تداولت وسائل إعلام الجزائرية عديدة قرار عدول النظام الجزائري عن المشاركة في مناورات “الأسد الإفريقي” ضمن نسختها الـ11، المزمع تنظيمها خلال الفترة من 12 إلى 23 ماي المقبل بكل من أكادير وطانطان وتزنيت والقنيطرة وبنجرير وتيفنيت.
ووفق المصادر ذاتها، فإن مسؤولا في “أفريكوم” أوضح خلال ندوة عبر تقنية التناظر المرئي أن الجزائر دُعيت للمشاركة في تمارين “الأسد الإفريقي” كعضو مراقب، لكنها رفضت الدعوة، مبرزا أن “الدعوة ما زالت مفتوحة”.
ورغم أن المناورات لن تشمل الأراضي المتنازع عليها، إلا أن النظام الجزائري يعتبر المشاركة في هذه التدريبات بمثابة خطوة “تطبيعية” مع السيادة المغربية على الصحراء، وهو ما يعكس استمرار توتر العلاقات مع المملكة على خلفية الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية.
تعنت سياسي
في هذا الصدد، قال عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون الأمنية والعسكرية، إن قرار الجزائر عدم المشاركة في مناورات “الأسد الإفريقي” في نسختها الـ11، المزمع إجراؤها في المغرب، يمثل موقفا سياسيا أكثر منه عسكريا.
وأوضح مكاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الجزائر قد رفضت المشاركة في هذه المناورات لسنوات عدة رغم تلقيها دعوات رسمية، وهو ما يعكس توجها ثابتا في السياسة الدفاعية الجزائرية، التي تسعى إلى الحفاظ على تمايزها عن التكتلات العسكرية الإقليمية، مضيفا أن “الجزائر تفضل العمل ضمن تحالفات استراتيجية خاصة بها، بعيدا عن التدريبات العسكرية متعددة الجنسيات التي تشمل دولا حليفة للمغرب”.
وفي ظل التوتر القائم بين الجزائر والمغرب، أشار مكاوي إلى أن قرار الجزائر يأتي في إطار جيو-استراتيجي يسعى للحفاظ على تمايزها السياسي والإقليمي، مؤكدا أن “الجزائر اختارت الانسحاب بعدما كانت قد أبدت استعدادها للمشاركة رمزيا بستة ضباط”، لافتا إلى أن “هذا التراجع يعكس توجس الجزائر من تعزيز الشراكات العسكرية بين المغرب والولايات المتحدة، بالرغم من أن المناورات هذا العام لن تشمل الأقاليم المتنازع عليها في الصحراء المغربية، مثل إقليم المحبس”.
“قرار الجزائر يعكس خلافات داخلية بين مؤسسات النظام، حيث كانت القيادة العسكرية الأولى قد أبدت رغبتها في إرسال ستة ضباط يمثلون مختلف فروع الجيش بشكل رمزي، لكن جناحا نافذا داخل السلطة رأى في المشاركة تهديدا لعقيدة الجيش الوطني الشعبي، التي تعتبر المغرب عدوا تقليديا”، يسجل المحلل العسكري ذاته قبل أن يضيف: “هذا التراجع يُفهم في سياق تحركات النظام الجزائري لتحويل الأزمات الداخلية إلى قضايا خارجية، مستغلا تبرير الحضور الإسرائيلي في المناورات كغطاء سياسي يساهم في تعزيز خطاب العدو الخارجي وتوحيد الجبهة الداخلية”.
وختم عبد الرحمان مكاوي حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن الجزائر حاولت توظيف مشاركة الجيش الإسرائيلي في مناورات “الأسد الإفريقي” كذريعة لرفض المشاركة، رغم أن الجيشين الجزائري والإسرائيلي قد تواجدا في مناسبات سابقة ضمن تدريبات متعددة الأطراف، سواء في إطار حلف شمال الأطلسي أو تمارين عسكرية أخرى.
عزلة إقليمية
من جانبه، يرى رمضان مسعود العربي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن قرار الجزائر عدم المشاركة في مناورات “الأسد الإفريقي” يتجاوز الجانب العسكري ليعكس تحولات استراتيجية في العلاقات المغربية الجزائرية.
وقال رمضان مسعود، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “هذا الموقف يعبر عن رغبة الجزائر في الحفاظ على موقف سياسي إقليمي مستقل في ظل التوترات المستمرة مع المغرب”، لافتا إلى أن “الجزائر تسعى إلى عدم إضفاء أي شرعية على التعاون العسكري بين المغرب والدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، وهو ما قد يُفهم بأنه تقارب دبلوماسي قد يؤثر على موقفها الثابت بشأن النزاع في الصحراء المغربية”.
وأكد رئيس الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان أن هذا القرار يعكس أيضا رغبة الجزائر في توجيه رسالة حول تمسكها بعقيدتها العدائية التي ترى أن المغرب يشكل تهديدا استراتيجيا، ويجب الحفاظ على مسافة سياسية معه لتجنب أي تقارب قد يُعتبر انتكاسة في سياستها الخارجية.
“العدول عن المشاركة في مناورات الأسد الإفريقي يمكن أن يُفهم أيضا كرفض ضمني للوساطة الأمريكية بين المغرب والجزائر، التي أعلن عنها مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأيام القليلة الماضية”، يؤكد المحلل السياسي نفسه، مضيفا أنه “بقرارها هذا، تسعى الجزائر إلى تجنب أي تقارب قد يفهم كقبول لوساطة أمريكية قد تُفضي إلى تسوية النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية”.
وختم رمضان مسعود العربي تصريحه لهسبريس بالتأكيد على أن القرار الجزائري يجسد أيضا عزلة إقليمية متزايدة، خاصة بعد التوترات الأخيرة مع دول الساحل، حيث أصبح من الواضح أن الجزائر تواجه تحديات أمنية وسياسية متصاعدة على حدودها الجنوبية والجنوبية الغربية، مشددا على أن “مشروع القانون الجزائري الأخير، المتعلق بالتعبئة العامة، يظهر قلقا متزايدا في تلك المناطق، ويؤكد من جديد عزلتها الإقليمية في ظل هذه التحديات المتفاقمة”.
0 تعليق