منذ تأسيس مجموعته الصناعية سنة 2009، اختار أنور راضي أن يسلك طريقا مختلفا عن المعتاد، طريقا يرتكز على بناء نموذج صناعي متكامل نابع من التربة المغربية، قائم على التمركز المحلي والمعرفة الدقيقة باحتياجات السوق وثقافة مقاولاتية تشرك الأفراد وتحفزهم على المبادرة. وعلى مدى أقل من عقدين، فرضت “إنوسيس” نفسها كفاعل وازن في سوق منتجات النظافة، بفضل علامات مثل PAPILLON و MIO ZEN التي كسبت ثقة المستهلك المغربي. قصة نجاح تبنى بعزم وثبات، بعيدا عن الأضواء.
في عام 2009، حين كانت السوق المغربية لمنتجات التنظيف تهيمن عليها علامات دولية، لم يكن أحد يتوقع أن فاعلا محليا قد يتمكّن من فرض نفسه في منافسة مباشرة مع الكبار.
أنور راضي، المهندس المتخصص الذي تمرس في مجالات الصناعات الثقيلة والكيمياء، قرّر الرهان على الإمكانيات الوطنية، وأطلق شركة AMA Détergent أكبر مركب صناعي لإنتاج مواد التنظيف بالمغرب، برؤية واضحة: خلق علامات تجارية مغربية قوية، متجذرة في العادات المحلية، مع تحكم كامل في سلسلة القيمة.
وفي هذا الإطار، قال راضي: “كنا دائما نؤمن بأن الكفاءات المغربية قادرة على مجاراة الأفضل. ما تحتاجه هو الثقة، والوسائل، ورفض التنازل عن سقف الطموح”.
وبينما فضّلت العديد من الشركات اللجوء إلى الاستيراد، آمن راضي بأن التصنيع المحلي هو الخيار الأجدى على المدى الطويل، وحرص على تطوير تركيبات داخلية ومنتجات مصممة لتلائم واقع الأسر المغربية، بعيدا عن النسخ الأعمى للمعايير الأجنبية؛ فهدفه لا يتمثل في تكرار المعايير القائمة، بل العمل على بناء نموذج بديل، تصنيعي، متكامل، يستند إلى ثقافة مقاولاتية قوية، وقراءة دقيقة للسوق المحلية.
علامة تفرض حضورها بثبات
في ظل اتساع نطاق منتجات AMA Détergent، جاءت لحظة التحول الحقيقي بإطلاق علامة MIO، المتخصصة في مواد التنظيف والغسيل. بتركيبتها الفعالة وبساطتها وسعرها المناسب، استطاعت العلامة أن تكسب ثقة المستهلك المغربي، إلى أن توجت في عام 2025 بلقب “منتج السنة” في ثلاث فئات؛ وهي: سائل الغسيل للغسالات الأوتوماتيكية، ومسحوق الغسيل الأوتوماتيكي، ومسحوق الغسيل للآلات العادية واليدوي.
ومع تطور نشاط المجموعة، جرى توحيد مختلف كياناتها تحت مظلة الهولدينغ الصناعي “إنوسيس”، الذي يضم إلى جانب AMA Détergent، شركات أخرى كـ AMA Papillon، وSulfonation، وFMCG، بالإضافة إلى بنية لوجيستيكية داخلية. لم يكن هذا التوسع نتيجة ضغط السوق؛ بل انعكاسا لرؤية استراتيجية قوية ترى في التكامل الصناعي شرطا للمرونة والقدرة على الابتكار.
في هذا الشأن، أوضح أنور راضي، المهندس المتخصص الذي تمرس في مجالات الصناعات الثقيلة والكيمياء، قائلا إن “الصناعة المغربية، عندما تقترن بالإتقان، تمتلك القدرة على تجاوز الحدود”.
وهذا النموذج المتكامل مكّن “إنوسيس” من الاستجابة بسرعة لتحولات السوق، وضمان جودة الإنتاج والتوزيع، وتحفيز الابتكار المنطلق من الممارسة المحلية.
وفي 2025، أطلقت MIO أول سائل لغسيل الأواني بقوة الخل الأبيض يصنع في المغرب. منتج مستوحى من التقاليد المنزلية، يؤكد أن الابتكار لا يعني دائما التكنولوجيا المتقدمة؛ بل أحيانا يعني فقط الاستجابة الذكية للاحتياجات المحلية المألوفة.
ثقافة مقاولاتية داعمة
ما يجعل “إنوسيس” أكثر من مجرد مجموعة صناعية هو نموذجها في التسيير؛ فبدل الهرمية الكلاسيكية، تعتمد المجموعة على مبدأ المسؤولية التشاركية، حيث ينظر إلى كل موظف على أنه شريك في المشروع وصاحب قرار، شعارها الداخلي “ما كايناش ما يمكنش” الذي يجسد إرادة جماعية لا تعرف المستحيل.
وفي هذا الإطار، أبرز راضي: “اخترنا أن نراهن على الكفاءة الوطنية؛ لأن المغرب يتوفر على طاقات حقيقية تحتاج فقط إلى إطار جاد ووضع الثقة فيها بوعي رزين”.
هذه الثقافة المقاولاتية مكّنت المجموعة من ضمان ولاء طاقاتها البشرية، واستقطاب أطر شابة من الجامعات المغربية، وإشراكها في مواقع مسؤولية عليا، في بيئة تثمّن الاجتهاد وتكافئ الإنجاز.
مشروع بطموح يتجاوز الحدود
اليوم، تشغل “إنوسيس” ما يفوق 1500 مستخدم، توزع منتجاتها في مختلف مناطق المغرب، وتخطو بثبات نحو التوسع في أسواق غرب إفريقيا. ومع ذلك، لا يتعامل أنور راضي مع ما تحقق كغاية؛ بل كمرحلة من مشروع طويل الأمد.
رضا سويلمي، المدير العام لإنوسيس، قال إن “ما نبنيه ليس فرصة عابرة، بل رؤية صناعية قائمة على الانسجام، والقرب من الميدان، والدقة في التنفيذ”. ففي منظومة اقتصادية لا تزال خاضعة لنفوذ الفاعلين الدوليين، تقدم تجربة “إنوسيس” برهانا عمليا على أن التصنيع المحلي يمكن أن يتحول إلى خيار استراتيجي حقيقي، لا مجرد بديل تكميلي. تجربة تثبت أن الانطلاق من الداخل، عندما يقترن بالإرادة والكفاءة، يمكنه أن يصنع فرقا.
ولأن النجاح لا يكتمل إلا بمشاركته، يرى راضي أن هذه التجربة يجب أن تلهم مقاولين مغاربة آخرين يراهنون على الجذور، ويصنعون النجاح من أرضهم المغربية بأيديهم ولأجل مجتمعهم.
0 تعليق