تأمّل استقبله المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط في شعر الحقوقي الراحل محمد السكتاوي، الذي قاد “منظمة العفو الدولية بالمغرب”، بعد مسار ترك فيه بصمته في السياسة، والنقابة، والتعليم، والعمل الحقوقي الذي كوّن أجيالا من الفاعلين المدنيين فيه داخل المغرب وخارجه.
وعرفت الجلسة تقديم كتاب يضمّ شهادات حول مسار محمد السكتاوي، من بين ما يتّشح به ظهر غلافه آخر ما نشره من قصائد:
هذا الليل يوقظكَ
انهَض يا محمد
لا تنتظر عاما آخر
يأتيك على زورق ذهبي
فوقَ موج أزرق
اصنع زورقك وبحركَ وعواصفكَ
وانشر كوفية أبناء المسيح
شِراعا وانطلق
قاوِم وعانِد
ولو أمسكت بقبض الرّيح
على أسوار طروادة المنهارة
فمنديل أمّك الجبليّ جرح مفتوح
مازال مخطّطا بالدم
وفي الجلسة التي نظّمت في الدورة الثلاثين بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، أمس الجمعة، قالت الناقدة والأكاديمية رشيدة بنمسعود إن ما جمعها بالسكتاوي هو “الحلم، والمشروع السياسي”، ثم تابعت متحدثة عما راكمه من “إنجازات بالنضال الحقوقي ومكاسب لمنظمة العفو الدولية والوطن”، قبل امتطائه “صهوة القول البديع”؛ فكان “الشعر ملاذا ومتنفسا لخزّان نبوغه (…) واستخلص من مكنوناته الداخلية قصيدا أخضر (…) جاعلا من الشعر مزيدا من الشعر”.
الحقوقي محمد الصبار تحدث عن أثر السكتاوي السياسي وبصماته النقابية وجرأته في إبداء الآراء، مع قدرته على فهم موازين القوى، قبل أن يردف: “هو مازال بيننا، والعظماء يبقون”.
وحول تفتّق قريحته ذكر رفيق مساره في “منظمة العفو الدولية” صالح العبدلاوي إن السكتاوي “شاعر معجزة (…) أعرفه لسنوات طويلة، أعرف فيه مثقفا كبيرا، لكن لم ألمس منه حسه الشعري الكبير، حتى فاجأنا في السنوات الأخيرة، وكنت وزوجته لطيفة من المحظوظين الأوائل لتقاسمه قصائده معنا”، وزاد: “بحكمته كان متواضعا كبيرا، ولسنوات طويلة كان يكتب الشعر في صمت، وانتظَر طويلا ليتقاسمه مع الآخرين، بعد إلحاح كبير منا. لقد كانت له قدرة على الكتابة، نجلس في عشاءٍ بمطعم فينغمس في هاتفه في لحظات، نظنه يكتب رسالة، حتى إذا مر الوقت يطلب الرأي في ما كتب، وكذلك لما يرى لوحة، أو في سفرٍ؛ ولم تنشر جميع قصائده في دواوينه الثلاثة، بل عشرات القصائد غير منشورة”.
الناقد عبد اللطيف الوراري تحدث من جهته عن السكتاوي الذي “عرفه الكثيرون مناصرا للعدالة والقضايا العادلة، إلى آخر الرمق في عالم الفظاعات الإنسانية، وهو وجه حقوقي في حومة النضال، من مؤسسي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وقاد باقتدار وشجاعة رأي فرع المغرب لمنظمة العفو الدولية، وغيّر جزءا من البنيات التقليدية للمغرب في سياق التغييرات السياسية والإيديولوجية والسوسيو ثقافية”، وزاد مستدركا: “لكن قلّ من عرف السكتاوي شاعرا، ولم يصرّح بهويته الشعرية إلا في السنوات الأخيرة من حياته من خلال دواوين ‘الشرفات الأربعون’ و’خلاءات’ و’أناجيل الأندلس’؛ بل قبل ذلك لم يصرح بالهوية الاسمية لمن يكتب الشعر، وكان يوقّع باسمين مستعارَين”.
وواصل المتحدث: “في شعر السكتاوي لا تجد الشعارات والهتافات السياسية والإيديولوجية التي ملأت حياته، وهذا تعبير عن وعي شعري حقيقي، والتزام جمالي بالشعر كخطاب ذاتي وجمعيّ في آن، وبأن الذهاب إليه يكون بأدوات الشعر لا بما خارجه”
ويردف الوراري بأن في شعر السكتاوي “إرادة أن يحضن العالم”، وله وصية حول رسالة الشعر “أن ينقذ الجمال في هذا العالم الموبوء، ويحرّر الذات في زمن الذعر القائم، ليبقى نور الأمل في الروح والكتابة”، علما أن موضوعة (تيمة) الأمل “تتكرر كثيرا في قصيدته”.
لطيفة أوزان، المحامية ورفيقة درب الراحل، شهدت على “رجل كان بحجم الحياة ذاتها” عرفته طيلة أربعين عاما “من الحب والنضال؛ مشيناها معا، كتفا بكتف، وقلبا بقلب، نخط رحلة استثنائية، ليست مجرد حياة زوجية، بل قصة عشق عميقة وشراكة منسوجة بالحب والاحترام والشغف بالحياة”، وتابعت: “عاش كما عاش، عاش حبه بعناق ووفاء ونزاهة، الوطن يسكنه، والإنسان قضيته الأولى، ناصرا كل مظلوم، ورافضا لكل قيد، ومؤمنا بأن الحرية حق لا يمنح بل ينتزع، وكانت فلسطين قضيته المقدسة في قلبه، وغزة لم يفارق وجعهُ لها كلماته الأخيرة”.
وختمت زوجة الفقيد محمد السكتاوي كلمتها بقولها: “لم يرحل حقا، روحه تسكنني، من خلال قراءة قصائده؛ لقد كان بوصلة ترشدنا نحو النور، حتى وهو بعيد، وغيابه موجع، لكن أعدك وابنتنا أن نكمل (…) وننشر باقي قصائدك، وشكرا لأنك منحتني الحب والرفقة والقصائد التي تركتها… ولأنك كنت ومازلت وستظل معي”.
0 تعليق