في عالم يتسارع فيه الإيقاع التكنولوجي بشكل غير مسبوق، بات التحول نحو الاقتصاد الرقمي ضرورة حتمية لأي دولة تطمح إلى تحقيق نمو مستدام وتعزيز تنافسيتها العالمية.
فمع تصاعد دور البيانات، والتجارة الإلكترونية، والخدمات المالية الرقمية، لم يعد الاقتصاد الرقمي ترفًا، بل أساسًا للنهوض الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا السياق، يبرز سؤال محوري: أين تقف مصر في سباق التحول نحو الاقتصاد الرقمي؟
مصر وخريطة التحول الرقمي
على مدار السنوات الأخيرة، أولت الحكومة المصرية اهتمامًا متزايدًا بتعزيز التحول الرقمي، باعتباره أحد محاور رؤية مصر 2030.
وتمثل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذراع الأساسية لتنفيذ هذه الرؤية، حيث أطلقت العديد من المبادرات مثل "مصر الرقمية" و"التحول الرقمي للخدمات الحكومية"، بهدف تسهيل الخدمات للمواطنين وتحقيق الشفافية والكفاءة.
كما شهدت الدولة طفرة في البنية التحتية الرقمية، حيث توسعت في مد شبكات الألياف الضوئية، وزادت من سرعات الإنترنت، وأطلقت بوابات إلكترونية تقدم عشرات الخدمات الحكومية رقميًا، مثل استخراج الوثائق الرسمية، وتجديد التراخيص، وسداد الضرائب.
القطاع المالي والتكنولوجي: محرك رئيسي
يعد القطاع المالي من أبرز القطاعات التي شهدت تحولًا رقميًا ملموسًا في مصر، حيث شهدت السنوات الأخيرة توسعًا كبيرًا في خدمات الدفع الإلكتروني، والمحافظ الذكية، والبنوك الرقمية، مدعومة بتوجهات البنك المركزي المصري لتعزيز الشمول المالي وتقليل الاعتماد على النقد.
وقد ساهمت جائحة "كوفيد-19" في تسريع هذا التحول، إذ زاد إقبال المواطنين على استخدام التطبيقات المصرفية، والدفع عبر الهاتف المحمول، وخدمات الإنترنت البنكي.
ووفقًا لأحدث البيانات، بلغ عدد مستخدمي المحافظ الإلكترونية في مصر أكثر من 30 مليون مستخدم بنهاية عام 2024، في مؤشر واضح على تصاعد وتيرة الرقمنة.
الابتكار وريادة الأعمال الرقمية
لم يكن التحول الرقمي في مصر مقتصرًا على المؤسسات الحكومية أو المالية فحسب، بل امتد ليشمل قطاع ريادة الأعمال، حيث باتت القاهرة واحدة من أبرز المراكز الناشئة في أفريقيا والشرق الأوسط للشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا المالية، والتعليم الإلكتروني، والصحة الرقمية.
وقد دعمت الحكومة هذا الاتجاه من خلال مبادرات مثل "مركز إبداع مصر الرقمية"، وبرامج دعم الشركات الناشئة، وتوفير حاضنات أعمال، ما ساهم في جذب استثمارات دولية وخلق فرص عمل للشباب.
تحديات قائمة وفرص واعدة
رغم هذه الخطوات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات قائمة تعرقل التسارع الكامل نحو اقتصاد رقمي شامل.
من أبرز هذه التحديات ( ضعف الثقافة الرقمية لدى شرائح واسعة من المواطنين، وتفاوت البنية التحتية الرقمية بين المدن الكبرى والمناطق الريفية، والحاجة إلى تطوير تشريعات مرنة تواكب تطورات التكنولوجيا الرقمية وتحمي البيانات والخصوصية ).
لكن في المقابل، تمتلك مصر فرصًا واعدة لتعزيز موقعها في الاقتصاد الرقمي، بفضل قاعدة سكانية كبيرة شابة، وتزايد استخدام الهواتف الذكية، واهتمام متنامٍ من المستثمرين الدوليين بالسوق المصرية الرقمية.
وأخيرا..التحول نحو الاقتصاد الرقمي في مصر يسير بخطى ثابتة، وإن كانت بحاجة إلى تسريع وتيرة التنفيذ، وتوسيع نطاق المستفيدين، وتقليص الفجوة الرقمية.
فالاقتصاد الرقمي ليس مجرد خيار تنموي، بل ضرورة وجودية تفرضها المتغيرات العالمية.
وإذا أحسنت مصر استغلال قدراتها ومواردها البشرية والتكنولوجية، فإنها قادرة على أن تكون لاعبًا إقليميًا بارزًا في هذا المجال.
0 تعليق