شهد منتدى الحوار البرلماني جنوب-جنوب، المنعقد بالرباط حول موضوع “الحوارات البين إقليمية والقارية بدول الجنوب رافعة أساسية لمجابهة التحديات الجديدة للتعاون الدولي وتحقيق السلم والأمن والاستقرار والتنمية المشتركة”، الإعلان عن تأسيس “شبكة الأمناء العامين” للمنتدى، وذلك “تجسيدًا للالتزام الجماعي بضرورة الارتقاء بالعمل البرلماني إلى مستويات أكثر تكاملا وانفتاحا”.
وجاء في البيان التأسيسي للشبكة، الذي تمت المصادقة عليه صباح الثلاثاء خلال اجتماع الأمناء العامين لمجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة بدول الجنوب، أن الغاية هي “تقوية البنية المؤسساتية والإدارية للمجالس التشريعية في فضائنا الجنوبي المشترك، وتوفير إطار دائم لتعزيز المهارات الإدارية والوظيفية وتحديث آليات عمل المؤسسات التشريعية؛ هذا بالإضافة إلى الوعي بأهمية التمكين المؤسساتي للمجالس التشريعية، وتعزيز قدراتها الإدارية من خلال التنسيق بين الأمناء العامين بوصفهم فاعلين إستراتيجيين في ضمان النجاعة المؤسساتية والتقائية الرؤى التنفيذية مع الأهداف التشريعية الكبرى”.
كما تتعلق الأهداف، حسب الوثيقة، بـ”إرساء فضاء مؤسساتي منتظم للحوار وتبادل الخبرات بين الأمناء العامين، وتقوية الكفاءات البشرية والإدارية للمجالس التشريعية؛ فضلاً عن بلورة مبادرات مشتركة لتحديث الإدارة البرلمانية وتعزيز فعاليتها، وكذا المساهمة في تقوية الوظائف الاستشارية والبحثية للمجالس؛ إلى جانب إطلاق برامج مهنية وتكوينية موجهة للأطر الإدارية العليا، ومد جسور التعاون مع الشبكات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
وبخصوص آليات العمل فإنها ستكون عبارة عن “عقد اجتماعات دورية للشبكة بمعدل سنوي أو عند الحاجة، وتشكيل هيئة تنسيق دائمة تتولى متابعة تنفيذ توصيات الشبكة؛ وكذا إحداث بوابة إلكترونية متعددة اللغات للتوثيق والتواصل، ثم تنظيم ورشات موضوعاتية ودورات تدريبية، وإعداد تقارير دورية حول مؤشرات تطور الإدارة البرلمانية، وخلق قاعدة بيانات لتجارب وإصدارات الأمانات العامة”.
وقال الموقعون في الوثيقة التي تتوفر هسبريس على نسخة منها، وتنبثق عن المنتدى المنظم من طرف الغرفة البرلمانية الثانية بالتعاون مع رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي (أسيكا): “نحن الأمناء العامين للمجالس المشاركة في منتدى الحوار البرلماني جنوب جنوب، (…) في إطار نسخته الثالثة (…) ممثلين عن المناطق الجيوسياسية الأربع الكبرى لدول الجنوب بإفريقيا، العالم العربي، أمريكا اللاتينية والكاريبي، وآسيا، نعتبر هذا الاجتماع التمهيدي، الذي سيعقد مستقبلا على نحو سنوي وبصفة دورية وموازية لأشغال منتدى الحوار جنوب جنوب، خطوة تأسيسية محورية نعلن فيها عن إطلاق ‘شبكة الأمناء العامين لمنتدى الحوار جنوب جنوب’، كمبادرة تندرج في سياق دينامية الحوار والتعاون بين بلدان الجنوب، وكإطار ملائم للتبادل والحوار وبحث سبل تطوير الأداء المؤسساتي للمجالس الأعضاء”، مسجلين أنه “سيتمّ لاحقًا العمل على هيكلة الشبكة عبر آليات تشاركية، باعتبارها إطارا تشاوريا وتنسيقيا، يؤسس للتعاون البيني، ويكرس التكامل المؤسساتي كرافعة للدبلوماسية البرلمانية الحديثة”.
وتأتي الخطوة “استلهاما من مضامين إعلان الرباط (مارس) (2022) والبيان الختامي الصادر عن المؤتمر البرلماني للتعاون جنوب جنوب فبراير (2024)، وكذا القرار المتعلق بضرورة تقوية عمل البرلمانات، وضمنها مجالس الشيوخ والمجالس المماثلة بتعدد مكوناتها، بهدف تعزيز رقابتها على أداء السلطة التنفيذية ومدى التزامها بتنفيذ التعهدات الوطنية والدولية، والاضطلاع بدورها في سن التشريعات التي من شأنها تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب”.
وفي هذا السياق أعلن الموقعون عن التزامهم الكامل بهذه المبادرة الإستراتيجية، معبّرين عن “الاستعداد للانخراط الفعلي والعملي في كل الخطوات التي من شأنها إنجاح هذا الإطار الجديد”، الذي “نعتبره تجسيدا عمليا لروح الشراكة والتضامن والتكامل جنوب جنوب، واستثمارا واعدا في كفاءة الموارد البشرية ومتانة المؤسسات ونجاعة الممارسات”.
دبلوماسية برلمانية
الأسد الزروالي، الأمين العام لمجلس المستشارين، قال إن تأسيس الشبكة “مبادرة رائدة وشاملة تروم خلق إطار مؤسساتي دائم للتواصل والتنسيق بين الأمناء العامين، باعتبارهم الفاعلين المحوريين في البنية التنظيمية للمجالس التشريعية”، معتبرا أنها “تتميز بشموليتها الجغرافية، إذ تحتضن في عضويتها ممثلين عن مختلف الأقاليم الجيوسياسية الكبرى للجنوب، بما يعزز من تعددية الرؤى، وغنى التجارب، وتكامل القدرات”.
وأضاف الزروالي في كلمته: “إننا إذ نلتئم اليوم في أول لقاء رسمي يجمع الأمناء العامين من مختلف المجالس التشريعية المشاركة في منتدى الحوار جنوب-جنوب فإن هدفنا الأساسي هو إرساء أرضية صلبة لعمل مشترك قائم على التعدد الجغرافي، والانفتاح الثقافي، والمهنية العالية”، وتابع: “نحن على يقين راسخ بأن هذه المبادرة النوعية ستشكل رافعة جديدة لتعزيز الأداء البرلماني في دول الجنوب”.
وشدد المتحدث على دور الأمناء العامين بوصفهم “حلقة الوصل الأساسية بين الرؤى السياسية للمؤسسات التشريعية، وبين آليات التنفيذ الإداري والفني، ما يجعل من تنسيق جهودهم ضرورة ملحة لتبادل التجارب والخبرات، ورافعة محورية لتوحيد الممارسات الإدارية الفضلى”، وأوضح: “الشبكة لن تقتصر، بحسب تصورنا، على هذه الرهانات، بل ستعمل كذلك على التفكير الجماعي في حلول مبتكرة لتحديات الإدارة البرلمانية”.
وسجّل المسؤول ذاته أن “المبادرة تستند إلى استلهام التجارب الرائدة لبعض الاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية، مع السعي الدؤوب إلى تكييفها مع خصوصيات السياق البرلماني لدول الجنوب؛ كما تأتي في انسجام تام مع أهداف النسخة الثالثة من المنتدى”، المنظم تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، وقال: “هي فرصة للتأكيد على أن الحوار البرلماني البين إقليمي آلية فعالة لمواجهة التحديات المستجدة في مجال السلم، والأمن، والتنمية، وتعزيز مكانة دول الجنوب في المشهد الدولي”.
كما أورد الزروالي أن “تأسيس الشبكة يمثل سابقة في مجال الدبلوماسية البرلمانية الجنوبية، كما يندرج ضمن جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولاسيما تلك المرتبطة ببناء مؤسسات فعالة، مسؤولة، وشفافة، تخضع للمتابعة والتقييم المستمر، وتتبنى مبادئ الحكامة الرشيدة، والتسيير العقلاني للمرافق البرلمانية”، مبرزا أن “الشبكة، عبر تنظيم لقاءات دورية، وورشات تدريبية متخصصة، ومهام دراسية، ستسهم في بناء رأسمال بشري إداري متخصص ومؤهل”.
كما ساندت مداخلات بقية الأمناء الذين تناولوا الكلمة، سواء من أمريكا اللاتينية أو إفريقيا والشرق الأوسط، تأسيس الشبكة في سياق “يعرف تحديات مشتركة تحتاج التنسيق الجماعي لخلق حلول قادرة على تجاوزها ومساعدة الجنوب العالمي على الانخراط في المشهد الدولي المتقلب”، مبرزين دور “المغرب كبلد سبّاق في إرساء مبادرات تحتاجها شعوب المنطقة لتساعدها على التداول في الكثير من قضاياها الحيوية”.
0 تعليق