محاولة ترامب البائسة للسطو على قناة السويس

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في عالم يعج بالاضطرابات والتناقضات، يطلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جديد بتصريح مثير للجدل، لا يخلو من غرابة ولا يبتعد كثيرًا عن سعيه الدائم لإثارة العواصف الإعلامية.

دعا ترامب إلى أن يُسمح للسفن العسكرية والتجارية الأمريكية بالمرور مجانًا عبر قناتي بنما والسويس، مشيرًا إلى أنه وجه وزير الخارجية الحالي، ماركو روبيو، للعمل "فورًا" لتحقيق هذا الهدف.

تصريحٌ يحمل بين طياته استخفافًا صارخًا بالقوانين الدولية، واستهانةً واضحة بالسيادة الوطنية لمصر، الدولة التي تدير قناة السويس بحق أصيل، وتاريخ طويل من التضحيات.

قناة السويس حيث التاريخ وصفحات المجد والسيادة، منذ لحظة افتتاحها عام 1869، تمثل أكثر من مجرد معبر مائي بين بحرين، كانت وعدًا لمصر بأنها، رغم أنف القوى الكبرى، ستظل صاحبة الكلمة في نقطة اللقاء بين الشرق والغرب.

ورغم أن اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 نصت على ضمان حرية الملاحة في القناة زمن السلم والحرب، إلا أنها لم تُلغِ سيادة مصر عليها ولا حقها في تنظيم المرور وفرض الرسوم، بل أكدت الاتفاقية أن القناة "تبقى مفتوحة لجميع السفن"، دون أن تنفي بالمقابل حق الدولة المالكة في تأمين مصالحها الاقتصادية والإدارية.

وقد جاء تأميم الرئيس جمال عبد الناصر للقناة عام 1956 تتويجًا لهذا الحق، إذ أعلنها مصرية خالصة، ضاربًا عرض الحائط بكل محاولات الابتزاز والوصاية الأجنبية، ليُسطر واحدة من أعظم لحظات الاستقلال العربي في العصر الحديث، ولذلك نقول إن تصريح ترامب هو انتهاك سافر ويسعى لتأثير اقتصادي ضار وجسيم على مصر.. تصريح ترامب الأخير ليس مجرد زلة لسان أو حماسة انتخابية، بل يحمل في عمقه محاولة خبيثة لتقويض واحد من أهم مصادر الدخل القومي لمصر.

فالقناة تمثل اليوم ركيزة اقتصادية لا غنى عنها، إذ حققت إيرادات قياسية في عام 2024 بلغت أكثر من 9.4 مليار دولار، ما يجعلها أحد أهم مصادر العملة الصعبة في البلاد، إلى جانب السياحة وتحويلات المصريين بالخارج.

أي مساس بعائدات قناة السويس يعني توجيه ضربة قاسية لميزان المدفوعات المصري، وإحداث فجوة مالية ستؤثر على القدرة على سداد الالتزامات الدولية، وتضعف العملة الوطنية أمام الدولار.

الرسوم التي تفرضها هيئة قناة السويس لا تُحدد اعتباطًا، بل تُراجع دوريًا بناءً على دراسات سوقية دقيقة، تراعي أوضاع التجارة العالمية والتغيرات في أسعار الشحن والنفط. وتمر عبر منظومة شفافة تخضع للمعايير المعترف بها من قبل المنظمة البحرية الدولية IMO))، مما يعزز شرعيتها أمام المجتمع الدولي.

أما المعاهدات الدولية فهي درع مصر القانوني، وإذا كان ترامب يحاول ليّ عنق الحقائق، فإن الاتفاقيات الدولية تشهد لمصر بحقها الكامل في إدارة القناة وفرض رسوم على عبور السفن، وفقًا لاتفاقية القسطنطينية، ومع ما تلاها من أعراف بحرية دولية، تلتزم قناة السويس بمبدأ "حرية المرور"، لكنها لا تمنح السفن حق المرور المجاني.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن المعاهدات الدولية التي تنظم الملاحة البحرية، كاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، تؤكد على سيادة الدول على الممرات البحرية ضمن مياهها الإقليمية، بما يشمل إدارة وتنظيم وتحصيل رسوم العبور بما يتناسب مع التكاليف الواقعية وبدون تمييز.

بالتالي، فإن مطالبة ترامب ليست فقط افتئاتًا على سيادة مصر، بل هي مطالبة تخالف النصوص القانونية الصريحة، وتضع الولايات المتحدة في موضع الدولة المعتدية على المبادئ التي تدّعي الدفاع عنها.

ولذلك جاء الرد المصري حاسما وبلا تردد.. ولم تتأخر مصر عن الرد، بل جاء بيان وزارة الخارجية واضحًا وصارمًا، مؤكدًا أن قناة السويس تُدار وفق قواعد القانون الدولي، وأن الرسوم المفروضة تُطبق بلا تمييز على جميع السفن، وفقًا لضوابط مدروسة وشفافة.

أما الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، فقد جاء تصريحه أكثر بلاغة حين قال "قناة السويس ليست للبيع، ولا مرور مجاني لأي سفينة على حساب دماء المصريين الذين صنعوا هذا المجد"، وأكد أن القناة تمثل مصدر فخر قومي، ولن يسمح بأي محاولة للمساس بها، سواء عبر تصريحات غوغائية أو عبر ضغوط دبلوماسية.

ردود الفعل الدولية جاءت مثل صدمة مكتومة، ولم تمر تصريحات ترامب مرور الكرام في المحافل الدولية، فقد عبرت صحف غربية كبرى، مثل "الجارديان" البريطانية و"لوموند" الفرنسية، عن دهشتها من هذا الطرح "الاستعماري الساذج"، في وقت يُفترض فيه أن العالم يسعى لاحترام سيادة الدول لا تقويضها، أما الدول الكبرى، فقد اتخذت موقف التحفظ الدبلوماسي، مع تجنب تأييد علني لهذا التصريح الذي وُصف في أروقة السياسة بأنه "فاقد للشرعية القانونية"، و"محاولة مكشوفة لابتزاز سياسي لا أكثر".

مصر وقناة السويس مسيرة خلود لا تعرف الانكسار، تاريخ قناة السويس محفورٌ في ذاكرة أمة بأسرها، تاريخ معجون بالدموع والدماء والعزيمة، مِن حفرها بالسواعد العارية تحت وطأة الاستعمار، إلى تأميمها وإدارتها بعزة الكرامة، كانت القناة وستظل رمزًا لانتصار الإرادة المصرية على الطامعين.

ولعل تصريح ترامب، بكل ما يحمله من غطرسة، أعاد التذكير بأن السيادة لا تُهدى، بل تُنتزع وتُحمى بالنضال.

ومصر، التي مر عليها الكثير من الغزاة لم تنكسر، ولا تخشى خطابًا أجوفًا ولا تهديدًا عابرًا، فقناة السويس ستظل مصرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وستظل رسومها تُحصَّل بما يليق بدماء من صنعوها، لا بما يحلم به من ظن أن العالم لا يزال يُدار بقرارات فوقية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق