في سبيل دعم انتشار الثقافة البصرية والفنية بالمغرب، ودعم الناشرين والمصمّمين والمبدعين، اقترح الأستاذ الجامعي ورئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي، جعفر عاقيل، إضافة جائزة جديدة إلى “جائزة المغرب للكتاب” تكون خاصة بـ”الكتب البديعة” الفنية.
جاء ذلك خلال الندوة التي نظّمها المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الثلاثين، أمس الأحد، بمبادرة من النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين. ووضّح عاقيل لهسبريس على هامشها أن مثل هذه المبادرة من الدولة “ستخلق المنافسة التي تحتاجها هذه الكتب لتشجيع المبدعين والناشرين (…)، فتنظيم جائزة مستقلة عن الجوائز الخاصة بالكتاب، تختص بكتب الفنون التشكيلية أو الرسوم أو الفوتوغرافيا، يشجع الناشرين على تحمل مغامرة نشرها رغم تكلفتها الكبيرة (…)، كما يتيح ذلك انتشار النقد والثقافة البصرية، وصقل النظرة لدى الشباب، وتقريب الفن بشكل عام، والفوتوغرافي خاصة، للجمهور الواسع، والحفاظ على اللغة في هوية الشعوب وثقافتها، لأنه مع الثورة التكنولوجيا نبتعد عن ثقافتنا وهويتنا المتعددة، واللغة تلعب دورا مهما في هذا، والخطاب البصري قادر على الإسهام في هذا المجال”.
وتطرقت مداخلة عاقيل، خلال ندوة “نظرة على الفنون.. الكتاب الفني بالمغرب”، إلى “نموذج الألبوم الفوتوغرافي (…)، الذي هو كتاب يتقاسم مع الكتاب الورقي مشاكل يتخبط فيها، خاصة مع التحولات الرقمية التي تعرفها المجتمعات الراهنة، والمجتمع المغربي، لأنها عصفت بتقاليد القراءة، وحملت معها شكل إدراك جديد للثقافة والفن، بما فيها القراءة، وحاملها لدى الشباب”، علما أنه “ليست لدينا صناعة للكتاب بمعنى الكلمة، رغم إسهامات الأفراد والمؤسسات، وأعني بالصناعة مستوى انتقاء المواضيع، والمشاكل التي يمكن من خلالها إغراء القارئ بالكتاب، ولا أقصد نشر التفاهة، بل انتقاء مواضيع تهم العلوم الإنسانية والحقة والفنون (…) وكيفية الاهتمام بالغلاف (…) والاحترافية في لجان القراءة، والإعلام بعد الصدور، والنقد والمواكبة النقدية الإعلامية والمحترفة”، وهو ما يمتدّ إلى مستوى الشفافية بين الكاتب والناشر.
وتابع قائلا: “هذه مشاكل عامة للكتاب تنطبق أيضا على الكتاب الفني، ومنها مشكل التوزيع أيضا الذي يقتصر عامة على المدن الكبرى، وليس هناك مجهود في المدن الصغرى البعيدة (…)، التي لا نجد في مكتباتها تغطية شاملة للكتّاب المغاربة”.
وفي ظل هذه الظروف “يحاول الكتاب الفني أن يجد ذاته، ويؤسس خطابه المستقل”، ومنها السؤال الذي يطرحه جعفر عاقيل: “ما الذي نقصده بالألبوم الفوتوغرافي؟”، لأن “هناك كتابات منشورة تقدّم بوصفها فوتوغرافية، لكن ليس فيها حس احترافي على مستوى الورق، والإخراج، والتصفيف، والنصوص والتعاليق المواكبة للصور، وعلى مستوى جودة الصور المصفوفة على الورق، بالإضافة إلى مشاكل أخرى مطروحة، مما يطرح علينا السؤال التالي: هل عندنا مطابع ودور نشر توفر هذا النوع من الكتب بجودة، ويمكنها خلق تراكم وتنافس أيضا؟”.
وذكر عاقيل أن “تجربة جنس الألبوم الفوتوغرافي بدأت سنة 1974 مع الراحل محمد بن عيسى، فهي حديثة العهد بالمغرب، وتلت هذه المبادرة الأولى مبادرة ثانية هي كتاب داوود اولاد السيد “مغاربة” سنة 1989″. والحصيلة بعد نصف قرن لم تواكبها دراسات، وهي حسب إحصاء رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي “23 كتابا تتوفر فيها مواصفات الألبوم الفوتوغرافي، أي أننا لم نحتسب الكتب المواكبة للمعارض، التي تتأرجح بين الكتاب ودليل المعرض”.
بين هذا العدد الصادر خلال 50 سنة صدر أكثر من نصفها خارج المغرب، فيما صدرت 11 منها داخل البلاد، ووراء 14 منها خمسة فوتوغرافيين مغاربة، مما يتطلب إسهام الدولة في دعم مثل هذه الألبومات، مع تطبيق آليات للتتبع تجنبا للوقوع في الأخطاء الماضية، مع تعميم مثل هذه المنشورات لتكون حاضرة في المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة، ومحيّنة لمعروضات مكتباتها.
وعرفت الندوة تدخل محمد الشيكر، الباحث الجمالي وأستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة محمد الخامس بالرباط، الذي بين “طبيعة الكتاب الفني وتمظهراته وتنويعاته في الفنون البصرية وفي الفنون التشكيلية تخصيصاً”، مشيرا إلى “جملة من الإشكالات الإبستمولوجية التي تتعلق بتجنيس الكتاب الفني التشكيلي، ورسم مداراته، وتحديد هويته البصرية، وبيان حدوده وتراوحه بين الكتاب الفني المتداول والكتاب الفني الفاخر، وبين الكاتالوغ والكتاب الجميل، فضلاً عن موقعه بين التشكيل الخطابي الملفوظ والتشكيل البصري، وتراوحه بين اللساني والأيقوني”.
كما تطرق المحاضر إلى معضلات تداول مثل هذه المنشورات، وإشكالات تلقّيها، وحاجة إخراجها من “ملمحها النخبوي”. بينما اهتمت مداخلة الناقد والباحث محمد اشويكة بوضعية كتاب فني آخر هو “الكتاب السينمائي”، الذي انتقل من “الشغف” إلى “الانتشار البطيء”.
أما محمد المنصوري الإدريسي، نقيب التشكيليين المحترفين بالمغرب، فقد سيّر الندوة، التي تقول أرضيتها إن الكتاب الفني “يمثل نمطاً مخصوصاً في إنتاج الخطاب وتشكيل المعنى؛ وهو بذلك يتأبّٓى على كل صيغة اختزالية ترتدُّ به إلى جنس بعينه من أشكال التعبيرات الخطابية السيّارة، إذ إنه ليس مجرد كاتالوغ صور، ولا مجرد بحث جمالي مصاحب”.
وتتابع الأرضية “ينهض الكتاب الفني على مقومات بنيوية تسمُه وتميزه لتجعل منه قطعة فنية فريدة في جنسها، باذخة في شكلها، وبديعة في نمط إخراجها؛ يتماهى فيها الملفوظ والأيقوني، واللساني والبصري، ويتعالقان في حلة قشيبة تمتع العين وتستميل الذهن وتغذي الخيال. وهو من هذه الزاوية يطرح إشكالات مختلفة تتصل بسياقات تأليفه، ومسالك تسويقه، وصور تلقيه واستجلاء دلالاته ومؤدياته، فضلاً عن صيغ توظيفه البيداغوجي والأكاديمي.”
0 تعليق