على الرغم من أن الهجوم الإسرائيلي المباغت على إيران تسبب في بداياته في إحداث حالة من التشكيك في قدرات إيران على مواجهة العدوان فضلًا عن الرد عليه، بعد تدمير شبه كامل لمنصات الدفاع الجوي، فضلًا عن اغتيال معظم قادة الصف الأول في قيادات الحرس الثوري وهيئة أركان الجيش الإيراني، إلا أن سرعان ما لملمت إيران جراحها وبدأت في موجات غير متوقعة من حيث قوتها في قصف داخل الأراضي المحتلة، بالصواريخ البالستية، الأمر الذي تسبب في صدمة في الداخل الإسرائيلي الذي توهم أن الأمر بات محسومًا له.
الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أحمد السيد أحمد، يقول لـ"الرئيس نيوز": "الرد الإيراني عدل نسبيًا في موازين الصراع، وأنهى التصور الذي دام لساعات بأن إسرائيل هي المتحكمة في ميدان القتال وسماء إيران، فحينما استعادة إيران زمام الأمر قصفت تل أبيب بشكل غير مسبوق بعشرات الصواريخ البالستية، فضلًا عن إسقاط طارتين شبحيتين من طراز إف-35 وأسر أحد قائديها".
وأضاف الدكتور أحمد: "استمرار الوضع على ما هو عليه سيجبر أمريكا على أمرين إما التدخل المباشر لمساعدة حليفتها إسرائيل وتعديل كفتها، وهو ما يعني احتمالية التصعيد الكبيرة إذ إنه في هذه الحالة سيبدأ وكلاء إيران في التدخل في الحرب، وبالتالي ستزيد احتماليات التوتر، وستعود الاضطرابات إلى خطوط وممرات الملاحة في البحر الأحمر، أو أن أمريكا تضغط على الطرفين لوقف القتال تمهيدًا لاتفاقات وتفاهمات للعودة إلى المسار التفاوضي، وهنا من المؤكد أن دولًا عربية وازنة في تالمنطقة ستتدخل للوساطة ".
مكاسب إيرانية
من جانبه، قال السفير أحمد مجاهد، إن الرد الإيرانى على العدوان الإسرائيلي، قوى وغير متوقع، بل وأقوى من المتوقع، ويبدو أنه فاجأ الإسرائيليين كما فاجأ الجميع.
وأشار السفير في تدوينة عبر صفحته على موقع التواصل "فيسبوك" إلى أن الرد وإن بدا حتى الآن غير مساو فى الدرجة والأثر للهجوم الإسرائيلي، إلا أنه يحقق أهداف عدة، بينها أنه يحفظ ماء الوجه لطهران مرحليا، من خلال إظهار القدرة على الردع وإلحاق الأذى بإسرائيل. كما أن الرد الإيراني، يحيد نسبيا أثر الضربة الإسرائيلية على استمرارية النظام الإيرانى، ويرفع شرعية النظام الإيرانى الداخلية ويحقق أثر الالتفاف حول العلم، ويستعيد بعضا من الشعبية الإقليمية المنسحقة لإيران فى الشارع العربى".
وأضاف: "يذكرنا الرد الإيراني أنه حتى إسرائيل يمكن ضربها بالطول وبالعرض وفى العمق، وأن القبة الحديدية ممكنة الاختراق، ويرمى الكرة ويقلب الطاولة على نتينياهو واليمين المتطرف الحاكم باعتباره تسبب فى إدخال إسرائيل الآمنة إلى الملاجئ والجحور، وأين؟ فى قلب تل أبيب.
وأوضح السفير مجاهد أن الرد الإيراني يعمق أزمة نتنياهو، الذى ربما كان أحد أهدافه غير المعلنة لضرب إيران هو صرف الأنظار عن أزمته فى غزة وغياب استراتيجية الحل أو الخروج داخليا، وتحول صورة إسرائيل لدى الشعوب الغربية من دولة ديمقراطية محاصرة إلى منبوذة سيئة السمعة، مما يجعله حليفا ثقيلا ومزعجا لأصدقائه من الحكام الغربيين.
احتمالات مستقبلية
ويقول السفير مجاهد في تدوينته على "فيسبوك": "الرد الإيراني يعيد فتح احتمالات البدائل: إما التصعيد وإما العودة للمفاوضات. وما زلت عند رأيى أن هناك فجوة بين الموقفين الأمريكى والإسرائيلى: ترامب يريد منطقة هادئة تحت السيطرة وصفقات ومكاسب اقتصادية تحت "السلام الأمريكى" القائم على التجارة ووراءها العصا الغليظة لمن عصى، أما نتنياهو فيسعى لاغتنام الفرصة الاستراتيجية السانحة وتحقيق "السلام الإسرائيلى" القائم على السحق بالقوة العارية، والبقاء فى السلطة والتحول إلى أسطورة لدى شعبه بدلا من الانتهاء فى إحدى الزنازين الإسرائيلية".
يضيف السفير مجاهد: "قد تشهد الأيام وربما الأسابيع القادم محاولات أمريكية لإعادة إسرائيل إلى دورها المقبول أمريكيا وإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات؛ ونزول إسرائيل إلى الخطة (ب) بعد فشل خطتها الأولية فى إسقاط النظام الإيرانى، أى تعطيل البرنامج النووى لطهران وإعادته سنوات إلى الوراء كما فعلت سابقا، فضلا عن قطع الطريق على أى حل تفاوضى محتمل. أما إيران، فستسابق الريح لإجراء اختبار نووى، إن كانت بالفعل تمتلك الإمكانية".
يتابع: "يتوقف كل ذلك على مدى قدرة طرفى المواجهة على الصمود. إيران تحارب وحدها وحلفاؤها لا يعتمد عليهم فى أى مواجهات عسكرية، فى حين أن إسرائيل تحارب ويساندها الغرب الذى أظهر دعما يمكنها الاعتماد عليه. ولكن الأمر متوقف على إشارة أمريكية".
يختتم السفير مجاهد حديثه بالقول: "إذا كان هدف واشنطن هو فرض السلام الأمريكى ووضع سقف على النهم الاستراتيجى الإسرائيلى، فستترك الطرفين يتواجهان حتى الإنهاك، وربما يكون فى ذلك "إنضاج" أمريكى لمفاوضات جديدة بشروط تفرضها حالة الإنهاك تلك".
التصعيد هو الأرجح
أما الباحث في الشؤون الدولية، محمد كمال، فرجح عبر صفحته على موقع فيسبوك أن يكون التصعيد، بين الطرفين هو الأرجح؛ بمعنى استمرار العمليات العسكرية المتبادلة لعدة اسابيع. فاسرائيل تحبذ هذا السيناريو وترى أن هناك فرصة تاريخيّة لاضعاف ايران كخصم استراتيجى، والأمر هنا لايقتصر على تدمير البرنامج النووى بل إضعاف القدرات العسكريه التقليدية لايران، واهانة قيادتها العسكرية والسياسية، وتمهيد الأجواء لتغيير النظام من الداخل. بالإضافة للفوائد السياسية الداخلية التى يجنيها نتنياهو، واعتقاده ان هذا العمل سيرسخ مكانته فى تاريخ الدولة اليهوديه.
يضيف الباحث: "يحبذ ذلك ايضا أن الادارة الأمريكية فى حالة تخبط فيما يتعلق بايران وبرنامجها النووى، مابين حديث ترامب عن تفضيله لحل تفاوضى، وفى نفس الوقت وضعه لحد زمنى ٦٠ يوم للتوصل لاتفاق (والذى انتهى بالأمس) واصراره على عدم قيام ايران بالتخصيب وهو شرط لايمكن أن تقبله ايران".
يتابع: "غير منطقى ان ادارة ترامب شاركت فى عملية "خداع استراتيجى" كبرى لمصلحة إسرائيل من خلال المشاركة فى جولات التفاوض السابقة مع ايران لاتاحة الغطاء لإسرائيل للاستعداد للهجوم العسكرى. لايعنى هذا غياب التأييد الامريكى المطلق لإسرائيل، ولكن سيناريو الخداع صعب تصديقه لان ادارة ترامب بطبيعتها الفوضوية غير قادرة على ادارة أى شئ "استراتيجي" وخاصة لفترة طويلة من الزمن".
يتابع: "وقد استفاد نتنياهو من هذا التخبط الامريكى وغياب الرؤية وحصل على ضوء أخضر للعمل العسكرى ضد ايران. ومازال الموقف الرسمى الامريكى هو أن الولايات المتحدة غير متورطة فى الهجوم الاسرائيلى تحسبا لردود الفعل الإيرانية المحتملة. ولكن هذا الموقف قابل للتغيير فى حالة ضعف الرد الايرانى، وفى هذه الحالة ستسعى ادارة ترامب للحصول على بعض حقوق الملكية للانتصار الاسرائيلى، كما فعلت ادارة بايدن السابقة عندما حذرت من الهجوم على حزب الله ثم ايدت ذلك وادعت ان كان لها دور فى الانتصار الاسرائيلى".
يضيف: "من ناحية اخرى فإن الرد الايرانى على الهجمات الاسرائيلية، والذى احدث تدمير غير مسبوق فى إسرائيل كما شهدنا، سيؤدى لرد اسرائيلى جديد ثم رد ايرانى، وبالتالى استمرار حلقة التصعيد. وبالتالى معطيات سيناريو الاستمرار والتصعيد قائمة".
سيناريو التهدئة
وعن سيناريو التهدئة يقول كمال: "هو قائم أيضا، خاصة بعد الرد الايرانى، وإدراك اسرائيل ان ايران قادرة على إلحاق الضرر بها، وان البرنامج النووى الايرانى لايمكن تدميره بالكامل، وان النظام الايرانى لن ينهار بسهولة او بهدوء. وان التصعيد الايرانى قد يمتد لاهداف أخرى تضر بالمصالح الامريكية بشكل عام وبالممرات الملاحية التجارية، ويخلق أزمة اقتصادية يعاني منها الجميع".
يوضح ان فرصة التهدئة ترتبط بأحد نظريات التفاوض المسماه "مأزق الضرر المتبادل" Mutually hurting stalemate بمعنى ان كلا من طرفى الصراع يكون لديه القدرة على إلحاق الألم او الضرر بالطرف الاخر (استمرار القدرة على إلحاق الم متبادل حتى لو بنسب مختلفة) مع عدم القدرة على تحقيق الأهداف بالكامل، وعدم القدرة على الخروج من هذه المعضلة إلا بمساعدة طرف ثالث.
اتصالات ترامب
يشير الباحث محمد كمال إلى أنه ربما تشكل الاتصالات التى أجراها الرئيس ترامب مع قادة من دول المنطقة، بصيص أمل فى هذا الاتجاه، بحيث يتم طرح حل وسط يمكن أن تستخدمه كلا من ايران واسرائيل للخروج من هذه الورطة، وربما ادعاء الانتصار من كل طرف. ويستطيع ترامب ايضا الإعلان عن تحقيق انجاز.
يضيف: "هذا الأمر يتطلب جهد عربى أمريكى مشترك، وتواصل عربى مع ايران مقابل تواصل امريكى مع إسرائيل لاقناعها بالمخرج الدبلوماسى".
يختتم الباحث حديثه بالقول: "الخروج من مأزق الضرر المتباد" له سوابق نجاح فى الشرق الاوسط، ولكن ارتبط بوجود شخصيات، وخاصة فى الادارة الامريكية، تتمتع بالرؤية استراتيجية والمهارات الدبلوماسية لتحويل المأزق إلى فرصة للحل السلمى".
0 تعليق