في زمن تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية ويتقاطع فيه مسار القوى الكبرى، يبرز الحدث الأخير الذي شهدته القاعدة الأمريكية في قطر كعلامة بارزة على الاستراتيجيات المعقدة التي تتبناها الدول في سعيها لإبراز قوتها دون الوقوع في دوامة الصراع المفتوح.
وتتجلى الأبعاد المتعددة لهذه الضربة الصاروخية، التي أُعلنت في وقت حرج، كدرسٍ يتجاوز البعد العسكري ليصبح بمثابة عرض مسرحي يتضمن رسائل دقيقة تُوجه إلى جماهير محلية وإقليمية وعالمية.
تحتل هذه الأحداث مكانةً محورية في قراءة المشهد الإقليمي، حيث تتجلى فيها مهارة طهران في المناورة والاحتفاظ بالرصانة الاستراتيجية، مما يثير تساؤلات جوهرية حول المستقبل. في ظل تلك التحولات، تظل القدرة على فهم النوايا والرسائل المحيطة بهذه الضربات مسألة حاسمة، مما يعكس توازنات جديدة ويعيد تشكيل المعادلات على الساحة الدولية.
قالت إيرينا تسوكرمان، محامي الأمن القومي الأمريكي، تُعدّ الضربة الصاروخية الأخيرة على القاعدة الأمريكية في قطر مثالاً بارزاً على المسرح الاستراتيجي، وهو استعراض مُدبّر بعناية يهدف إلى إظهار القوة دون إثارة صراع شامل.
وأوضحت إيرينا تسوكرمان، محامي الأمن القوم الأمريكي، خلال تصريحات خاصة لـ “مصر تايمز”، لا يتعلق هذا الحادث بالتسبب في أضرار عسكرية جسيمة بقدر ما يتعلق بصياغة خطاب يخدم جماهير متعددة - محلية وإقليمية وعالمية، تُدرك إيران تماماً أن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة تنطوي على مخاطر جسيمة، بما في ذلك ضربات انتقامية مُدمّرة محتملة وزعزعة استقرار إقليمية واسعة النطاق، ونتيجةً لذلك، اتسم نهج طهران بضبط النفس المُدروس، مُوجّهاً ضربات رمزية تُحافظ على مظهر القوة مع تجنب التصعيد الذي لا رجعة فيه.
وأضافت يُبرز اختيار الهدف بحد ذاته هذا البعد المسرحي، فقاعدة العديد الجوية، رغم كونها مركزًا عسكريًا أمريكيًا بالغ الأهمية في المنطقة، أُبلغت مسبقًا، بحسب التقارير، بالهجوم الصاروخي، مما سمح باتخاذ تدابير دفاعية لاعتراضه أو تخفيف أضراره.
ويشير عدم وقوع إصابات وحدوث دمار مادي ضئيل إلى تجنب متعمد لإثارة رد عسكري قاسٍ، ويُعدّ هذا الاستهداف الدقيق، أو ربما حتى التحذير المتعمد، بمثابة رسالة أكثر منه ضربةً تهدف إلى إضعاف القدرة العسكرية.
ومن خلال الرد على الغارات الجوية الأمريكية السابقة على المنشآت النووية الإيرانية بعدد مماثل من الصواريخ، تُشير إيران إلى معاملة بالمثل مُدروسة تُناسب جماهيرها المحلية، مُظهرةً قدرتها على "الرد بالمثل" مع الحفاظ على رباطة جأشها الاستراتيجية، و يخدم هذا الأداء عدة أهداف استراتيجية في آنٍ واحد.
فعلى الصعيد المحلي، يُعزز هذا الأداء رواية النظام حول قدرته على الصمود في وجه العدوان الأجنبي، وهو أمرٌ ضروريٌّ لتعزيز شرعيته الداخلية في ظل الصعوبات الاقتصادية والعقوبات الدولية.
وعلى الصعيد الإقليمي، يُؤكد استمرار نفوذ طهران وقدرتها على إبراز قوتها رغم الضغوط المُستمرة، على الصعيد الدولي، يُعقّد هذا الأمر حسابات واشنطن وحلفائها، مُذكّرًا إياهم بأن أي أعمال عدوانية ستُقابل بردٍّ ملموس، وإن كان مُتحكّمًا فيه، ويُجسّد هذا التوازن استراتيجية إيران الأوسع نطاقًا في السنوات الأخيرة: استغلال التكتيكات غير المتكافئة لتشكيل الحقائق الجيوسياسية مع تجنّب الهزيمة العسكرية المباشرة.
علاوة على ذلك، ينبغي النظر إلى هذه الضربة الصاروخية ضمن السياق الأوسع لحملة إيران الإعلامية الاستراتيجية المستمرة، فبإظهارها قدرتها على تهديد الأصول الأمريكية بعيدًا عن حدودها، تُشير إيران إلى أنها لا تزال لاعبًا قويًا قادرًا على منافسة النفوذ الأمريكي في الخليج وما وراءه.
و يُعدّ هذا الهجوم الصاروخي فصلاً من دراما جيوسياسية مُعدّة بعناية، وتواجه واشنطن معضلةً استراتيجيةً مُعقّدة: فالردّ بقوةٍ مُفرطة يُخاطر بتحويل الصراع إلى حربٍ أوسع نطاقًا مع إيران، بينما قد يُنظر إلى الردّ الصامت أو الرمزي على أنه ضعف، مما قد يُشجّع طهران. ومن المُرجّح أن تُقيّم الولايات المتحدة المعلومات الاستخباراتية المُتاحة حول الأضرار الفعلية الناجمة عن الضربة والنوايا وراءها قبل تحديد أيّ إجراءاتٍ مُضادة.
تاريخيًا، أبدت الولايات المتحدة تفضيلها للردود المدروسة في مثل هذه السيناريوهات، خاصةً عندما لا تقع إصابات أمريكية ويبدو أن الهجوم مُصمم للإشارة أكثر منه للتدمير. قد تُشكل الضغوط الدبلوماسية، وتشديد العقوبات، وزيادة أنشطة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، الأدوات الفورية بدلاً من الضربات العسكرية. قد تسعى إدارة بايدن، أو أي قيادة أمريكية تُشرف على الوضع، إلى استغلال الشركاء الدوليين لزيادة عزلة إيران، مُستخدمةً الضربة الصاروخية دليلاً على سلوك طهران المُزعزع للاستقرار.
احتمالية رد عسكري أمريكي
مع ذلك، لا يُمكن استبعاد احتمالية رد عسكري مُستهدف ومتناسب تمامًا، خاصةً إذا تصاعدت الاستفزازات الإيرانية اللاحقة أو تعرضت المصالح الأمريكية لتهديد مباشر مرة أخرى. من المُرجح أن يكون هذا الرد دقيقًا ومحدودًا، ويهدف إلى إضعاف القدرات العسكرية الإيرانية دون إثارة صراع مفتوح. تُوفر الجاهزية العملياتية للجيش الأمريكي وتحالفاته الإقليمية مرونة كبيرة للرد السريع عند الضرورة، ولكن يبدو أن الحذر في تجنب تصعيد لا يُمكن السيطرة عليه هو الموقف السائد.
هل تفجّر الضربة الإيرانية توازنات جديدة في الخليج؟
في نهاية المطاف، سيعتمد مسار العمل الأمريكي بشكل كبير على تطورات الأيام والأسابيع المُقبلة: خطوات النظام الإيراني اللاحقة، والتحولات في الديناميكيات الإقليمية، والمشاركة الدبلوماسية الأوسع للمجتمع الدولي. في الوقت الحالي، يبدو أن واشنطن تسعى إلى تحقيق توازن دقيق، حيث تُبرز القوة والعزيمة مع تجنب الخطوات التي قد تُورّط المنطقة في حرب مُوسّعة.
وفي وقت سابق، أفاد موقع "أكسيوس" بأن إيران أطلقت 6 صواريخ باتجاه قواعد أمريكية في قطر.
من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية القطرية إغلاق المجال الجوي مؤقتًا، حرصًا على سلامة المواطنين والمقيمين.
كما أوصت الحكومة البريطانية رعاياها في قطر بالبقاء في أماكنهم حتى إشعار آخر، بحسب ما أفادت به قناة "القاهرة الإخبارية" في خبر عاجل.
وفي السياق ذاته، أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الحاجة إلى "الاستقرار الإقليمي" في الشرق الأوسط، وذلك بعد إجرائه مباحثات مع مسؤولين أمريكيين في ظل استمرار إسرائيل في استهداف مواقع إيرانية اليوم الاثنين.
وذكرت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا) أن تصريحات لامي جاءت عقب مباحثات هاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وذلك بعد شن القوات الأمريكية هجمات جوية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية. كما أجرى لامي اتصالًا بوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو.
وكتب لامي عبر منصة "إكس": "أجريت مباحثات مهمة هذا المساء مع الوزير روبيو بشأن الوضع في الشرق الأوسط".
وأضاف: "سوف نستمر في العمل مع حلفائنا لحماية شعوبنا، وتأمين الاستقرار الإقليمي، والدفع نحو حل دبلوماسي".
وكانت الحكومة البريطانية قد صرحت، مساء أمس الأحد، بأن ستارمر وترامب اتفقا على ضرورة عدم السماح لطهران بتطوير سلاح نووي، كما دعوا إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق