احتضنت المحكمة الابتدائية بسوق السبت أولاد النمة ندوة وطنية موسعة حول موضوع “الأمن العقاري: الإكراهات والآفاق”، بمشاركة قضاة وعدول وموثقين وأكاديميين، إلى جانب فاعلين مؤسساتيين وتشريعيين، في نقاش عمومي حيوي حول مستقبل المنظومة العقارية بالمغرب.
اللقاء المنظم بشراكة بين المجلسين الجهويين لعدول استئنافيتي بني ملال وطنجة وهيئة العدول، ناقش عمق الإشكالات البنيوية التي تعتري المشهد العقاري، من تعدد الأنظمة القانونية وتداخل الاختصاصات، إلى غياب التنسيق المؤسساتي، ما يعيق الاستقرار التعاقدي ويهدد الثقة في المعاملات.
المشاركون شددوا على أن الأمن العقاري لم يعد ترفا قانونيا، بل ضرورة تنموية ترتبط بجذب الاستثمار وتحقيق العدالة الاجتماعية، مطالبين بإصلاح تشريعي يضمن توحيد المرجعيات القانونية، ورقمنة المساطر، وتطوير الحكامة العقارية بما يتلاءم وروح دستور 2011.
وفي كلمتها الافتتاحية، نبهت رئيسة المحكمة، عائشة العازم، إلى أن الرصيد العقاري بالمنطقة بات يعاني من ضغط حضري متزايد، وتنوع في الملفات المعروضة على القضاء، مؤكدة أن الحماية القانونية للوعاء العقاري تظل رهانا أساسيا لتحقيق العدالة المجالية وتحفيز التنمية.
من جانبه، اعتبر بوشعيب لوردي، وكيل الملك بالمحكمة نفسها، أن تعدد الأنظمة القانونية وتنامي الاستيلاء على عقارات الغير يفرضان مقاربة أكثر صرامة في ضبط المعاملات، مبرزا أن المنظومة العقارية الحالية بحاجة إلى إعادة هيكلة تشريعية تُعيد الثقة وتُقلّص النزاعات.
الندوة لم تكتف بالتشخيص، بل دعت إلى بناء رؤية وطنية مندمجة ترتكز على تكامل الأدوار بين القضاء والتوثيق العدلي والهيئات المكلفة بالتدبير، مع ضرورة تقوية التكوين المستمر للعدول والموثقين لمواكبة التحولات القانونية والتقنية.
وأكد إدريس طرالي، رئيس المجلس الجهوي لعدول دائرة الاستئناف بني ملال، أن العدالة التوثيقية تمثل صمام أمان للحقوق العقارية، بينما شدد سعيد الصروخ، رئيس مجلس عدول استئنافية طنجة، على أهمية إشراك الجهات في صياغة الحلول، وتوسيع النقاش نحو الجهات الأقل استفادة من الدينامية العقارية.
وخلصت الندوة إلى أن الأمن العقاري لا يمكن تحقيقه دون إصلاح شمولي يربط بين التحديث التشريعي والمأسسة والرقمنة، ويكرس ثقة المواطن في دولة القانون، مع إعادة الاعتبار لدور التوثيق العدلي كركيزة للتنمية العقارية الآمنة والمستدامة.
في ختام هذه الندوة، جرى تكريم عدد من الشخصيات القضائية والعدلية، اعترافًا بإسهاماتها النوعية في خدمة العدالة، في لحظة استحضرت قيم الوفاء، وربطت البعد العلمي بالبعد الإنساني في واحدة من أبرز المحطات القانونية التي عرفتها جهة بني ملال-خنيفرة.
0 تعليق