما يُعرف المغرب اليوم بكونه "ملك الصناعة التقليدية"، فإن القفطان المغربي هو تاج هذه الصناعة وسفير المملكة المغربية في العالم.
0 تعليق