
مع كل دورة جديدة لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، تتجدد صورة المغرب كمنصة متعددة الأبعاد للحوار الثقافي والدبلوماسية الناعمة. فالمهرجان الذي تجاوز ربع قرن من الاستمرارية، لم يعد مجرد تظاهرة فنية أو مناسبة احتفالية موسمية، بل تحول إلى مشروع ثقافي وإنساني عميق يتجاوز حدود الفن إلى آفاق السياسة والثقافة والدبلوماسية.
الصويرة، هذه المدينة المتوسطية الإفريقية، لا تمثل فقط فضاءً جغرافياً يلامس البحر وينفتح على المحيط، بل تجسد مرآة لمغرب متنوع، يستلهم جذوره الإفريقية العريقة وينفتح في ذات الوقت على العالم بثقة واعتزاز. وعلى امتداد أكثر من ست وعشرين دورة، رسخ المهرجان مكانته كموعد دولي يحج إليه عشاق الثقافة من مختلف بقاع الأرض.
إن موسيقى كناوة ليست مجرد ألحان وإيقاعات، بل فعل ثقافي وفلسفي يحمل دلالات عميقة. ففي زمن الهيمنة الثقافية والتجانس القسري، يقدم هذا المهرجان نموذجاً للسيادة الثقافية المغربية في أبهى تجلياتها، ويعيد الاعتبار للهوية المغربية وللإرث الإفريقي كأحد مكونات الشخصية الوطنية. ومن خلال أنغام القراقب وأوتار الكمبري، يتردد صدى رحلة الإنسان الإفريقي في سعيه نحو الحرية والكرامة والعدالة. ففن المعلمين الكناويين يتجاوز الفلكلور ليصبح مقاومة ثقافية ضد النسيان، وضد اختزال إفريقيا في الهامش.
لقد أدرك المغرب منذ سنوات أن الثقافة ليست ترفاً إجتماعيا بل رافعة استراتيجية للسيادة الوطنية، وأداة فاعلة للدبلوماسية الثقافية الذكية. فاختار أن يصنع عولمته الخاصة، المنبثقة من تاريخه وهويته وذاكرته الجماعية الممتدة عبر القرون، حاملاً بذلك رسائل حضارية متجددة في عالم يعيد تشكيل موازين التأثير والهيمنة.
ولا تقتصر أهمية المهرجان على بعده الفني، بل يتجاوزه ليشكل فضاءً مفتوحاً للنقاش العمومي حول قضايا كبرى تشغل المجتمعات المعاصرة: الهجرة، الشتات، الهوية، المساواة، حقوق الإنسان، قضايا الشباب والتنمية الثقافية. وفي هذا السياق، يكتسي منتدى حقوق الإنسان المصاحب للمهرجان مكانة خاصة كمنصة للنقاش الحر والمعمق حول تحديات الحاضر وآفاق المستقبل.
ويمثل النجاح المتواصل لهذا المشروع الثقافي ثمرة لرؤية ملكية مستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من الثقافة ركناً محورياً في المشروع التنموي الوطني وأداة أساسية في تعزيز الحضور المغربي إقليمياً ودولياً.
وبين كل دورة وأخرى، يؤكد مهرجان كناوة أن الثقافة تظل الجسر الأكثر متانة بين الشعوب، والمجال الأرحب لترسيخ قيم السلام والكرامة الإنسانية.
من الصويرة، مدينة الرياح والجذور، تنطلق رسالة المغرب الثقافية، حاملة معها صوت إفريقيا الواثق وإيقاعها المتجدد نحو العالم.
النشرة الإخبارية
اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا
اشترك
يرجى التحقق من البريد الإلكتروني
لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.
لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.
0 تعليق