على مدى ألفي عام، شهدت البابوية تعاقب 266 بابا، كان آخرها البابا فرنسيس، وفقًا لما ذكرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية.
تميزت فترة حكم كل بابا بسمات فريدة تعكس شخصيته وأولوياته. فقد برز بينهم قديسون وعلماء، بينما كان آخرون، خاصة في العصور الوسطى، أقل تأثيرًا، حيث كانت الصراعات بين العقل والنقل تهيمن على تلك الحقبة.
ومنذ منتصف القرن العشرين، ترك البابوات بصمات واضحة على الكرسي الرسولي. على سبيل المثال، البابا بيوس الثاني عشر (1939-1958) واجه تحديات الحرب العالمية الثانية والاضطهاد العرقي، بما في ذلك الهولوكوست. تلاه البابا يوحنا الثالث والعشرون (1958-1963)، الذي استطاع، رغم قصر فترته، إطلاق المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1962، وهو حدث محوري في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. كما دعا إلى السلام العالمي في رسالته الشهيرة "السلام على الأرض"، في وقت كادت الأزمات الدولية تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.
تطورات في عهد بولس السادس ومن بعده
تولى البابا بولس السادس (1963-1978) منصب البابوية، مركزًا على قضايا العصر مثل الصراع العربي الإسرائيلي، وتحديد النسل، والإجهاض، بالإضافة إلى انتشار العلمانية في أوروبا.
أما البابا يوحنا بولس الأول، فقد استمرت فترته 33 يومًا فقط، ليخلفه يوحنا بولس الثاني (1978-2005)، الذي ساهم في إنهاء الشيوعية وسجّل ثالث أطول فترة بابوية في التاريخ.
ثم جاء البابا بندكتوس السادس عشر (2005-2013)، الذي استقال بعد فترة مضطربة، ليفتح المجال أمام البابا فرنسيس (2013-2025).
فرنسيس: بابوية الجدل
أثارت بابوية فرنسيس تساؤلات حول ما إذا كانت فترته ستوحد الكنيسة أم ستزيد من انقساماتها. فقد اتسعت الفجوة بين التقدميين والمحافظين، مما يطرح تحديًا أمام الكرادلة لتجاوز هذا الخلاف. تناول فرنسيس قضايا شائكة بجرأة، مثل الإجهاض، حيث أكد قدسية الحياة لكنه دعا إلى مرافقة النساء اللواتي أجهضن روحيًا، وسط جدل واسع.
قضايا مثيرة للخلاف
تناول فرنسيس قضايا حساسة مثل الإجهاض، حيث شبهه بـ"استئجار قاتل"، لكنه خفف من حدة الموقف الكنسي التقليدي، مما أثار انقسامات. كما عارض حرمان الرئيس الأمريكي جو بايدن من الأسرار المقدسة بسبب موقفه من الإجهاض.
في السياسة الدولية، أبرم اتفاقًا مع الصين عام 2018 لتنظيم تعيين الأساقفة، مما اعتبره المحافظون تنازلًا للصين الشيوعية، بينما دافع الفاتيكان عنه كخطوة ضرورية.
الطلاق والمثلية: انقسامات جديدة
في قضية الطلاق، سهّل فرنسيس إجراءات إبطال الزواج، واقترح مرافقة الأزواج المطلقين دون إتاحة الأسرار المقدسة بشكل عام. أما بشأن مجتمع الميم، فقد أبدى انفتاحًا غير مسبوق، مؤكدًا أن الله يحب الجميع وأن المثلية ليست جريمة، لكنه أبقى على تعاليم الكنيسة التقليدية، مما أثار جدلًا بين المحافظين والتقدميين.
قضايا أخرى وصراعات داخلية
لم تقتصر الخلافات على الإجهاض والمثلية، بل شملت قضايا مثل الاعتداءات الجنسية، ومواقف فرنسيس من الرأسمالية، والبيئة، والأسلحة النووية، بالإضافة إلى علاقاته مع العالم الإسلامي. هذه المواقف جعلت إرثه مثار جدل، حيث يرى البعض أنها أظهرت انقسامات بين التيار الحداثي والمحافظ داخل الكنيسة.
فرنسيس والمحافظون: صراع مستمر
يجادل البعض بأن الانقسامات في الكنيسة لم تبدأ مع فرنسيس، بل تفاقمت بعد استقالة بندكتوس عام 2013. وجود بابوين سابق وحالي في الفاتيكان أثار ارتباكًا بين المؤمنين. عام 2023، كشفت مذكرة للكاردينال جورج بيل عن معارضة محافظة شديدة لفرنسيس، وصفت بابويته بـ"الكارثة". ومع ذلك، عيّن فرنسيس أغلبية الكرادلة الناخبين، مما قد يضمن استمرارية سياساته.
أزمة الاعتداءات الجنسية
عام 2018، واجه فرنسيس أزمة كبيرة بسبب الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة. في تشيلي، دافع في البداية عن أسقف متهم، لكنه اعتذر لاحقًا بعد انتقادات واسعة.
كما تنحى الكاردينال ثيودور مكاريك بسبب سوء سلوك، وكشف تقرير لاحق أن سلفي فرنسيس كانا على علم بتصرفاته. هذه الأزمات زادت من حدة الانتقادات الموجهة إليه.
اتهامات بالهرطقة
اتهم بعض المحافظين فرنسيس بالهرطقة بسبب مواقفه الليبرالية، خاصة في قضايا مثل المثلية والطلاق. عام 2017، وقّع أكثر من 200 عالم رسالة تتهمه بنشر الهرطقة، معتبرين أن نهجه يسبب "فوضى لاهوتية". كما أثار قراره بالعيش في دار ضيافة متواضعة بدلًا من القصر البابوي انتقادات ضمنية لأسلوب الحياة التقليدي للبابوات السابقين.
هل تسبب فرنسيس في انقسام الكنيسة أم كان مجرد عاكس لانقسامات موجودة مسبقًا؟ مواقفه الجريئة جعلته محط تقدير التقدميين وانتقاد المحافظين. مع تعيينه لأغلبية الكرادلة، قد يستمر تأثيره، لكن التحدي الأكبر يبقى في توحيد كنيسة منقسمة بين تيارين فكريين متعارضين.
0 تعليق