من تعزية إلى أزمة شرعية.. قراءة تحليلية في الجدل حول تأبين أحمد الشرع للبابا فرنسيس

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يكن بيان الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع الذي قدم فيه تعازيه للطائفة الكاثوليكية بوفاة البابا فرنسيس، مجرد رسالة بروتوكولية عابرة؛ بل فجّر براكين ساكنة داخل المشهد الجهادي، وأزاح الستار عن صراع أعمق حول الهوية، والشرعية، ومستقبل التيارات الإسلامية المسلحة في سوريا.

من خلال تتبع ردود الفعل، يمكن قراءة هذا الحدث باعتباره علامة فارقة على التصدع المستمر في الحركات الجهادية المعاصرة، وتمزقها بين خطابين متنازعين: خطاب الواقعية السياسية، وخطاب الإطلاق العقائدي.

158.jpeg
الشرع يتقدم بتعزية للطائفة الكاثوليكية

أولًا: الشرع بين خطاب الدولة وخطاب الجهاد

إن بيان الشرع حمل في طياته ما يتجاوز المناسبة الظرفية؛ فقد كان إعلانًا ضمنيًا عن تبني مفهوم "الدولة المدنية"، حيث يصبح الخطاب الديني مرنًا بما يكفي لاستيعاب المكونات الطائفية والمذهبية المختلفة.

لكن هذا التحول شكّل صدمة لجماعات لا تزال تتبنى رؤية صفرية للعالم: حيث لا وجود في قاموسها لـ"التسامح" أو "البراجماتية السياسية".

بالنسبة للتيارات السلفية الجهادية، لا يُعد تأبين البابا خطيئة فقهية فحسب، بل سقوطًا أخلاقيًا واستسلامًا كاملًا لمنظومة "الطاغوت" التي طالما زعمت هيئة تحرير الشام محاربتها.

ثانيًا: السجال الفقهي: فتوى أم معركة على الشرعية؟

الجدل الفقهي الذي أطلقه علماء الجهاد السوريون لم يكن بريئًا؛ بل جاء ليعيد تموضع الشرع ضمن مربع "المرتدين"، حسب التصنيف الجهادي التقليدي.

استدعاء فتاوى مثل تحريم تعزية الكفار إذا تضمنت تمجيدًا لهم، وتحريم الدعاء لهم بالمغفرة، حمل في طياته رسالة مزدوجة: نزع الشرعية الدينية عن الشرع، وتقويض سعيه للظهور كرئيس "مقبول" داخليًا وخارجيًا.

159.jpeg
تكفير الشرع

هنا تتجلى المفارقة الساخرة: نفس الأدوات الفقهية التي استخدمها الشرع في بداياته لتبرير العنف ضد خصومه، أصبحت الآن تُستخدم ضده.

لم تتوقف الهجمات عند الفقهاء؛ بل ذهبت القنوات الإعلامية الداعشية إلى أبعد مدى، ساخرة من الشرع بوصفه "مرشحا للبابوية"، في تلاعب ساخر بالرموز الدينية والسياسية معًا.

هذه السخرية لم تكن عبثية؛ بل كانت تكشف عن أزمة هوية حقيقية تعاني منها الجماعات الجهادية اليوم: كيف تتعامل مع قادة سابقين ينقلبون إلى رجال سياسة؟
هل تسقطهم من حساباتها؟ تكفّرهم؟ أم تستحدث مقاربات جديدة لفهم هذا التحول؟

161.jpeg
تهكم

 الأثر الأعمق: تحولات داخل الحركة الجهادية

ما جرى يكشف عن ظاهرة أعمق مما يبدو للوهلة الأولى:

هناك جيل جديد من الجهاديين يرى أن المعركة لم تعد مجرد "قتال"، بل معركة "سرديات وهوية".

في حين يحاول قادة سابقون – كالشرع – تحويل أدوات العنف إلى أوراق سياسية لشرعنة وجودهم في معادلات الحكم المحلية والإقليمية.


بمعنى آخر: الحركة الجهادية اليوم ليست فقط في حالة حرب مع العالم، بل أيضًا في حرب داخلية مع ذواتها.

 شرعٌ جديد في عالمٍ قديم

بيان أحمد الشرع، بما فيه من نبرة تصالحية، يمثل محاولة جريئة للهروب إلى الأمام؛ لكنه كشف حجم المأزق الذي يعيشه كل قائد جهادي سابق يسعى إلى إعادة تدوير نفسه سياسيًا.

في عالم يحكمه الصراع بين "الهوية" و"البراجماتية"، يبدو أن الشرع، عن قصد أو عن غير قصد، قد فتح الباب أمام موجة من التكفير الداخلي والانشقاقات المحتملة، ليجد نفسه في مواجهة خصوم لا يحاسبونه بلغة السياسة  بل بلغة النار والدم.

في النهاية، قد يكون الشرع قد غيّر بدلته، ولكن ذاكرة خصومه الجهاديين لا تزال عالقة في ميادين الحرب، حيث لا مكان لتأبين الأعداء ولا لمصافحة "الطواغيت".
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق