مع تزايد الاهتمام العالمي بقضية التغير المناخي، بات الاستثمار في أدوات التمويل المستدام شرطاً لا غنى عنه لدعم النمو الاقتصادي وحماية البيئة على حد سواء. ومن بين تلك الأدوات الناشئة، تبرز سندات الكربون العقارية كأحد الحلول المبتكرة التي يمكن لقطاع التطوير العقاري في مصر أن يعتمدها لتأمين تمويل منافس وتحفيز المستثمرين محلياً ودولياً.
في السوق العالمي، ارتفع حجم سوق الكربون الطوعي من نحو 1.55 مليار دولار في عام 2024 إلى تقديرات تصل إلى 1.89 مليار دولار خلال 2025، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 21.9٪ . وترى تقارير عالمية أن هذا السوق قد يشهد توسعاً ضخمًا ليصل إلى ما بين 7 و35 مليار دولار بحلول 2030، مع تنامي التزامات الشركات والحكومات بتحقيق أهداف صافي انبعاثات صفرية .
على الصعيد المحلي، أرسى قانون السوق الطوعي للكربون رقم 57 لسنة 2023 إطاراً تشريعياً لإنشاء سجل وطني للكربون خاضع لإشراف الهيئة العامة للرقابة المالية، إضافةً إلى قرار 163 لسنة 2023 باعتماد جهات التحقق المستقلة لمشروعات خفض الانبعاثات. وقد ارتفع عدد المشروعات المدرجة في السجل من 12 مشروعاً في نهاية 2023 إلى 28 مشروعاً مع نهاية الربع الأول من 2025، تنوعت بين الطاقة المتجددة وكفاءة استهلاك الطاقة وإدارة النفايات  .
اقتصادياً، تفتح سندات الكربون العقارية آفاقاً لخفض تكلفة التمويل. فربطها بأدوات التمويل الخضراء قد يتيح للمطورين الحصول على قروض بفوائد تقلّ بمقدار 2–3 نقاط أساس عن معدلات البنوك الحالية (15–20٪)، مما يرفع هامش ربحية المشروعات ويُسرّع إطلاقها. كما أنّ الإدراج في سوق الكربون يدعم جذب رؤوس الأموال الأجنبية، لا سيما أن الدراسات تشير إلى أن تخفيض تكلفة تنفيذ الالتزامات الوطنية (NDCs) حول العالم عبر آليات الكربون سيؤدي إلى توفير نحو 250 مليار دولار بحلول 2030، منها حصة كبيرة لمصر في تمويل المشروعات الخضراء .
من الناحية البيئية، يساهم قطاع البناء حالياً بحوالي 39٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة على مستوى العالم، منها 28٪ انبعاثات تشغيلية و11٪ انبعاثات ناجمة عن تصنيع المواد والإنشاءات . واستهداف هذه الانبعاثات عبر سندات الكربون سيُسهم بشكل ملموس في خفض البصمة الكربونية لمشروعات العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الساحلية المقترحة، ويعزز من التوافق مع أهداف مصر المناخية ضمن اتفاقية باريس.
على صعيد التنمية العمرانية، يمكن ربط المشروعات القومية الكبرى بإصدارات سندات الكربون لتوفير تمويل إضافي مستدام. فإتاحة سلسلة سندات خضراء لتمويل البنية التحتية—كالطرق الذكية ومحطات الطاقة المتجددة وشبكات المياه الذكية—لن يدعم فقط الجانب المالي، بل سيخلق سوقًا ثانوياً نشطاً في البورصة المصرية، تحت إشراف الهيئة العامة للرقابة المالية، ويضمن شفافية تامة وسيولة مستمرة.
لتحويل هذه الرؤية إلى واقع، أوصي بالخطوات التالية:
1. ربط الإصدارات بسوق الأوراق المالية المصري (EGX): لضمان تداول نشط وتكوين أسعار مرجعية.
2. شراكات استراتيجية: مع بنوك التنمية وصناديق الثروة السيادية لجمع رؤوس الأموال الخضراء.
3. معايير قياس موحدة: اعتماد بروتوكولات دولية لاحتساب الانبعاثات الموفرة تلقائياً وإصدار شهادات تحقق دورية.
4. حوافز تشريعية: منح تخفيضات ضريبية ورسوم إصدار للمطورين الأوائل في تطبيق سندات الكربون العقارية.
الفوائد المرتقبة لمصر والاقتصاد المصري
ومن المتوقع أن يحقق تطبيق سندات الكربون العقارية فوائد اقتصادية ملموسة: فقد أكدّت وزارة التخطيط أن مصر يمكن أن توفر حتى 250 مليار دولار من تكلفة تنفيذ الالتزامات المناخية الوطنية بحلول عام 2030، كما يساهم السوق الجديد في جذب استثمارات خضراء سنوية تتراوح بين 3 و5 مليارات دولار عبر بيع أرصدة الكربون، مما يعزز احتياطي النقد الأجنبي ويخفّض العجز التجاري . وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن هذا التحول سيمكّن مصر من تفادي خسائر محتملة في الناتج المحلي الإجمالي تقدر بين 2٪ و6٪ بحلول عام 2060، إلى جانب تحفيز خلق آلاف فرص العمل الخضراء في قطاعات البناء المستدام وإدارة المشاريع الخضراء، وهو ما يدعم أهداف التنمية المستدامة للبلاد ويعزّز قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة تحديات المناخ والتمويل . وبحسب الهيئة العامة للرقابة المالية، يتوقع أن تزداد مساهمة الاقتصاد الأخضر في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5–2٪ خلال السنوات المقبلة، ما يرسخ دور سندات الكربون العقارية كرافعة أساسية للنمو والابتكار في القطاع العقاري والتنمية العمرانية في مصر
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق