الأحد 22 يونيو 2025
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
سياسة

فى سياق تصعيد مدروس ضمن حملة موسعة لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب وقطع شبكات الدعم اللوجستى والتقنى التى تعتمد عليها إيران ووكلاؤها فى المنطقة، اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) الجمعة ٢٠ يونيو ٢٠٢٥ إجراءات مزدوجة ومترابطة.
استهدفت من جهة شبكات توريد المكونات التكنولوجية المتقدمة إلى الحرس الثورى الإيراني، ومن جهة أخرى الشبكات التجارية والمالية المعقدة التى يستخدمها الحوثيون لتمويل عملياتهم العسكرية والبحرية فى اليمن والبحر الأحمر.
هذا التحرك الثنائى يؤكد ليس فقط تكامل الأدوات الأمريكية فى مواجهة الأنشطة المزعزعة لاستقرار المنطقة، بل يعكس أيضًا اعترافًا صريحًا بطبيعة الترابط العضوى بين إيران والحوثيين على مستوى التهريب والتمويل والتنظيم العملياتي.
عقوبات دقيقة فى توقيت حساس
ففى الإجراء الأول، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، من خلال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، عن تصنيف فرد واحد وثمانى كيانات، إضافة إلى تحديد سفينة واحدة كممتلكات محظورة، لتورطهم فى عمليات شراء ونقل معدات حساسة موجهة لصناعة الدفاع الإيرانية، وبالأخص تلك المرتبطة بالحرس الثورى الإيرانى وبرامج الصواريخ والطائرات دون طيار.
وقد جاء هذا الإجراء ضمن جهود واشنطن المستمرة لتعزيز مذكرة الأمن القومى الرئاسية رقم ٢، التى تهدف إلى منع إيران من تطوير قدرات عسكرية تهدد الأمن الإقليمى والدولي، وحرمان الحرس الثورى الإيرانى من الموارد التقنية والمادية التى تمكّنه من مواصلة أنشطته المزعزعة للاستقرار.
السفينة التى تم تحديدها، وتحمل اسم SHUN KAI XING، كانت ترفع علم بنما ومملوكة لشركة Unico Shipping Co Ltd ومقرها هونغ كونغ، وقد كانت السفينة فى طريقها إلى إيران وهى تحمل شحنة من المعدات ذات الاستخدام المزدوج لصالح شركة Rayan Roshd Afzar (RRA)، التى سبق تصنيفها لدورها فى دعم برامج الطائرات المسيّرة الإيرانية. وشركة Towse Sanaye Nim Resanaye Tarashe، وهى كيان يسيطر عليه مسئولون تنفيذيون فى شركة RRA. وتؤكد الوثائق والشهادات أن السفينة كانت تنقل معدات عالية الحساسية مثل آلات القطع الإلكترونية وقطع الدوائر المتكاملة، فى إطار سلسلة معقدة من الشحنات والتحايل على بوالص الشحن.
ويقف خلف هذه الشبكة المعقدة مجموعة "رايان فان كاف أنديش" الإيرانية، التى تضم عددًا من الشركات المرتبطة ببعضها البعض إداريًا وتمويليًا، ويقودها أفراد سبق تصنيفهم مثل محسن بارساجام، فرشاد حكيم زاده، وسيد رضا قاسمي، وكلهم على صلة وثيقة بالحرس الثورى الإيراني.
وتؤكد وزارة الخزانة أن هذه المجموعة كانت تقدم دعمًا مباشرًا فى تطوير وإنتاج أنظمة الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، كما تشير المعطيات إلى تورط محمد رضائي، نائب مدير منظمة أبحاث وجهاد الاكتفاء الذاتى التابعة لقوة الحرس الثورى الإيرانى الجوية الفضائية، ما يعكس الطبيعة المؤسسية لهذه الأنشطة.
العملية التى تم الكشف عنها لم تقتصر على إيران فقط، بل شملت شبكة دعم دولية امتدت من الصين إلى سنغافورة وتركيا وهونغ كونغ، شملت شركات فوتيك ودونغقوان زانيين وشنتشن شينشين وV-Shipping، التى تورطت جميعها بشكل مباشر فى نقل أو تسهيل شحن المعدات إلى كيانات إيرانية مصنفة.
كما أظهرت التحقيقات أن بعض هذه الشركات لجأت إلى تزوير وثائق الشحن وإسقاط أسماء المستلمين الإيرانيين بهدف تضليل السلطات ومواصلة الشحنات إلى موانئ مثل بندر عباس، كما جرى تصنيف الربان الصينى تشانغ يانبانغ، الذى قاد السفينة "شون كاى شينغ" مع علم مسبق بطبيعة وجهتها ومحتوى شحنتها.
وقد أشارت وزارة الخزانة الأمريكية بوضوح إلى أن هذا التحرك يأتى بموجب الأمر التنفيذى ١٣٣٨٢، الذى يستهدف ناشرى أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها، ويُمثل خطوة إضافية ضمن سلسلة من العقوبات التى طالت على مدار السنوات الماضية مختلف الأفراد والشركات المرتبطة بالبنية التحتية الدفاعية الإيرانية، بما فيها الحرس الثورى الإيرانى وقواته الخاصة
فى موازاة ذلك، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عن أكبر إجراء حتى الآن ضد جماعة الحوثي، حيث استهدف أربعة أفراد و١٢ كيانًا وشركتين مالكتين لسفينتين، قامتا بخرق العقوبات وتفريغ شحنات نفط فى موانئ يمنية خاضعة لسيطرة الجماعة.
وقد أظهرت التحقيقات أن هذه الشبكة تعمل ضمن بنية اقتصادية متكاملة تستخدم شركات واجهة ووسطاء تجاريين وماليين لنقل النفط الإيرانى وبيعه داخل السوق اليمنية بسعر مرتفع، ثم تحويل العائدات عبر قنوات سرية إلى قادة الجماعة وممولى عملياتها العسكرية.
وتظهر أسماء الشركات المستهدفة مثل "بلاك دايموند" و"رويال بلس" و"أبوت" أنها لم تنشأ كمبادرات اقتصادية طبيعية، بل كواجهات مباشرة أُنشئت خصيصًا لخدمة المشروع الحوثى بتوجيه إيراني، حيث ارتبطت إداريًا وتمويليًا بعبد الملك الحوثى ومحمد عبد السلام وشبكات مالية أخرى تدير عمليات تحويل مرتبطة بالحرس الثورى الإيراني.
وتشير البيانات الأمريكية إلى أن هذه الشركات لا تكتفى بتهريب النفط فحسب، بل تُستخدم كذلك فى شراء معدات إلكترونية، ومكونات طائرات مسيّرة، وحتى فى تمويل تحركات بحرية عدائية فى البحر الأحمر، حيث يتم توجيه العائدات نحو تسليح الميليشيا وتعزيز قدراتها البحرية.
وتلعب شخصيات مثل دغسان أحمد دغسان وعلى أحمد طليع أدوارًا مركزية فى التنسيق بين مختلف شركات الواجهة، بالتوازى مع العمل على تأسيس شركات جديدة بأسماء أقارب وأشخاص غير معروفين لتجنب الرصد الدولي، فى أسلوب يشبه كثيرًا ما فعله الحرس الثورى فى العراق وسوريا ولبنان.
وتُظهر الوثائق الأمريكية أن الموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وعلى رأسها ميناء رأس عيسى، باتت نقاط تهريب نشطة ترتبط بعمليات تمويل مزدوجة، فمن جهة تصل إليها شحنات نفط إيرانية يتم بيعها فى السوق السوداء اليمنية.
من جهة أخرى؛ تستخدم كمنصة لتفريغ شحنات عسكرية أو مواد ذات استخدام مزدوج يتم إدخالها تحت غطاء تجاري، مع تورط مباشر لمدير الموانئ الحوثى زيد الوشلي، الذى بات يُعد بمثابة همزة الوصل بين المشتريات العسكرية للحوثيين وعمليات التفاوض مع الشركات المرتبطة بإيران وروسيا.
وفى خرق واضح للترخيص الأمريكى المعروف باسم GL ٢٥A، والذى انتهت صلاحيته فى أبريل ٢٠٢٥، أظهرت تقارير الاستخبارات الأمريكية أن ثلاث سفن على الأقل، وهى "فالنتي" و"سارة" ومنطقة "أتلانتس"، واصلت نقل وتفريغ المنتجات البترولية المكررة فى موانئ يسيطر عليها الحوثيون، بالتنسيق مع شركات الشحن Best Way وOcean Voyage وAtlantis M. Shipping..
هذه العمليات، التى تم تنفيذها بعد انتهاء فترة السماح القانونية، اعتُبرت دليلًا إضافيًا على التعاون المستمر بين وكلاء النقل الدولى وشبكات الحوثيين، وتؤكد أن الجماعة باتت تمتلك قدرة ذاتية على تمويل نفسها خارج إطار أى اتفاق دولى أو دعم إنساني.
وبينما اتخذت الولايات المتحدة إجراءات حاسمة لإدراج السفن والشركات ضمن قائمة العقوبات، أكدت وزارة الخزانة أن أى تورط فى دعم جماعة الحوثي، حتى لو عبر خدمات تجارية أو لوجستية، يُعرّض الأفراد والكيانات لعقوبات مالية صارمة، ويهدد سلامة السفن وطاقمها فى ظل الهجمات البحرية التى ينفذها الحوثيون بانتظام فى البحر الأحمر وباب المندب.
ويرى المراقبون أن توقيت الإجراءين الأمريكيين المتوازيين ليس عشوائيًا، بل جاء فى مرحلة مفصلية تُعيد واشنطن فيها ترتيب أولوياتها الأمنية فى المنطقة، فى ضوء التصعيد البحرى المتزايد من جانب الحوثيين، والتوسع التكنولوجى العسكرى الإيراني، خاصة فى برامج الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة.
ويرى بعض المحللين أن الدمج العملى بين أدوات الردع ضد إيران والحوثيين لم يعد مسألة رمزية، بل ضرورة عملياتية قائمة على فهم واشنطن لحقيقة العلاقة التكاملية بين الطرفين، حيث بات الحوثيون يُشكلون امتدادًا ميدانيًا حقيقيًا للقدرات الإيرانية، بما فى ذلك القدرة على تعطيل خطوط الملاحة الدولية أو تهديد الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة.
وهكذا لم تعد الإدارة الأمريكية تفرّق بين من يصنّع السلاح ومن يستخدمه، ولا بين من يهرّب ومن يموّل، فالجميع بات ضمن شبكة واحدة يتم تفكيكها تدريجيًا وبشكل ممنهج، باستخدام أدوات قانونية ومالية وأمنية، تتجاوز السرديات الدبلوماسية التقليدية لتلامس صميم البنية اللوجستية التى تعتمد عليها إيران لتثبيت نفوذها وفرض وكلائها فى المنطقة.
0 تعليق