في ظل سعي الدولة المستمر لتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية، تأتي الجهود الحكومية هذا العام لتأكيد دعمها للفلاح المصري، من خلال سياسات واضحة تهدف إلى تشجيع الإنتاج المحلي وتوفير مستلزمات الزراعة بشكل عادل ويعد القمح، باعتباره أحد أهم المحاصيل الغذائية، محورًا أساسيًا في خطة الدولة الزراعية، خاصة فيما يتعلق بإنتاج الخبز المدعم الذي يمثل عنصرًا رئيسيًا في الأمن الغذائي للمواطنين.
حيث أكد وزير الزراعة، علاء فاروق، أن الدولة حرصت هذا العام على إعلان سعر عادل لأردب القمح بلغ 2200 جنيه، في خطوة تهدف إلى دعم الفلاح المصري وتحفيزه على زيادة معدلات الإنتاج وأوضح أن هذا القرار يأتي ضمن إطار أوسع تسعى من خلاله الحكومة إلى تحقيق الاستقرار الزراعي وتعزيز الإنتاج المحلي.
وأشار فاروق إلى أن كميات القمح التي تم توريدها حتى الآن بلغت نحو 4 ملايين طن، مع توقعات بأن تصل إلى 9.5 مليون طن بنهاية موسم الحصاد. ولفت إلى أن هذه الأرقام تعكس استجابة جيدة من المزارعين، وتؤكد جدية الدولة في تحقيق هدفها الإستراتيجي المتمثل في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من القمح المستخدم في إنتاج الخبز المدعم، وهو ما يُعد خطوة محورية نحو تعزيز الأمن الغذائي في البلاد.
وفيما يتعلق بمستلزمات الإنتاج الزراعي، أوضح الوزير أن كل مزارع يحصل حاليًا على نصف الكمية المقررة له من الأسمدة، مشددًا على ضرورة أن يطالب الفلاحون بحقوقهم الكاملة وعدم السماح بوجود تلاعب أو تحكم من قبل مسؤولي الجمعيات الزراعية في الكميات المخصصة لهم وأكد أن الوزارة تتابع هذا الملف عن كثب لضمان عدالة التوزيع وسهولة الوصول إلى مستلزمات الإنتاج.
واختتم الوزير تصريحاته بالتأكيد على أن الحكومة تعمل على تنفيذ خطة شاملة لتطوير قطاع الزراعة، ترتكز على دعم المزارعين وتيسير حصولهم على ما يلزم من مدخلات الإنتاج، بما يسهم في رفع كفاءة القطاع وتحقيق التنمية المستدامة في الريف المصري.
توريد قوي يعكس التخطيط الجيد
وفي هذا السياق يقول الدكتور طارق محمود أستاذ بمركز البحوث الزراعية، إن توريد 4 ملايين طن قمح محلي هو مؤشر واضح على فعالية السياسات الزراعية التي اتبعتها الدولة في السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالتوسع الأفقي والرأسي في زراعة القمح، وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، موضحًا أن الدولة عملت على تسهيل عمليات التوريد من خلال فتح العديد من نقاط الاستلام وتوفير حوافز للمزارعين، مما شجعهم على التوريد بشكل منتظم.
وأضاف محمود، أن الدولة قدمت هذا الموسم دعما غير مسبوق للمزارعين، سواء من خلال تسعير عادل للقمح المحلي أو من خلال توفير التقاوي عالية الجودة والإرشاد الزراعي المستمر، وأشار محمود إلى أن تسعير القمح عند مستوى مجزٍ ساهم في تشجيع المزارعين على التوسع في زراعته، وهو ما انعكس على كمية التوريد المرتفعة لهذا الموسم.
اكتفاء ذاتي مستدام
وفي نفس السياق يقول الدكتور خليل المالكي الخبير الزراعي، أن الهدف الاستراتيجي للدولة هو تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بنسبة 70% على الأقل خلال السنوات القادمة، وهو ما يتطلب استمرار التوسع في الرقعة الزراعية وتحسين إنتاجية الفدان، مؤكدًا أن ما تم تحقيقه حتى الآن هو خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، لكن التحديات ما زالت قائمة، وعلى رأسها ندرة المياه وتغيرات المناخ، وهي تحديات تتعامل معها الدولة من خلال التوسع في زراعة القمح بالمناطق الجديدة واستخدام نظم الري الحديث".
وأضاف المالكي، أن منظومة القمح في مصر شهدت نقلة نوعية، خاصة مع دخول مناطق مثل توشكى والدلتا الجديدة ضمن خطط الزراعة التعاقدية، واعتماد الدولة على التكنولوجيا في تتبع الحصاد والتوريد، موضحًا أن هذه المنظومة تعزز من قدرة الدولة على التحكم في الأمن الغذائي وتقليل الفجوة الاستيرادية التي كانت ترهق الموازنة العامة، مشيرًا إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لم يعد حلمًا بعيد المنال، بل هدفًا قابلًا للتحقيق في ظل الدعم السياسي والإرادة القوية التي تبديها الدولة، إلى جانب وعي المزارع المصري الذي أصبح شريكًا حقيقيًا في معادلة الأمن الغذائي.
0 تعليق