بعد نحو أسبوع من العمليات الإسرائيلية ضد أهداف استراتيجية في إيران، لا تزال الأهداف الرئيسية للعمليات الإسرائيلية وهي تدمير أو تعطيل البرنامج النووي الإيراني غير قابلة لتحقيق حتى الآن؛ وربما يكون السبب في ذلك عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على استهداف المنشآت النووية الإيرانية الأكثر تحصينًا مثل منشأة "فوردو" التي تتواجد على عمق 100 متر تحت صخور الجبال؛ من دون الحصول على دعم مباشر من أمريكا.
ومع تصاعد احتماليات التدخل الأمريكي في الحرب ضد إيران، حذر مراقبون من تداعيات غاية في السلبية حال قررت أمريكا التدخل في الحرب.

8 تداعيات سلبية
دانيال شابيرو نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط سابقًا، يرى في تصريحات صحفية، أن قرار أمريكا التدخل في الحرب ضد إيران، سيترتب عليه نتائج وخيمة بينها أن القواعد الأمريكية في المنطقة فضلًا عن المصالح الأمريكية ستكون في مرمى نيران إيران ووكلائها، فإيران لا تزال تمتلك ترسانة من آلاف الصواريخ الباليستية قصيرة المدى والطائرات المسيرة.

يوضح شابيرو أنه ريما ستُفكر إيران أيضًا في إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط والغاز عبر تنفيذ حصار بحري، أو استخدام ألغام بحرية، أو ألغام لاصقة تُنشر بواسطة زوارق سريعة، أو مزيج من هذه الأساليب، مما سينتج عنه ارتفاع جنوني في أسعار النفط العالمية، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد العالمي والأمريكي.
وقد رجح مراقبون أن تتجاوز أسعار النفط 120 دولارًا، وانخفاض الأسهم الأمريكية بنسبة 10% إلى 15%، وانتعاش الأصول الدفاعية والملاذات الآمنة مثل الذهب والبتكوين.
وإذا ما قرر ترامب التدخل العسكري المباشر، فسيؤدي ذلك إلى انقسام في إدارته، نظرًا لترويجه المستمر لإبعاد الولايات المتحدة عن الحروب.
يتابع شابيرو أن الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو إعلان إيران مؤخرًا امتلاكها قدرًا هائلًا من المعلومات الاستخباراتية الاستراتيجية والحساسة عن المواقع النووية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن هذه المعلومات تُمكّنها من استهداف المواقع بشكل دقيق.
إذا ما تدخل وكلاء إيران في المنطقة فقد تجد إسرائيل نفسها قريبًا تخوض حروبًا متعددة الجبهات في وقت واحد.
تشير تقارير إلى أن إدارة ترامب تتخوف أيضًا من تداعيات فشل الضربة المحتملة لمنشأت فوردو النووية، فمن ناحية ستنهار رسميًا المفاوضات، وستقطع بذلك كل الحلول الدبلوماسية.

إلى جانب ذلك، هناك تساؤلات مهم تدور حاليًا في الإدارة الأمريكية، ماذا لو تم إسقاط الطائرة الشبحية "بي-2" التي تحمل القنبلة "الخارقة للتحصينات"؟ وهل القنبلة الخارقة للتحصينات قادرة على تنفيذ مهمتها بنجاح أم لا؟ وماذا لو فشلت القنبلة في تدمير مركز "فوردو" المحصن تحت الأرض؟ وقتها قد تعلن إيران رسميًا إنتاج القنبلة النووية.
يرجح مراقبون أنه في حال فشل القنبلة في تدمير منشأة "فوردو"، ستنتج إيران بلا شك قتبلة نووية، إذ تزهم تقارير أن ما تم تخصيبة حاليًا من اليورانيوم في إيران يكفي لإنتاج 10 قنابل نووية.
كما أن منشأة فوردو يُدرها خبراء روس، وقد حذرت موسكو من استهداف المنشأة حرصًا على سلامة خبرائها النووين، ومن غير المعقول أن تقبل أمريكا على هذه العملية من دون إخطار روسيا لإجلاء خبرائها من المنشأة النووية. ودون ذلك يعد تصعيدًا كبيرًا ضد روسيا، قد ينتج عنه صدام مباشر مع روسيا.
تخبط وعشوائية
الباحث في الشؤون الدولية، أحمد نبيل، قال عبر "فيسبوك" متسائلا: "السياسة الأمريكية تجاه إيران: خطة استراتيجية أم تفاعلات عشوائية؟"،
أوضح أن الكثيرين يسعون إلى تقديم إجابة لتفسير السياسة الأمريكية تجاه إيران خلال فترة ترامب الثانية والتغييرات والتصريحات التى تدعو للدهشة خلال الأيام الأخيرة.
أضاف: "هناك اتجاه يرى أن ما يحدث هو تنفيذ لخطة محكمة بها قدر من توزيع الأدوار بين أمريكا وإسرائيل، وفى تقديري أن هذا التفسير فيه قدر من التبسيط وإن استند فى أدلته على أمثلة تاريخية عديدة مثل دعوة الولايات المتحدة لايفاد مبعوث مصري لمفاوضات فى واشنطن فى ٧ يونيو 1967، رغم علم عبد الناصر مثلًا بأن إسرائيل ستشن هجومًا على مصر صباح 5 يونيو، وأمثلة عديدة آخرها المفاوضات مع حماس فى غزة".
يتابع: "أختلف مع هذا التفسير ببساطة لأن أمريكا الستينات تختلف عنها اليوم، فالسياسة الخارجية الأمريكية يديرها الرئيس، وأهم مبعوثيه رجل أعمال على شاكلته يتفاوض مع الروس والإيرانيين وحماس وأى طرف دولي دون إلمام كبير بخلفيات الصراعات. المسألة ببساطة أن الحضور المؤسسي فى السياسة الخارجية وتأثير بيئة صنع السياسية الخارجية والداخلية أو ما أسماه "ستيفن سكورنك" "بالزمن السياسي للرئيس" قل لصالح الرئيس نفسه الذي لا أبالغ عندما أقول أنه يشكل زمانه فى ظل الكونجرس الحالي. الأمر الذى فهمه نتنياهو مبكرًا فببساطة ترامب هو جمهوره الوحيد، وللذهاب إلى الحرب على إيران لابد من خلق مصلحة شخصية لترامب فى هذه الحرب وتأمينه سياسيا وداخليًا".
يضيف الباحث أحمد نبيل: "هنا سرد للتفاعلات السياسية فى الولايات المتحدة منذ شهرين بشأن إيران، حيث انخرط ترامب فى مفاوضات مفاجئة لإسرائيل، ورغبة ترامب فى تحقيق اتفاق مع إيران كانت تنبع من عدم رغبته فى خوض حرب، والحصول على المكاسب الاقتصادية التى ستنتج من علاقات جيدة مع إيران ليس فقط للولايات المتحدة ولكن له شخصيا وعائليًا لاسيما أن لديه العديد من الأصدقاء الإيرانيين الذين أبلغوه بالكثير عن إمكانيات البلد. نتنياهو أرسل وزير الشئون الاستراتيجية لمتابعة التفاوض من واشنطن متخطيًا صدمة بدء المفاوضات، لإدراج المطالب الإسرائيلية على الطاولة. مع الوصول لنقاط الخلاف الجوهرية، عرض خطة الحرب على ترامب بالتوازي مع تقارير وكالة الطاقة الذرية وعرض من رئيس أركان الجيش الأمريكي بيشير لعدم وفاء ايران بإلتزاماتها النووية والاسراع للوصول معدلات مرتفعة فى تخصيب اليورنيوم".
يتابع: "الخطة الإسرائيلية واضحة، إسرائيل تقود الحرب والفشل ينسب لها، والنجاح يعود لترامب. الأمر الذى خاطب رغبة داخلية لدى ترامب لأنه بعد مرور 50 يوم من المائة الثانية فى حكمه لم يحقق نجاحًا واحدًا على الصعيد الخارجي إلا فيما يخص مسألة التعريفات الجمركية (والأمر يحتاج لنقاش). الخطة كانت مغرية ببساط لأن تكلفت الإسناد اللوجيستي بسيطة للغاية مقارنة بعوائد النصر. ترامب قبل المخاطرة والنجاح فى اليوم الأول أشعره بأن هذه اللحظة المناسبة للإعلان عن دوره، ولكن تبدل الأمر عسكريًا قاده للتراجع بعض الشيء، مع تعالى أصوات النقد من حركة ماجا للمشاركة فى الدفاع والدعم اللوجيستي وتحذير من المشاركة الهجومية".
يضيف: "تواصل غامض وغير مباشر مع نتنياهو أول أمس فى كندا أشارت إليه تقارير عبرية بشكل مقتضب دفع ترامب لمغادرة قمة السبع على عجل، وعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي أمس، ودعوة ايران لتوقيع اتفاق استسلام، بل واقناع أعلى مسئول رسمي ينتمى لحركة ماجا بموقف ترامب من ايران وهو النائب "فانس". لا يعلم أحد ما عرضه نتنياهو على ترامب، ولكن السفير الإسرائيلي فى واشنطن صرح أمس أن مساء الخميس سيتم تنفيذ عملية ستكون عملية البيجر بالمقارنة لها بسيطة".
يتابع: "كل هذه التفاعلات تدفعنى للقول بأنه لا خطة وأن العشوائية تسيطر على المشهد برمته، وهذا كابوسًا حقيقيًا، ففى حالة وجود خطة وبغض النظر عن عدم أخلاقيتها فإننا ربما نكون بصدد تجنب الخيارات النووية والفوضى العارمة التى قد تنتج عن سقوط نظام عدد سكانه أربع أضعاف سكان العراق عام 2003 بدون قوات برية، وعلى خطوط تماس مع باكستان وافغناستان. العشوائية والمصالح الضيقة قد تتخلص من النظام الإيراني، ولكنها قد تفتح أبوابًا جحيمية تحمل معها المجهول".
0 تعليق