الإثنين 28 أبريل 2025
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
سياسة
القوات الحكومية تسعى لفرض سيطرتها.. والحوثيون: استهدافنا يعني التصعيد ضد إسرائيل

في تطور جديد يعكس تصاعد حدة الخطاب السياسي والعسكري، أطلقت جماعة الحوثيين، المعروفة باسم "أنصار الله"، سلسلة تحذيرات شديدة اللهجة موجهة إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وأكدت الجماعة أن أي دعم تقدمه الدولتان لعملية عسكرية جديدة في اليمن سيُقابل بردود عنيفة و"ثمن باهظ"، في حال استهدفت هذه التحركات مواقع حوثية تعتبرها الجماعة استراتيجية.
تأتي هذه التحذيرات في وقت تشهد فيه الساحة اليمنية حالة من الترقب، على خلفية تقارير استخباراتية وإعلامية تشير إلى وجود تحضيرات مكثفة تقودها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بهدف استعادة مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين. ووفق هذه التقارير، فإن العمليات المرتقبة تحظى بدعم لوجستي وعسكري من الرياض وأبوظبي، في إطار محاولة جديدة لتغيير موازين القوى على الأرض.
وتتركز الأنظار بشكل خاص على مدينة الحديدة الساحلية، التي تُعدّ منفذًا بحريًا حيويًا ومركزًا اقتصاديًا بالغ الأهمية. وقد كشفت بعض المصادر عن نية القوات الحكومية إطلاق هجوم واسع النطاق لاستعادة المدينة، كخطوة أولى نحو التقدم شمالًا باتجاه العاصمة صنعاء، التي تسيطر عليها جماعة الحوثي منذ العام ٢٠١٤.
ويُنظر إلى هذه التحركات العسكرية المحتملة على أنها محاولة لكسر حالة الجمود التي سيطرت على الصراع منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في أبريل ٢٠٢٢. لكن التلويح الحوثي برد عسكري قاسٍ يشير إلى أن أي اشتعال جديد للجبهة قد يؤدي إلى انهيار الاتفاقات الهشة، والدخول في مرحلة أكثر دموية وتعقيدًا للصراع اليمني المستمر منذ أكثر من عقد.
حالة تأهب وتصعيد ميداني مرتقب
تواصل جماعة الحوثيين تأكيدها على أنها في "حالة تأهب قصوى" منذ أشهر، وسط مؤشرات متزايدة على قرب اندلاع جولة جديدة من التصعيد العسكري في اليمن. وتأتي هذه التصريحات في سياق تصاعد التوترات، حيث ترى الجماعة أن التحركات الأخيرة للقوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي تمثل تهديدًا مباشرًا لمواقعها الحيوية ومكاسبها الميدانية التي حققتها على مدى سنوات الحرب.
وبحسب بيانات صادرة عن قيادات حوثية، فإن الجماعة رفعت من جاهزيتها القتالية في عدد من الجبهات، مع تعزيز الدفاعات الجوية وتكثيف التحركات الأمنية داخل المناطق التي تسيطر عليها. وتقول الجماعة إنها استبقت أي تحرك عسكري محتمل من خصومها بإعادة نشر قواتها وتطوير قدراتها في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، تحسبًا لأي مفاجآت على الأرض.
في المقابل، لا تزال حالة الهدوء النسبي التي فرضها اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أبريل ٢٠٢٢ قائمة في بعض المناطق، لكنها باتت مهددة في ظل ما يُنقل عن تحشيدات عسكرية متسارعة في جبهات الحديدة ومأرب وتعز. ويُشار إلى أن الاتفاق الذي تمت برعاية الأمم المتحدة ساهم في خفض وتيرة الاشتباكات خلال العامين الماضيين، لكنه لم يُفضِ إلى حل سياسي شامل ينهي حالة الحرب ويؤسس لسلام دائم.
ويرى مراقبون أن التدهور الأخير في الميدان قد يؤدي إلى انهيار شبه كامل للهدنة، وعودة البلاد إلى نقطة الصفر من النزاع. كما حذر محللون من أن أي عملية عسكرية كبرى ستعيد إشعال المعارك في مناطق شديدة الحساسية، ما من شأنه أن يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية ويُفاقم الأوضاع المعيشية لليمنيين، الذين أنهكتهم الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد.
جذور الصراع.. من صنعاء إلى الإقليم
بدأت جذور الصراع اليمني في عام ٢٠١٤، حين سيطرت جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء بعد مواجهات مع القوات الحكومية، مستغلة التوترات السياسية والاحتقان الشعبي في البلاد. هذا الاجتياح شكل نقطة تحول حاسمة في تاريخ اليمن المعاصر، إذ أطاح بالسلطة المركزية وفتح الباب أمام مرحلة من الفوضى والانقسامات العميقة في المشهد السياسي الداخلي.
ردًا على هذا التطور، أعلن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات تدخله العسكري في اليمن عام ٢٠١٥، دعمًا للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا. وسرعان ما تحول النزاع من أزمة داخلية إلى حرب إقليمية، شاركت فيها أطراف متعددة بأجندات سياسية وأمنية متباينة، ما زاد من تعقيد المشهد وساهم في إطالة أمد الصراع.
ومع مرور السنوات، تصاعد نفوذ جماعة الحوثي، التي تمكّنت من تثبيت سيطرتها على مناطق واسعة شمال البلاد، وعلى رأسها صنعاء وصعدة والحديدة. ومع هذا التمدد، تحوّلت الجماعة إلى فاعل إقليمي ضمن "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، وأصبحت سياساتها وتحركاتها العسكرية متشابكة مع أجندات طهران الإقليمية، ما أضفى على الصراع بعدًا جيوسياسيًا يتجاوز الحدود اليمنية.
وازدادت تعقيدات الأزمة بشكل كبير بعد اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر ٢٠٢٣، إذ كثف الحوثيون من عملياتهم العدائية ضد سفن تجارية ومصالح إسرائيلية، في سياق ما اعتبروه دعمًا للمقاومة الفلسطينية. وقد أدى هذا التداخل بين الصراع اليمني وقضايا الإقليم، لا سيما في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إلى رفع مستوى التوتر مع قوى دولية وإقليمية، وزاد من خطورة تداعيات الحرب على الأمن البحري والتجارة العالمية.
نفي رسمي وتحذيرات حوثية
تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير الاستخباراتية والإعلامية التي تتحدث عن استعدادات عسكرية ضخمة تقودها الحكومة اليمنية، بدعم مباشر من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بهدف تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في مناطق استراتيجية خاضعة لسيطرة الحوثيين. ووفقًا لما ورد في بعض هذه التقارير، فإن العملية تستهدف بالدرجة الأولى مدينة الحديدة الساحلية، مع احتمال امتدادها لاحقًا نحو العاصمة صنعاء، التي تُعد المعقل السياسي والعسكري الأبرز للحوثيين.
وبحسب بعض المصادر المقربة من دوائر صنع القرار في المنطقة، فإن الخطة العسكرية تتضمن حشد ما يُقدّر بنحو ٨٠ ألف جندي يمني، يتم تدريبهم وتجهيزهم بدعم إماراتي وسعودي. كما أُشيع أن هذه الخطة قد طُرحت على طاولة النقاش مع مسئولين في الإدارة الأمريكية، التي – وفقًا للتسريبات – أبدت استعدادًا أوليًا لدراسة إمكانية تقديم دعميم سياسي ولوجستي، ضمن إطار تحالف أوسع لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.
في المقابل، سارع مسئولون رفيعو المستوى من كل من الرياض وأبوظبي إلى نفي هذه المزاعم بشكل قاطع. فقد وصف متحدث باسم الحكومة السعودية التقارير بأنها "غير دقيقة ومضللة"، مشددًا على أن المملكة تواصل دعم الحلول السياسية برعاية الأمم المتحدة. كما أكدت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشئون السياسية، أن ما ورد في تلك التقارير لا يمت للواقع بصلة، واصفة إياها بـ"الملفقة والمبنية على تكهنات لا أساس لها".
رغم النفي الرسمي، تلقّت جماعة الحوثي هذه التقارير كتهديد فعلي، واعتبرتها مؤشرًا على نية مبيتة لاستئناف العمليات العسكرية ضدها. وقد ردّت الجماعة بتحذيرات شديدة اللهجة، مؤكدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تصعيد، وأنها على استعداد لتوسيع دائرة الاشتباك لتشمل أهدافًا أبعد من الساحة اليمنية، في حال تم تنفيذ أي هجوم بدعم خارجي مباشر. ويعكس هذا الموقف الحوثي حجم التوتر الذي يخيّم على المشهد، ويُنذر بإمكانية انزلاق البلاد إلى جولة جديدة من الحرب المفتوحة.
التصعيد ضد إسرائيل
في أعقاب التقارير التي تحدثت عن استعدادات لهجوم واسع ضد معاقلهم، صعّد الحوثيون من لهجتهم التحذيرية، مؤكدين أن أي استهداف عسكري لهم، سواء بشكل مباشر أو عبر دعم غير مباشر، سيُقابل بردود فعل واسعة النطاق. واعتبرت الجماعة أن أي تورط من قبل السعودية أو الإمارات في مثل هذا الهجوم لن يُفهم بمعزل عن السياق الإقليمي الأوسع، الذي ترى فيه ارتباطًا عضويًا بالموقف من إسرائيل والحرب الجارية في غزة.
وذهب الحوثيون أبعد من ذلك حين أعلنوا بوضوح أن أي تصعيد ضدهم سيُفسّر لديهم على أنه جزء من عملية دعم لإسرائيل، سواء كان هذا الدعم عسكريًا أو سياسيًا أو حتى لوجستيًا. وأشار الناطقون باسم الجماعة إلى أن الدول الخليجية – في حال مشاركتها أو تسهيلها للعملية العسكرية – ستُحمّل المسئولية الكاملة عن فتح جبهة إقليمية جديدة، تمتد آثارها إلى خارج حدود اليمن، وقد تشمل أهدافًا إسرائيلية أو مصالح حليفة لتل أبيب في المنطقة.
ويأتي هذا التصعيد في الخطاب الحوثي ضمن نهج متواصل تتبعه الجماعة في ربط صراعها الداخلي مع الحكومة اليمنية بالتحولات الجيوسياسية في الإقليم، وخاصة ما يتعلق بمحور المقاومة الذي تقوده إيران. وقد اعتاد الحوثيون منذ سنوات على تقديم أنفسهم كجزء من هذا المحور، مستفيدين من الدعمين السياسي والإعلامي الذي توفره طهران، ومحاولين استثمار القضية الفلسطينية كرافعة لتبرير تحركاتهم العسكرية والسياسية.
من خلال هذا الخطاب، تسعى جماعة الحوثي إلى تعزيز شرعيتها الإقليمية، وتوسيع هامش تحركها السياسي والعسكري في سياق ما تعتبره "مواجهة شاملة مع قوى العدوان والاستكبار". كما يُعد تلويحهم بالتصعيد ضد إسرائيل بمثابة رسالة مزدوجة: تحذير لدول الخليج من مغبة التورط في صراع عسكري، ورسالة تضامن موجهة للرأي العام العربي، في محاولة لكسب التأييد الشعبي واستثمار اللحظة السياسية المرتبطة بالحرب على غزة.
السيناريوهات المقبلة
في ظل المؤشرات المتزايدة على الحشد العسكري والتصعيد الإعلامي، يبقى احتمال اندلاع جولة جديدة من الحرب مفتوحًا بقوة. فالتقارير عن نية التحالف العربي تنفيذ هجوم لاستعادة الحديدة والتقدم نحو صنعاء، وإن كانت منفية رسميًا، تُعزز فرضية أن الحلول العسكرية لا تزال مطروحة على الطاولة. وقد يدفع انسداد الأفق السياسي والتدهور المستمر في الوضع الإنساني بعض الأطراف للرهان على خيار القوة، رغم التجارب السابقة التي أثبتت محدودية هذا المسار.
غير أن عودة المواجهات المسلحة لن تكون مجرد جولة تقليدية في نزاع داخلي، بل قد تكتسب بُعدًا إقليميًا أوسع. فالحوثيون، الذين باتوا طرفًا فاعلًا في محور المقاومة، يربطون أي تصعيد ضدهم بالسياق الإسرائيلي – الفلسطيني، وهو ما يعني أن الرد الحوثي قد يتجاوز الداخل اليمني ليطال أهدافًا إقليمية، كما حدث سابقًا في الهجمات على السعودية أو السفن في البحر الأحمر. هذا التصعيد، في حال حدوثه، سيهدد أمن الملاحة الدولية ويُنذر بتدويل الصراع من جديد.
ويحذر عدد من المحللين، مثل هشام العميسي، من أن اللجوء إلى الحل العسكري دون مرافقة سياسية جادة سيُفضي إلى نتائج عكسية، أبرزها تقوية الخطاب التعبوي للحوثيين وتعزيز حضورهم المجتمعي، خاصة في المناطق التي تعاني من التهميش والإقصاء. كما أن استمرار الصراع يهدد بتآكل ما تبقى من سلطة الحكومة المعترف بها دوليًا، ويُبقي البلاد رهينة لمعادلات الحرب بالوكالة، بدلًا من التوجه نحو بناء دولة وطنية جامعة.
على الجانب الآخر، لا يزال باب الدبلوماسية مفتوحًا، رغم ضيقه وتقلّب مزاج الأطراف الإقليمية والدولية. فالاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة في أبريل ٢٠٢٢، وإن كان هشًا، نجح نسبيًا في الحد من المواجهات المباشرة، وخلق هامشًا لحوارات محلية ووساطات إقليمية، خصوصًا مع التحولات في العلاقات السعودية الإيرانية. ويعتقد البعض أن الضغوط الإنسانية، إلى جانب التكلفة الاقتصادية والسياسية لاستمرار الحرب، قد تدفع باتجاه العودة إلى طاولة المفاوضات.
تشير بعض المؤشرات إلى رغبة دولية في منع تفجر الأوضاع، خاصة من قبل الولايات المتحدة التي باتت ترى في استقرار اليمن ضرورة لحماية خطوط التجارة في البحر الأحمر، ولمنع توسّع نفوذ إيران عبر الجماعات المتحالفة معها. كما أن السعودية، التي بدأت في مراجعة سياساتها الإقليمية، قد ترى في تسوية الأزمة اليمنية بوابة لتخفيف الضغوط الخارجية وتحسين صورتها في المجتمع الدولي، خصوصًا مع استمرار الحديث عن مشاريع تنموية ضخمة مثل "رؤية ٢٠٣٠".
لكن رغم أهمية هذا السيناريو، فإن نجاحه مشروط بتوفر إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، وتقديم تنازلات متبادلة تضع مصلحة اليمن فوق الحسابات الإقليمية. فالمشكلة لا تكمن فقط في غياب الثقة بين الحكومة والحوثيين، بل أيضًا في تشظي القوى المحلية وتضارب مصالح الأطراف الخارجية. لذا فإن أي مفاوضات مستقبلية تحتاج إلى مرجعية واضحة، وضمانات دولية قوية، وأولويات إنسانية عاجلة تعيد الاعتبار للمواطن اليمني الذي أنهكته سنوات الحرب.
بين جبهتين
تحوّل اليمن خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة حرب بالوكالة، تجتمع فيها حسابات قوى إقليمية ودولية متنافسة، ما ساهم في تعقيد الصراع وتغذية استمراره. فبعيدًا عن الجذور المحلية للنزاع، باتت الأطراف الخارجية تلعب دورًا حاسمًا في توجيه مجريات الأحداث، سواء عبر الدعم العسكري والمالي أو من خلال الأجندات السياسية المتباينة. وقد أثبتت التجربة أن أي تحوّل في موازين القوى الإقليمية ينعكس بشكل مباشر على خارطة النفوذ داخل اليمن.
برزت جماعة الحوثي، المعروفة باسم "أنصار الله"، كلاعب إقليمي يرتبط بشكل وثيق بمحور المقاومة الذي تقوده إيران. ولم تعد الجماعة تكتفي بخطاب محلي موجه ضد الحكومة اليمنية أو التحالف العربي، بل وسّعت من نطاق خطابها السياسي والإعلامي ليشمل قضايا إقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. هذا التموقع سمح لها بكسب شرعية معنوية في أوساط قواعد شعبية، خاصة في ظل تصاعد العداء لإسرائيل في الشارع العربي بعد الحرب على غزة.
في تصريحات متكررة، أكدت قيادة الحوثيين أن أي حل سياسي في اليمن لا يمكن فصله عن التطورات الإقليمية، وتحديدًا ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حصار وعدوان. وقد جعلت الجماعة من "رفع الحصار عن غزة ووقف العدوان الإسرائيلي" شرطًا ضمنيًا لأي تسوية شاملة في المنطقة، مكرسة بذلك الربط بين الملف اليمني والملفات الساخنة في الشرق الأوسط، وهو ربط يراه البعض جزءًا من استراتيجية إيرانية أوسع لتوسيع أوراق التفاوض والضغط السياسي.
ورغم هذا البعد الإقليمي، يبقى الداخل اليمني هو الحلقة الأضعف في المعادلة. فقد تدهورت الأوضاع الإنسانية إلى مستويات كارثية، مع تراجع الخدمات الأساسية، وانهيار المنظومة الصحية، وتفشي الفقر والجوع في معظم المناطق. وفي خضم هذا التدهور، لم تُظهر الأطراف المتنازعة – سواء محلية أو مدعومة خارجيًا – اهتمامًا جادًا بتحسين حياة المدنيين، بل تحوّل الشعب اليمني إلى ورقة ضغط في لعبة المصالح الإقليمية والدولية.
ورغم إدراك المجتمع الدولي لتشابك الصراع اليمني مع ملفات المنطقة، إلا أن المواقف الغربية لا تزال متناقضة ومترددة. ففي حين تعلن بعض العواصم الكبرى دعمها لحل سياسي في اليمن، فإنها تغضّ الطرف عن الأدوار الإقليمية المعرقلة، أو تتورط في صفقات سلاح تعمّق من الأزمة. أما الأمم المتحدة، ورغم محاولاتها المستمرة للوساطة، فقد أصبحت مبادراتها رهينة للتجاذبات الجيوسياسية، ما جعل مسار السلام هشًا وغير مستدام.
مفترق طرق
يقف اليمن اليوم على مفترق طرق حاسم بين احتمالين متناقضين: تصعيد عسكري قد يعيد البلاد إلى نقطة الصفر، أو انفراجة سياسية تضع حدًا لأحد أكثر الصراعات تعقيدًا في المنطقة. وبين هذين الخيارين، يبقى الواقع هشًا، تحكمه التقديرات الميدانية، وردود الأفعال الإقليمية، وتوازنات القوى الدولية، في مشهد بالغ التعقيد والتداخل.
وفي ظل التلويح بعملية عسكرية كبرى لاستعادة مناطق استراتيجية، تتزايد التحذيرات من أن أي اندفاعة غير محسوبة قد تؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة، وتُجهِض مساعي الوساطات الأممية التي بالكاد أبقت نافذة الحوار مفتوحة. فالتجربة أثبتت أن الحسم العسكري في اليمن ليس سوى وهم مكلف، يدفع ثمنه المدنيون قبل غيرهم.
رغم كل التحديات، يظل السلام خيارًا واقعيًا إذا توفرت الإرادة السياسية، وتراجع منطق التصعيد لصالح الحلول التوافقية. ويكمن الأمل في إعادة إطلاق مسار سياسي شامل يأخذ في الاعتبار تطلعات اليمنيين بمختلف أطيافهم، ويعالج الجذور الحقيقية للصراع، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية أو الحسابات العسكرية الضيقة.
حتى تتضح معالم المرحلة المقبلة، يبقى اليمن في حالة ترقب مشوب بالحذر. فكل تحرك ميداني أو تصريح سياسي قد يكون كفيلًا بإشعال فتيل مواجهة جديدة أو دفع عجلة التهدئة إلى الأمام. وبين هذا وذاك، يبقى الشعب اليمني هو الضحية الأكبر، يراقب بصمت المآلات المحتملة لصراع طال أمده، وما زال يبحث عن نهاية عادلة ومستقرة.
0 تعليق