اجتمع المفاوضون من واشنطن وطهران خلف أبواب مغلقة. جولة استغرقت أربع ساعات فقط في روما، لكنها تركت خلفها أصداء تتجاوز زمنها القصير، وأثارت تساؤلات عديدة: هل نحن أمام بداية جديدة، أم إعادة تدوير لوعود قديمة؟
ففي الوقت الذي تبدو فيه موازين الشرق الأوسط مضطربة بفعل الحروب والانقسامات، تبرز جولة روما كـ"لحظة اختبار" لمدى جدية الطرفين في العودة إلى طاولة الحل، بعدما انهار اتفاق 2015 تحت وقع انسحاب أمريكي في عهد ترامب، وتصعيد نووي إيراني متدرّج.
تفاهمات مبدئية... أم محاولة شراء وقت؟
وصف كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي، لقاء روما بأنه "خطوة إلى الأمام"، مؤكداً أن المحادثات كانت "بناءة وإيجابية"، مع وجود "تفاهم أفضل على المبادئ الأساسية". ورغم إقراره بأن الطريق لا يزال طويلاً، فإن اللهجة التي استخدمها عراقجي تختلف كثيراً عن النبرة الحادة التي سيطرت على التصريحات السابقة.
هل تغيّرت الأولويات؟ أم أن الطرفين يحاولان فقط تجنّب الانفجار الكامل؟ لا تزال الإجابة غامضة، لكن الأكيد أن روما لم تُنهِ الصراع النووي، لكنها حرّكت المياه الراكدة فيه.
سلطنة عمان تعود إلى دائرة الضوء
الجولة التالية من المحادثات من المفترض أن تُستكمل في سلطنة عمان، وهي الدولة التي تحوّلت خلال العقد الماضي إلى رئة دبلوماسية هادئة للصراعات المعقدة، بدءًا من الملف النووي وحتى النزاعات الإقليمية.
وبحسب التصريحات العُمانية، فإن الهدف من الجولة المقبلة هو الوصول إلى اتفاق "دائم وعادل" يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني ويضع حدًا للعقوبات المتصاعدة، دون أن يُشعر إيران بالمهانة السياسية أو التنازل غير المتكافئ.
البرنامج النووي يتقدم... والقلق الدولي يتضاعف
تشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران تمتلك مخزونًا من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب بشكل خطير من العتبة اللازمة لتصنيع سلاح نووي. ومع ذلك، لا تزال طهران تؤكد أن برنامجها سلمي بحت، وأنها مستعدة لفتح أبواب التحقق بشرط رفع العقوبات تدريجياً.
لكن واشنطن، من جهتها، لا تُخفي قلقها من "الاقتراب الخطير" لإيران من قدرات الاختراق النووي، وتُصر على إدراج آليات تحقق صارمة وتحديد جداول زمنية دقيقة لأي اتفاق مرتقب.
المفاوضات في ميزان المصالح الكبرى
بعيدًا عن التفاصيل الفنية، فإن جوهر التفاوض ليس فقط على تخصيب اليورانيوم، بل على ترسيم حدود النفوذ الإيراني في المنطقة، وضبط قواعد الاشتباك غير المباشر مع الغرب، وضمانات إسرائيلية وأوروبية بأن أي اتفاق لن يتحوّل إلى ورقة خاسرة جديدة.
ووسط خريطة جيوسياسية ملتهبة، فإن النجاح في جولة مسقط المقبلة قد يكون نقطة تحول… أو مجرد استراحة مؤقتة في طريق مجهول.
0 تعليق