منذ لحظة عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يغرد فقط من على منصة تروث سوشيال، بل كان يدير الصراع السياسي الداخلي، والمواجهة الاقتصادية الخارجية، وحتى النزاعات العسكرية بجملة أو كلمتين.
تغريداته، التي غالباً ما تُنشر في ساعات مبكرة من الصباح أو قبيل افتتاح الأسواق، لم تكن عشوائية، بل مُوجّهة بعناية إلى جماهير مختلفة: من وول ستريت إلى المحافظين، ومن بكين إلى غزة.
في هذا التقرير، نرصد أبرز الشخصيات والدول التي استهدفتها تغريداته، وأثر تلك الكلمات القصيرة على الداخل والخارج.
جيروم باول.. عدو الفائدة المرتفعة
ترامب لم يوفر رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول من هجومه، حيث كتب: "جيروم باول هو خاسر كبير، ومتأخر دائماً، خفض الفائدة لا يأتي بسرعة كافية".
تغريدة واحدة كانت كافية لقلب الأسواق رأساً على عقب، وسط مخاوف من احتمال إقالة باول أو الضغط عليه لتغيير سياسته النقدية.
وعلى الرغم من عودة ترامب لاحقاً لتأكيد عدم نيته الإقالة، إلا أن الضرر الاقتصادي والمعنوي كان قد وقع.
بايدن والقضاة.. خونة الأمة؟
هجوم ترامب المستمر على الرئيس السابق جو بايدن لم يتوقف، بل ازدادت حدته مع كل أزمة داخلية.
كتب في إحدى تغريداته: "بايدن ترك البلاد في حالة فوضى"، وتبعها باتهامات له بالتسبب في فيضان من المهاجرين والمجرمين.
أما القضاة الذين نظروا قضايا ضده، فوصفهم بـ"المنحازين"، وخصومه السياسيين بـ"الخونة"، مما أثار جدلاً قانونياً وأخلاقياً حول احترامه لمبدأ فصل السلطات.
بوتين وزيلينسكي.. من التهدئة إلى الاستفزاز
رغم العلاقات المتقاربة سابقاً، لم يتردد ترامب في توجيه نداء لبوتين عبر تغريدة مقتضبة: "فلاديمير، توقف" بعد هجوم روسي على كييف، ما اعتبره البعض استفزازاً سطحياً.
في المقابل، هاجم الرئيس الأوكراني زيلينسكي ووصفه بـ"الضعيف"، داعياً لحل تفاوضي قبل "أن تتفاقم الفوضى".

التصعيد الاقتصادي الصين وأوروبا وكندا في مرمى النيران
استهدفت الصين بخمس تغريدات، شملت اتهامات بـ"الاحتيال التجاري" وتهديدات برفع الرسوم إلى 125%. لم تسلم كندا من السخرية، فقد اقترح ترامب ضمها "كولاية أميركية"، كما فرض عليها رسوماً.
أوروبا بدورها كانت هدفاً لتغريدات تهدد بفرض رسوم 200% على النبيذ والشمبانيا، بينما طالت الرسوم أستراليا أيضاً.
غزة: من ترامب غزة إلى التهجير
في مشهد لافت، نشر ترامب فيديو ذكاء اصطناعي يتخيّل غزة كمشروع سياحي فاخر يحمل اسمه ترامب غزة، واقترح إعادة توطين السكان في دول مجاورة، ما أثار عاصفة من الغضب العربي والدولي، واعتُبر دعماً صارخاً لسياسات التهجير القسري.
تحليل الكلمات وتوقيت التغريدات: سياسة بإيقاع السوق
أظهرت بيانات التغريدات أن الكلمات الأكثر تكراراً لدى ترامب كانت تتعلق بالسياسات التجارية (40%)، تليها الاقتصاد (25%)، والهجرة (15%)، ثم السياسة الداخلية والشؤون الدولية (10% لكل منهما).
اللافت أن ترامب يختار توقيت تغريداته بعناية، لتسبق افتتاح الأسواق أو تتزامن مع أزمات، مما يعكس استخداماً منهجياً للمنصة كأداة تأثير مباشر.
تغريدات دونالد ترامب لم تعد تعبيراً عن الرأي، بل أصبحت أدوات لصياغة السياسات، وخلق المواجهات، وربما حتى تسويق الطموحات الشخصية.
سواء أكان الحديث عن أسعار الفائدة أو تهجير الفلسطينيين أو ضم كندا، فإن كل 280 حرفاً من ترامب تحمل وراءها سياسة كاملة، وتبعات لا يمكن التنبؤ بها.
0 تعليق