في مثل هذا اليوم 21 يونيو 1905، وُلد جان بول سارتر، الفيلسوف والكاتب والمسرحي والناشط السياسي الفرنسي، الذي لم يكتفِ بعبور الحياة، بل ترك بصمة فكرية وإنسانية عميقة ستظل خالدة في وجدان البشرية.
بدأ سارتر مسيرته أستاذًا للفلسفة، لكنه سرعان ما تجاوز حدود القاعات الدراسية إلى ميادين الفكر والسياسة والمقاومة. شغفه بالحرية قاده إلى ألمانيا طالبًا للعلم، قبل أن تجرفه أهوال الحرب العالمية الثانية إلى اختبار وجودي صعب: احتلال ألمانيا لوطنه فرنسا. لم يتردد، فانضم إلى صفوف المقاومة، محاربًا بالكلمة كما بالبندقية، ومجسدًا قناعته أن الفلسفة ليست درسًا بل موقف.

رائد الوجودية وناقد العقل
ارتبط اسم سارتر بالفلسفة الوجودية، التي رأت في الإنسان مشروعًا مفتوحًا ومسؤولًا عن اختياراته، حيث تصبح الحرية عبئًا وقلقًا وطريقًا لاكتشاف الذات. وعبّر سارتر عن رؤيته تلك في أعماله الكبرى، مثل "الوجود والعدم" (1943) الذي يُعد من أعمدة الفلسفة الحديثة، و"الوجودية مذهب إنساني" (1945)الذي حاول فيه تبسيط الوجودية للقراء، و"نقد العقل الجدلي" (1960) حيث التقى عنده الوجودي بالماركسي.
لم يكن سارتر فيلسوفًا في برجه العاجي، بل أديبًا أيضًا. كتب روايات أيقونية مثل "الغثيان" (1938) وثلاثية "طرق الحرية" (1945)، وقدم قصصًا قصيرة مثل "الحائط"، حيث امتزج السرد بالتحليل الوجودي. وامتدت فلسفته إلى المسرح في أعمال مثل "الذباب" (1943) و"الغرفة المغلقة" (1944) و"مساجين ألتونا" (1959)، والتي تحولت إلى فضاءات لمساءلة الضمير والاختيار والمعنى.
شراكة فكرية وإنسانية
إلى جواره، وقفت شريكته في الفكر والحياة سيمون دي بوفوار، الفيلسوفة والمفكرة التي كانت صوته الموازي وضميره النقدي.
رفض جائزة نوبل
وفي 1964، حين توّجت لجنة نوبل مسيرته بجائزة الأدب، رفض سارتر الجائزة في موقف صادم للعالم، معلنًا رفضه تحويل الكاتب إلى مؤسسة أو رمز سلطوي.
إرث لا يموت
حتى سنواته الأخيرة، ظل سارتر منتجًا وناقدًا ومفكرًا. كتب سيرته الذاتية "الكلمات" (1964)، وقدم قراءات نقدية عميقة لشخصيات أدبية مثل فلوبير في "أحمق العائلة"، وبودلير، ومالارميه، وجان جينيه. وفي 15 أبريل 1980، رحل سارتر، تاركًا مكتبة فكرية شاهدة على رجل عاش من أجل الحرية، ومات وفيًا لها.
0 تعليق